انتظرت إسرائيل، من السلطة الفلسطينية، مواقف تشجب جريمة قتل الجيش الإسرائيلي ثلاثة فلسطينيين في مدينة جنين، من بينهم شرطيّان اثنان تابعان لأجهزة السلطة، لكنها لم تتوقّع أيّ تداعيات سلبية فعلية على «التنسيق الأمني» بين الجانبين، والذي يمثّل، بالنسبة إلى تل أبيب، الغاية الوظيفية الرئيسيّة للسلطة، ومبرّر استمرار وجودها. وفقاً للتفسيرات الإسرائيلية، فإن الحادث يعدّ «نتيجة طبيعية لسوء فهم» فلسطيني لا علاقة لإسرائيل به، بل إن الأخيرة قرّرت مسبقاً، وقبل أيّ استبيان للحقائق، أن «الخطأ» يعود إلى الضحية نفسها، التي كانت تدرك، بحسب ادّعاءات تل أبيب، أن الوحدة العسكرية الإسرائيلية، وإن أطلقت النار على سيارة يستقلّها «مطلوبون»، إلّا أنها وحدة «غير عدائية»، ولم يكن ثمّة داعٍ للردّ على إطلاق النار الصادر عنها، والذي استتبع بدوره ردّاً على الردّ، ما أدّى إلى سقوط قتيلَين من الشرطة الفلسطينية، إضافة إلى مقتل «المطلوب» وإصابة من كان بجانبه، وكلاهما من حركة «الجهاد الإسلامي».مصادر أمنية إسرائيلية ذكرت، في حديث إلى موقع «واللا» الإخباري، أن التحقيقات الأولية لا تُظهر الأسباب التي دفعت عناصر الشرطة الفلسطينية إلى إطلاق النار، بدل الانكفاء إلى داخل مبنى مقرّها الذي كانت توجد في مدخله، على رغم إدراكها أن القوة المواجِهة لها إسرائيلية، بحسب المصادر نفسها، التي تُقدّر أن الجانبين سيعمدان إلى فتح تحقيق مشترك لفهم ما حدث على الأرض، وكيفية منع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل. المفارقة، أن المصادر الإسرائيلية التي تحدّثت عن علم الجانب الفلسطيني بهوية القوة المتوغّلة، نبّهت في المقابل إلى أن التنسيق في شأن النشاط العملياتي يأتي في مقدّمة عمليات «التنسيق الأمني»، لكن من دون وجود التزام رسمي لدى إسرائيل، إذ «في حالات استثنائية، يخشى الجانب الإسرائيلي من أن تتسرّب خطط التوغّل والاعتقال عبر عناصر السلطة إلى المطلوبين الفلسطينيين، فيتمكّنوا من الاختباء والتواري عن الأنظار، ما يدفع الجيش الإسرائيلي إلى الامتناع عن إعلام السلطة مسبقاً، كي لا يفقد عنصر المفاجأة، وهو العنصر الحاسم في نجاح أنشطة التوغّل داخل الأماكن المدينية للفلسطينيين، الأمر الذي يَقصر التنسيق في حالات كهذه على التنسيق اللحظوي، في توقيت يتلازم مع تنفيذ الأنشطة، من دون أن يسبقه بوقت طويل».
يصعب على السلطة، حتى وإن أرادت، أن تردّ على الاحتلال، وتحديداً في الموضع الذي يؤذيه


إلّا أن النتائج لن تكون مقتصرة، هذه المرّة، على ما تأمله إسرائيل، أي عند حدود تحقيق مشترك واتصالات بهذا المستوى أو ذاك تُشدّد على ضرورة التنسيق وتلافي أحداث مشابهة في المستقبل. إذ تأتي الجريمة الإسرائيلية في جنين في توقيت حسّاس جدّاً، بعد مواجهة عسكرية مع المقاومة في غزة، خرجت منها السلطة بوصفها أوّل الخاسرين إلى جانب الاحتلال، على رغم أنها لم تكن طرفاً مباشراً فيها. بالطبع، يصعب على السلطة أن «تبلع» الجريمة كما اعتادت في أحداث سابقة، من دون ردّ ينتظره الجمهور الفلسطيني في الضفة، حيث تُزاحم حركة «حماس» في نيل مكانة الجهة الحامية للفلسطينيين، وذلك على حساب السلطة التي باتت موصوفة، أكثر من ذي قبل، بالتبعية لإسرائيل، وبأن دورها الفعلي إنما هو خدمة الاحتلال.
لكن هل الردّ متاح؟ يصعب على السلطة، حتى وإن أرادت، أن تردّ على الاحتلال، وتحديداً في الموضع الذي يؤذي إسرائيل وجيشها، أي إيقاف أو تقليص أو حتى التشويش على التنسيق الأمني الذي بات في مرتبة «القداسة» لدى رام الله، وجزءاً لا يتجزّأ من ماهيّتها. المنتظر، كما بدأ يحصل بالفعل، صدور مواقف وتصريحات تشجب وتندّد، وبصوت أعلى من ذي قبل، للتعويض عن التقصير في مواجهة المحتلّ. قد ترتفع أصوات مطالبة بخطوات «مؤلمة»، والمقصود هنا «التنسيق الأمني»، لكن عملياً، لن تكون هناك توجّهات عملياتية من شأنها إيذاء إسرائيل أو تدفيعها ثمن جريمتها؛ ذلك أن هوية السلطة ودورها لا يمكن أن يسمحا لها بخطوات من هذا النوع.