قبل أيام قليلة، ظهرت الإعلامية والسياسية الفرنسية سيلين بينا في أحد البرامج على قناة «سي نيوز» الفرنسية وهي تعلّق على «انعدام الإنسانية» أمام مشهد قتل الأطفال في الحرب الفلسطينية الصهيونية. للوهلة الأولى، يخدعنا شكلها ومنطق اللغة الذي تتحدث فيه، فهذه الناشطة اليسارية التي أمضت عشرين عاماً في الحزب الاشتراكي قبل أن تصبح نائبة رئيس إحدى البلديات الواقعة في منطقة «إيل دو فرانس» في الشمال، والمستشارة الإقليمية ذات البشرة البيضاء والعينين الزرقاوين والشعر الأشقر والنبرة الواثقة، لا بدّ أنّها ستنحاز إلى الأطفال وتطالب بوقف الجرائم الحربية التي قتلت ما يقارب خمسة آلاف طفل فلسطيني في غزة، بين القصف المباشر على بيوت المدنيين والاستهداف المتكرّر والمستمر لمستشفيات القطاع، وشنّ الغارات عمداً على مدارس الإيواء التي يحتمي فيها الأطفال والنساء باعتبارها أماكن آمنة من الاستهداف الحربي.
(محمد سباعنة ــ فلسطين)

حسناً، حتى لا نبدو ساذجين في انتظارنا لموقف مماثل «مُحِقّ» وجريء وواضح من سياسيّة فرنسية، سنفترض أنّها حتماً قد تستعمل الأطفال ذريعةً لتطالب بوقف إطلاق النار أو بهدنة إنسانية تقوم عبرها بالمساواة بين الفلسطينيين والمستوطنين، على غرار اللغة التي باتت تظهر على لسان الأكاديميين والمثقفين الغربيين الذين يساوون بين المقاومة والاحتلال الاستيطاني، لكنّ بينا فاجأتنا بوقاحتها وانعدام إنسانيتها.
سقط قناع الإنسانية والمنطق منذ الثواني الأولى التي فتحت فيها سيلين بينا فمها، إذ قالت من دون أن يرفّ لها جفن: «علينا ألّا نساوي بين قتل الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين». لا تكمن المشكلة الأبرز في موقفها المؤيّد من دون شرطٍ للصهيونية، بل في اللغة التي تستعملها للتمييز بين موت الأطفال الفلسطينيين وموت أطفال المستوطنين: «عندما تنفجر قنبلة وتسبب أضراراً كبيرة في المكان، ستقتل بلا شك أطفالاً، لكنّ هؤلاء الأطفال (الفلسطينيين) لا يموتون وهم يشعرون بأن الإنسانية خانت حقوقهم التي كانوا ينتظرونها، ولكن من الفظيع أن تتخيّل الأطفال الإسرائيليين الذين كانت أعمارهم 8 و9 و10 سنوات وهؤلاء النساء رحلوا وهم يحملون صورة أخيرة لا إنسانية عن الفظائع وازدراء لصورتهم، وهنا تكمن الجريمة ضد الإنسانية، النفي المطلق». نلاحظ هنا أنها تحاول تعزيز فكرتها عن نزع المساواة بين الطرفين، إذ تدّعي إدراكها لخطورة الجريمة الإنسانية: «علينا أن نشرح ذلك على نحو أفضل، لأنه إن لم نفعل، ستصبح مشاعرنا متساوية بين جميع الضحايا إلّا أن هذا صحيح، موت فلسطيني وموت إسرائيلي يبقى موتاً، لكن طريقة موتهما هي المختلفة، وهي ستشير إلى إنسانيتنا أو عدم إنسانيتنا. علينا ألّا نساوي بين قتل الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين». تستخلص الإعلامية العنصرية للجمهور الأوروبي أنّ موت الأطفال الفلسطينيين هو «إنساني». أمّا موت الأطفال والنساء «الإسرائيليين» المستوطنين، فهو «لا إنساني» وتحذر من أنّ سكوت الغرب عن هذا التصنيف يجعله «عديم الإنسانية».
فعلاً، علينا ألّا نساوي بين الطرفين، فهما في اللغة ليْسا أيّ طرفَي نزاع أو صراع، بل يجب استخدام المصطلحين المناسبين للحديث عنهما: لا يجب المساواة بين المقاومة والاحتلال، بين صاحب الأرض والمستَوطِن. كما أنّه ليس بالجديد على سكان كوكب الغرب أن يروا الشرق وسكانه الأصليين بشراً مثلهم، يحبون ويحلمون ويتألمون ويحزنون مثلهم تماماً.
سقط قناع الإنسانية والمنطق منذ الثواني الأولى التي فتحت فيها سيلين بينا فمها

منذ اكتشاف الغرب لثروات الشرق وهو في مقارنة دائمة ــ غير واقعية ـــ بين العالمَين، الغرب «المتنوّر والمتحضّر» والشرق «المظلم والمتخلّف». ترضي هذه المقارنة ضمائرهم وتبرّر لهم استعمار بلادنا ونهب أراضينا و«استعباد» أُناسنا وقتل أطفالنا وأهالينا. نحن مجرّد أرقام بالنسبة إلى الحكومات الغربية التي تسعى إلى السيطرة على أوطاننا، وشهداؤنا بالنسبة إليهم مجرّد أرقام يجب أن تبقى في ارتفاع حتى لا تبقى فينا أي مقاومة لمشاريع الاستعمار المادية أو الثقافية الناعمة. نحن لسنا أرقاماً، وشهداؤنا ليسوا رقماً مُجملاً، عشرة آلاف شهيدٍ تعني عشرة آلاف صورة وعشرة آلاف حياة، وعشرة آلاف حلم، وعشرة آلاف مستقبل وأمنيات. من هنا جاءت مبادرة «شهداء غزة» على منصّتي إكس (@GazaShaheed) وإنستغرام (Gaza.shaheed) معلنةً: «لأنهم ليسوا أرقاماً، ولا مجرّد عددٍ في الأخبار، سيتخصّص هذا الحساب في توثيق أسماء شهداء محرقة غزة 2023 وقصصهم وصورهم». بدأ هذا الحساب مناشدته بضرورة توثيق أسماء الشهداء منذ عملية «طوفان الأقصى» في السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2023، داعياً الناس: «ساعدونا في النشر، ونستقبل في الرسائل صور الشهداء وأسماءهم مع تاريخ استشهادهم، وقصّتهم».
في ما يلي مجموعة أحلام وإنجازات وشهادات وصفاتٍ تميّز شهداء غزة كلّاً على حدة، نستذكر أسماءهم وصورهم كما جاء على صفحة «شهداء غزة» عبر منصة إكس. يذكر أن هذه الأسماء والصور والقصص لم تكن لتدوّن وتحفظ لولا رسائل أصدقاء الشهداء وزملائهم وأهاليهم الذين وجدوا في هذه المبادرة ما يُبقي أحباءهم «بشراً» لا أرقاماً.

مبادرة «شهداء غزة» على منصّتي إكس (@GazaShaheed) وإنستغرام
(Gaza.shaheed)

سميرة مهدي


الطبيبة العروسة سميرة مهدي... بقيت تناشد العالم أن يخرجوها هي وعائلتها، من دون أن يصلهم أحد.
استشهدت سميرة هي وجميع عائلتها، إثر قصف الاحتلال المُجرم بيتهم وهم بداخله، أمس، 11/11/2023.

إسراء عبد الله الأشقر


طبيبة عناية وتخدير... كانت تؤدي عملها في المستشفى الإندونيسي في شمال غزة، عادت لرؤية عائلتها، فقُصف البيت واستشهدت مع 17 فرداً من عائلتها.
تاريخ الشهادة: 30/10/2023.

مسك السوسي


مسك ابنة الشاب الطيب المحبوب عماد السوسي، أشهر بائع فلافل في غزة ارتقت شهيدة برصاص الاحتلال قبل أيام.

أمل الحواجري


الشهيدة أمل الحواجري 27 سنة، وطفلاها الشهيدين أيمن 3 سنين وأحمد 10 شهور. أمل خرّيجة شريعة وقانون.
كانت هي القلب الكبير في البيت وكانت بمثابة الأم للجميع.
عاشت كل حياتها في غزة، وكان نفسها تسافر وتشوف العالم. وكانت كتير شاطرة في صنع الحلويات.
استشهدت في: 21/10/2023.

محمد أكرم نصار


شاب خلوق محبوب من الجميع، كان يحب فريق ريال مدريد... لاعبه المفضل خوسيلو. كان دائم المبسم!
كان بتمنى يكون له طفل يقول له بابا، فقد استشهد والده وعمره 4 سنوات.
تاريخ الاستشهاد: 9/11/2023.

محمد عجور


نابغة في الرياضيات ومبرمج محترف. متزوج ولديه طفل عمره أقل من عامين.
كان خدوماً ومحبوباً. أنشأ شركته في عمر 27... وحلُمَ أن يعمل في إحدى الشركات العالمية المعروفة ليرفع اسم فلسطين عالياً.
استشهد في 19/10/2023، نازحاً في رفح جنوب قطاع غزة.
المحامي طراد أبو دقة.
القوي في شخصيته.. الأنيق في ملابسه.. الرقيق في مشاعره.. وجدت جثته بعد البحث عنه تحت أنقاض المنزل لمدة 14 يوماً، حيث استشهد هو و4 من أبناء عمومته.
تاريخ الاستشهاد 23/10/2023.

آدم حسام مسلّم


صف خامس شاطر كثير بالمدرسة. كان بحب القرآن وحافظ منه كثير. بحب كرة السلة وكان بتدرب مع ناشئين مخيّم المغازي لكرة السلة. محبوب ونشيط كثير.
استشهد اليوم 11/11/2023، فجراً في مخيم النصيرات في قصف منزل آل بدوان.

بيروت محمد أبو شملة


بيروت محمد أبو شملة، 3 سنوات، سُمّيت بيروت لأنها ولدت يوم انفجار بيروت في 4 أغسطس 2020. كانت ابتسامتها ثابتة، مليئة بالنشاط والحيوية.
استشهدت بيروت في غارة جوية إسرائيلية على منزلها في غزة في أكتوبر 2023.

عمر وأحمد وبسام أبو حصيرة


استشهدوا مع أمهم ووالدهم وجميع عائلة والدهم من الجدّ وحتى آخر حفيد. وهي أختهم مريم عمرها شهر ونص. 4 رجال و5 نساء و7 أطفال آخرين.
تاريخ الاستشهاد: 26/10/2023.

مصعب أكرم نصار


متزوج وأب لطفلة اسمها جوليا، كبر يتيماً، بعد أن قتل الاحتلال والده وهو في السادسة من عمره، ارتقى برفقة زوجته وأخوته، كما استشهد جده قبل أيام.
واليوم جوليا ستعيش يتيمة كما والدها.
تاريخ الاستشهاد: 2023-11-9.

نور إعبيان وحنين البسيوني


نور رحل من الشمال إلى الجنوب حتى يكون بمكان آمن هو وزوجته الحامل بطفلهما الأول. الاحتلال قتل نور وزوجته والجنين.
تاريخ الاستشهاد: 26/10/2023.

محمد المصري


مدرّس لغة عربية وشخصية بسيطة وطيبة القلب. كان صاحب لكل طلابه. زوجته سلام ميمة. صحافية هادئة وبسيطة. أولادهما (هادي وعلي وشام)، انقصف البيت عليهم بتاريخ 10/10.. استشهد الكل، وبقي علي (6 سنوات)، حي وجريح، لا يعلم مصير أهله إلى الآن!

عمر فراونة


عميد كلية الطبّ في الجامعة الإسلامية.
حاز شهادة الدكتوراة في وظائف الأعضاء من بريطانيا وخدم أبناء شعبه طبياً لأكثر من 30 عاماً.
استشهد برفقة زوجته و13 فرداً من أبنائه وأحفاده.
تاريخ الاستشهاد: 2023-10-15

تاليا هشام طباسي


استشهدت في قصف منزل جيرانهم. كانت آخر العنقود وأدلع طفلة في عائلتها ومحبوبة الجميع!
تاريخ الاستشهاد: 16/10/2023.

رنا المقيد


استشهدت مع والدتها الشهيدة شيماء صالحة، في قصف منزل عائلتها.