ما يضغط أكثر على إسرائيل، أن في عملية إطلاق النار على المستوطنين دلالات على أنها عملية مخطّط لها جيداً. وهي تحمل، وفقاً للتقدير الاستخباري لدى الجيش الإسرائيلي، «إشارات تحذير» من حركة «حماس»، مُوجّهة تحديداً إلى «يوم القدس» الإسرائيلي، من استهداف تجمّعات المستوطنين، إن تمادوا، كما هو متوقّع، في استفزازاتهم في حينه، وخصوصاً اقتحام الحرم القدسي بأعداد كبيرة جداً. والواضح، من التسريب الإسرائيلي، أن ثمّة محاولة لقلب التموضعات، وتحويل المعتدي إلى «ضحية»، علماً أن المقدسيين في «يوم القدس» الإسرائيلي، سيكونون في موقع ردّ الفعل لا الفعل الابتدائي. واللافت في هذه «السردية» استحضار حركة «حماس»، وردّ أيّ مواجهة مقدسية للاستفزازات، إليها هي تحديداً.
تُقدّر استخبارات تل أبيب أن ثمّة توثّباً لدى الفصائل للتدخّل في أعقاب أيّ تصعيد في القدس والضفة
تثير هذه المقاربة، ومعها حقيقة استقدام الجيش الإسرائيلي مزيداً من الوحدات إلى مناطق مرشّحة لأن تشهد مواجهات، أسئلة حول نيّات العدو، وما إن كان فعلاً يريد نزع فتيل التفجير عبر تقليص «فعاليات» هذا اليوم أو منعها كلّياً. وأضحى قرار تل أبيب، هنا، موضع تجاذب بين اتجاهين يصعب التوفيق بينهما: التماشي مع المستوطنين في تأكيد ادّعاء «السيادة» الإسرائيلية على القدس والحرم القدسي، عبر تمكينهم من ذلك في «يوم القدس» الذي يراد له أن يكون يوم «إعلان السيادة»، مقابل خشية من ردّ فعل الجانب الفلسطيني، مع ما لدى الأخير من دوافع لردّة فعل عنيفة، علماً أن إسرائيل تدرك أن تراجعها في اليوم المذكور أمام المقدسيين سيكون سلاحاً يُعتمد لديهم لمنع أنشطة وفعاليات بل وتنفيذ قرارات ترتبط بـ«السيادة» الإسرائيلية على القدس، ومسار تهويد المدينة. الواضح، إلى الآن، أن إسرائيل معنيّة بأن تتماشى مع المستوطنين، وإن اتّجهت إلى فعل ما أمكن للتقليل من استفزازاتهم، في مقابل التشديد على منع الفلسطينيين من تظهير أيّ ردّ فعل عملي ضدّ المستوطنين. وتُعدّ واحداً من الأساليب المعتادة في أوضاع وتقديرات كتلك، هي سياسة العصا والجزرة، التي أمّنت لتل أبيب في الماضي نتائج مقبولة مع الجانب الفلسطيني. لكن هل تنجح إسرائيل، حالياً، في التوفيق بين المطلبين؟ لا يقين في النتيجة.
في الموازاة، تضغط عملية إطلاق النار بالقرب من نابلس، على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية؛ إذ من دون تحديد هوية مطلقي النار، ومن ثمّ أَسرهم أو قتلهم، مجازفة وتهديد كبيران لأمن الإسرائيليين، سيتسبّبان في تسريع ذهاب الفلسطينيين إلى محاكاة العملية، بما سيَصعب احتواؤه لاحقاً. مع ذلك، العين الإسرائيلية شاخصة أكثر إلى قطاع غزة. حيث تُقدّر استخبارات تل أبيب أن ثمّة توثّباً لدى الفصائل للتدخّل في أعقاب أيّ تصعيد في القدس والضفة، بمستوى عالٍ جدّاً، وهو ما شأنه تعزيز مكانة الفصائل في الأراضي المحتلة على حساب السلطة التي منعت عن الأولى الفوز في الانتخابات الملغاة، بقرار من رئيسها محمود عباس، وإن تذرّع الأخير بإسرائيل ومنعها العملية الانتخابية في القدس.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا