غزة | أكثر من 400 صاروخ خلال 6 ساعات فقط، ثم توسعت دائرة النار عدداً ومدى، والحصيلة أكثر من 50 إصابة بين المستوطنين الإسرائيليين. وفي تل أبيب، فُتحت الملاجئ قبل أن تقرر المقاومة الفلسطينية توسيع «دائرة النار». هي القصة التي لم تتخيّل قيادة العدو أن تفعلها غزة بعد يوم واحد على حساب ظنّت أنه أُقفل: ضابط إسرائيلي بسبعة شهداء! لكن كان للمقاومة كلمتها المختلفة، وصوتها الموحّد. سارع العدو إلى التخويف بقصف فضائية «الأقصى» ومبانٍ أخرى. قررت المقاومة أن النار ستقابلها النار، وأن التصعيد يعني توسيع مدى الصواريخ... وإدخال مليون إسرائيلي إلى الملاجئ!أحراج مستوطنة «مفلاسيم» شرقي غزة. عصر اليوم الثاني على مقتل مقدّم في القوات الإسرائيلية داخل القطاع. ينتظر الرامي دقائق صعبة. ينزل الجنود الإسرائيليون الـ30 من الحافلة ويوضّبون أمتعتهم. تتحرك الحافلة. جندي واحد في المدى والسائق يتحرك ببطء. يأتي القرار فوراً بإطلاق قذيفة «كورنت». يطير سقف الحافلة وإصابتان «محققتان» على الأقل. الرسالة الأولى وصلت: قادرون على إحداث «مجزرة» في جنودكم، فانتبهوا من الحرب! تتبعها الرسالة الثانية فوراً. تطلق المقاومة، بجميع فصائلها وأذرعها العسكرية، عشرات الصواريخ، بل مئات، على دفعات. الأهداف دقيقة وإصابات بالعشرات أيضاً. بعض مستوطنات «غلاف غزة» لم تكن قد فتحت الملاجئ؛ لقد أُخذت إسرائيل بالفجأة!
صحيح أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو عاد من باريس فوراً، خوفاً على مستقبله السياسي، لأن هناك من يسأل عمّن أعطى القرار للوحدة الخاصة بالدخول في جنح الليل، والتلميح يزداد إلى الثلاثي: نتنياهو، ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان، ورئيس الأركان غادي أيزنكوت. وصحيح أن المقاومة الفلسطينية لم توسّع مدى وكمّ القصف «الموضعي» بعد التصدي للتسلل، وأيضاً إسرائيل «لم تبالغ» في الرد، لكن ما إن تم دفن الشهداء، حتى جاء الردّ الفعلي. ومع أنه وصلت دوائر القرار في تل أبيب إشارة «سلبية» حول غياب قيادات المقاومة عن جنازات الشهداء، فإنها لم تقرأ البيان المشترك للفصائل بتحميلهم المسؤولية واتخاذ قرار الرد بعين الدقة.
حمل قصف الحافلة التي تقل الجنود رسائل متعددة: ضعف الاستعداد الإسرائيلي وإجراءات الحماية، قوة المقاومة ودقة رصدها وقربها من الجنود، السلاح المستعمل، قياس الخسائر نسبة إلى طبيعة الرد... هكذا، رسّخت المقاومة جهد سنة كاملة من إتقان «فن المعادلات». قُتل في الاستهداف جندي وأصيب 5 آخرون، ثم بدأ قصف المستوطنات والمدن المحتلة بمئات الصواريخ، من ضمنها صواريخ وصل مداها إلى 60 كلم، كما تفيد بذلك مصادر في المقاومة، وهذا لأول مرة منذ حرب 2014. سمع «أهل الضفة» مجدداً صفارات الإنذار في مستوطنات الخليل، جنوبي الضفة المحتلة.
ناهز عدد صواريخ المقاومة 450 صاروخاً حتى منتصف الليل


على جانب الوساطات، استبقت الفصائل المشهد. اتصال مباشر بجهاز «المخابرات العامة» المصري. فحوى الاتصال: المقاومة سترد على الخرق الإسرائيلي مساء الأحد بوصفه «انتهاكاً خطيراً لجميع التفاهمات التي تم التوصل إليها أخيراً عبر الوسطاء». وأيضاً: «الرد سيكون بمستوى يوازي الجريمة الإسرائيلية»، نرجو ألا تتدخلوا. طلب المصريون التروّي. ردّت الفصائل بأن ما حدث «غدر مقصود». وإلى ساعات ما بعد الظهر، انتهت الاتصالات برفض الطلبات المصرية. كرّرت إسرائيل الرفض أيضاً، مضيفة أنها استدعت الاحتياط، وأعطت الضوء الأخضر بضرب «عمق القطاع» والتصرف وفق تصاعد العمليات. ردّت القاهرة بأنها «أبلغت تل أبيب بضرورة وقف عملياتها التصعيدية في القطاع، والتزام مسار التهدئة والتقدم المتحقق به خلال الفترة الماضية». من جهة أخرى، جاء التعقيب من موسكو لافتاً. بيان الخارجية يصف العملية العسكرية الإسرائيلية (التسلل) بـ«المستفزة»، ويعبّر عن القلق من «حشد الجيش الإسرائيلي قوات إضافية على الحدود مع القطاع».
في هذا الوقت، بقي الكل في انتظار فيديو العملية. حاولت إسرائيل استعادة صورتها بضرب فضائية «الأقصى»، لكن الأخيرة عادت إلى البثّ سريعاً. انتشر تصوير العملية على وسائل الإعلام كافة، فيما كان المتحدث باسم جيش العدو، أفيخاي أدرعي، يقدّم وجهة نظره على شاشة «الجزيرة» القطرية بزيّه العسكري! وحتى منتصف الليل، ناهز عدد الصواريخ 450 صاروخاً، على رشقات متتالية، وصلت حدود البحر الميت، وأحدثت أضراراً في الأماكن التي سقطت فيها، إذ نالت مدينة عسقلان (المجدل)، على بعد نحو 20 كلم، نصيباً وافراً. ومن بين البيوت التي أصابها ضرر كبير فيها، احترق منزل قُتلت فيه مستوطنة، وبدأ الحديث الإسرائيلي عن «قوة غير معهودة للصواريخ».
أما «القبة الحديدية»، فقد ثبت بالصوت والصورة أنها لا تحمي. تقول مصادر في المقاومة إن الصواريخ المطلقة أصابها «تحسّن كبير» في الدقة والمدى والرأس المتفجر. ثم كررت «غرفة عمليات المقاومة» تحذير الاحتلال من أنه في حال تمادى في عدوانه «رداً على ردّها»، فإنها ستزيد مدى القصف وعمقه وكثافته. وزاد على ذلك المتحدث باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، بأن «الغرفة المشتركة... في حالة تشاور جدي لتوسيع دائرة النار»، مؤكداً أن «عسقلان ستكون البداية، ونحو مليون صهيوني سيكونون بانتظار الدخول في دائرة صواريخنا إذا كان قرار العدو هو التمادي في العدوان».
في المقابل، نفّذ جيش العدو سلسلة غارات على غالبية مدن القطاع، فاستشهد ثلاثة مقاومين. التطور الأخطر تمثل في استهداف منزل شرق خانيونس وآخر في رفح (جنوب)، وأيضاً في عمق مدينة غزة، حيث قُصف مقر جهاز «الأمن الداخلي» الذي يطلق عليه «فندق الأمل»، وتلاه استهداف عمارة سكنية غرب المدينة. وسط هذا المشهد الساخن والمتصاعد، بقي المصريون ومبعوث «السلام» إلى الشرق الأوسط، نيكولادي ملادينوف، يجرون اتصالات مع المقاومة والعدو، لكن بلا نتيجة حتى المدى القريب. فالاجتماع الذي عقده نتنياهو وليبرمان وقادة الجيش أفضى إلى «اتخاذ قرارات عملياتية»، كما نقلت القناة «الثانية» العبرية، ثم توعّد المتحدث باسم جيش العدو بأن «حماس ستشعر بقوة الضربات الإسرائيلية قريباً».
الساعات المقبلة ستحدد صورة الموقف في ضوء سيناريوات مفتوحة، لكن أبرزها نجاح الوساطات، وهو ما سيعيد الأمور إلى مربّع الهدوء مع نقاط إضافية للمقاومة من الصعب أن تتقبّلها إسرائيل حالياً، والاحتمال الثاني تأخر نجاح الوسطاء، وهو ما يفتح الباب لزيادة بقعة الزيت وقصف مزيد من المدن المحتلة، فيما تعمل إسرائيل جهدها المعروف بقصف مزيد من المباني السكنية في القطاع للضغط على المقاومة... أو الحرب التي دوماً يبادر العدو إلى إعلانها وتسميتها، لكن لا يزال يتجنبها الاثنان رغم تصاعد الأحداث.