الرسالة لا تتوقف عند أوامر تجميد الحسابات في بنوك غير خاضعة أساساً لسلطة «البنك المركزي الإسرائيلي»، فضلاً عن أن الرسالة حتى الآن ليست تشريعاً إسرائيلياً، ومع ذلك رأت أن «المدفوعات (المخصصات) هي مكافأة على ارتكاب عمليات إرهابية»، الأمر الذي يجعل من البنك الفلسطيني «هيئة تقدم مساعدة حقيقية إلى الإرهاب بكل ما ينطوي عليه ذلك، بما في ذلك دعاوى مدنية لتعويض ضحايا العمليات»، أي إنه في حال لم يستجب البنك، فإن جرحى إسرائيليين أصيبوا في عمليات مقاومة، أو عائلات قتلى، يحق لهم مقاضاته للحصول على تعويض.
يُعدّ التهديد استكمالاً لتجميد حسابات ذوي أسرى الـ48 في البنوك الإسرائيلية
التهديد الجديد، كما تقول محامية الأسرى أماني إبراهيم لـ«الأخبار»، يُعدّ «استكمالاً لقرار أصدره الجيش الإسرائيلي مؤخراً يقضي بتجميد حسابات أقارب الأسرى من فلسطينيي الـ48، الذين يخمن الجيش (حيث لا يوجد دليل) أنهم الموكل إليهم تسلم مخصصات أسرى في حساباتهم. خمّن الجيش مثلاً أن سناء سلامة، زوجة الأسير وليد دقة، هي المخولة حق تسلّم مخصصاته، ولذلك جمّد حسابها، وتكرر ذلك مع جمال بيادسة، شقيق الأسير إبراهيم». رغم هذا، رفع أقارب أسرى الـ48 الذين جمّدت حساباتهم دعاوى يحاولون فيها إثبات أن الأموال في حساباتهم أموالهم الخاصة ولا دليل على أنها مخصصات أقربائهم، في محاولة «يبدو أنها ستنجح في التغلب على قرارات التجميد»، تضيف إبراهيم.
يبدو أن سلطات الاحتلال أدركت أن هذه الطريقة لن تنفع للاستيلاء على مخصصات أسرى الـ48 أو تجميدها، فبعثت برسالة تهديد إلى البنوك الفلسطينية تشمل كل الأسرى، وضمنهم أبناء فلسطين المحتلة الذين تظن أن لديهم حسابات هناك. ما تريده إسرائيل من هذا التهديد هو أبعد من الاستيلاء على المخصصات، لأنها تقتحم خصوصيات ذويهم بأمر حكومي. كل هذا يضاف إلى تشريع سنّه الكنيست خلال العامين السابقين، واستخدم أكثر من مرة في حجب الأموال التي تجبيها إسرائيل لمصلحة السلطة وتقدر بنحو 190 مليون دولار شهرياً، وهي الضرائب على السلع التي تمر عبر الموانئ والمعابر الإسرائيلية باتجاه الأسواق الفلسطينية. بهذه الورقة، ضغطت إسرائيل أكثر من مرة، ما خلّف لدى رام الله عجزاً كبيراً اضطرت على إثره إلى الاقتطاع من رواتب موظفيها إلى النصف في بعض الشهور.
ولأن السلطة تدرك حساسية ملف الأسرى والشهداء داخل البيئة الفلسطينية، وأن أي إجراء فيه قد يلحق ضرراً سلبياً بهذه البيئة ربما ينقلب ضد السلطة نفسها، حاولت أكثر من مرة الالتفاف على القرارات الإسرائيلية والضغوطات الأوروبية والأميركية التي تصبّ في الخانة نفسها خلال الأعوام الأخيرة. وبدأ ذلك بحلّ وزارة الأسرى والمحررين وتحويلها إلى هيئة تابعة لـ«منظمة التحرير»، لتصير المخصصات التي تحولها إلى الأسرى محوّلة من المنظمة. لكن الآن لا يُعلم بعد ما الحل أو الالتفاف الذي يمكن اتخاذه في حال رُفعت قضايا على بنوك فلسطينية أو اتخذت إجراءات مباشرة بحقها، سواء من رام الله أو من البنوك نفسها، مع ما لهذه الإجراءات من تأثير كبير وخطير في واقع الأسرى وذويهم، وكذلك مستقبلهم.