تطوف كاميرا هاتف واحدٍ من مستوطِني مدينة عسقلان، بين شوارع يملؤها الركام وسيّارات محترقة، وسط دهشة وذهول كبيرَين. ينتشر الفيديو عبر المجموعات التفاعلية العبرية، مخلّفاً سخطاً كبيراً على رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، وأداء جيش الاحتلال. قَلبت ضربة السابعة من مساء أوّل من أمس، ساعة الرمل. المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية التي كانت تحاول انتزاع الهدوء وهي راضية بقدر الثمن الذي دُفع طوال ذلك اليوم، دفعتها الضربة الصاروخية الكبيرة إلى تحويل خطابها، من التمهيد للهدوء ووقف النار، إلى الاستعداد لمزيد من القتال والنار. في مؤتمره الصحافي، خرج نتنياهو كالح الوجه، مؤكداً أن الحديث عن وقف النار انتهى، فيما أفرد محلّلون إسرائيليون مساحة لِما سمّوه «الخديعة» التي تعرّضوا لها من «الجهاد الإسلامي»؛ إذ كان الوسطاء الإقليميون ومعهم وسائل الإعلام العبرية، يؤكدون أن وقفاً متبادلاً للنار بدأ في حينه، ثمّ جاء إطلاق المقاومة رشقات صاروخية كبيرة، ليمثّل الردّ العملاني على أطروحات التهدئة.وفقاً لمصادر في المقاومة، فإن «رشقة السابعة» استمرّت لنحو 10 دقائق، وتضمّنت الدفعة الأولى منها إطلاق عشرات الصواريخ نحو مستوطنات «الغلاف»، ما تسبّب بإرباك منظومة «القبة الحديدية» وتفريغها، حيث استطاعت معظم الصواريخ ذوات الرأس التفجيري الثقيل الوصول إلى نحو 17 مستوطنة في لحظة واحدة، فيما دوّت صافرات الإنذار، بالتزامن أيضاً، في «زيكيم» و«نتيف هعسراه» و«بلمحيم» و«حولون» و«ريشون لستيون» و«زمرات» و«شوبا» و«تكوما» و«جفن» و«تيروش» و«ناحل عوز» و«تعسيوت بلماحيم» و«جان شورك» و«نتاعيم» و«بات يام». ثمّ عقب ذلك، أُطلقت رشقة صاروخية تجاوزت الـ50 صاروخاً، تركّزت على نقطة واحدة على عمق 20 كيلومتراً، وتحديداً مدينة عسقلان، لتسمح الرقابة الإسرائيلية بنشر مشاهد محدودة عن حجم الدمار، وتعلن عن إصابة 16 مستوطناً بالجروح والهلع، بعد الإعلان عن مقتل مستوطِنة في «سديروت».
وفيما تحدّثت المصادر العبرية عن استخدام «سرايا القدس» صاروخ «بدر 3» الثقيل في تلك الضربة، لم تنفِ مصادر المقاومة، لـ«الأخبار»، صحّة تلك المعلومات، كاشفةً أن واحداً من الصواريخ المستخدَمة فعلاً في ضربة عسقلان، كان «بدر 3» الذي استُخدم لأوّل مرّة في عام 2019، وهو صاروخ صُنع محلياً، ويزن رأسه المتفجّر نحو 350 كيلوغراماً، ومن الممكن أن يحمل رأساً بزنة 500 كيلوغرام، فيما طوله ثلاثة أمتار، وتنطلق منه لحظة الانفجار نحو 1400 شظية، ما يساهم في إتلاف قدر كبير من المنشآت التي ينفجر حولها قبل أن يرتطم بالهدف بنحو 20 متراً. على أن «رشقة السابعة» التي أحاطها الأهالي بالتكبير والتهليل، لم تكن آخر ما حملته تلك الليلة من أحداث؛ إذ أعادت المقاومة إحياء «تاسعة البهاء»، وأطلقت في تمام الساعة الـ9 مساءً، رشقة صاروخية مهولة، طاولت عشرات المستوطنات والمدن المحتلّة، بما فيها تل أبيب في عمق 85 كيلومتراً، في حين طاولت الصواريخ حقول الغاز المحاذية لقطاع غزة، وشقّ أحدها، وهو من النوع الثقيل، طريقه إلى مدينة حيفا، في عمق 90 كيلومتراً.
إزاء ذلك، يمكن القول إن الأداء الميداني للمقاومة خلال اليومَين الماضيَين، يعكس قدراً هائلاً من الثبات، والقدرة على التحكّم بعناصر الميدان، إذ لم يُستهدف، حتى اللحظة، أيّ من عناصر الوحدة الصاروخية لـ«سرايا القدس» على وجه الخصوص، أثناء أداء مهمّة ميدانية. صحيح أن التركيز المخابراتي الإسرائيلي على تشكيل عسكري بذاته، أسهم في تحقيق منجزات مخابراتية للعدو، كان من بينها اغتيال قائد الوحدة الصاروخية في «السرايا»، علي حسن أبو غالي، فجر أمس، ومن ثمّ تصفية نائب قائد هذه الوحدة، أحمد أبو دقة، عصر اليوم نفسه، غير أن مصدراً في المقاومة أكد، لـ«الأخبار»، أن تلك الخسارة لن تؤثّر في قدرة المقاومة على المحافظة على «الرتم» الصاروخي ذاته. وفي الاتّجاه نفسه، نُشرت عبر وسائل الإعلام مشاهد حيّة تُظهر المقاومين وهو يذخرون صواريخ ثقيلة في مرابضها، بكلّ أريحية، فيما ذكرت «السرايا» أن هذه الصواريخ تُجهَّز للردّ على اغتيال أبو غالي. كما نشرت «غرفة العمليات المشتركة»، ليل الأربعاء - الخميس، مقطعاً مصوَّراً، أظهرَ طوال خمس دقائق إطلاق المئات من الصواريخ. وفي مساء الخميس، نشرت «سرايا القدس» رسالة مصوَّرة حملت عنوان «إنهم مغرقون»، مهّدت فيها للردّ على اغتيال قائد وحدتها الصاروخي. وبيّن المقطع المصوَّر العشرات من الصواريخ المذخّرة في راجمات كبيرة، يحيط بها جنود من «السرايا».
وما هي إلّا ساعات حتى نفّذت المقاومة تهديدها بالفعل، مستهدفةً، قرابة السادسة مساءً، لأوّل مرّة، مدينة الرملة على بعد 73 كيلومتراً من القطاع، لتتوالى الرشقات الكثيفة والنوعية إثر ذلك، وتطاول مدينتَي العمق، «رحفوت» و»تل أبيب»، بعشرات الصواريخ الثقيلة. وبينما وصف مراسل «يديعوت أحرونوت» هذه المشاهد بالصادمة، تداول المستوطنون مقاطع مصوّرة لبيوت وعمارات مهدّمة وسط صدمة وذهول كبيرَين. وأكدت مصادر في «الجهاد»، في تعليقها ل»الأخبار» على تلك التطورات، أن المقاومة قرّرت أن تفاوض بالنار، حتى تخضع إسرائيل لشروط وقفه، في حين تَكرّر في الإعلام العبري القول «إننا نتعامل مع مجانين»، في إشارة إلى مقاتلي الحركة.