بعد سنوات من الخداع والترويج حول المنفعة التي يعود بها «قانون يهودية الدولة» على أبناء الشعب الفلسطيني من طائفة الموحّدين الدروز، يستمر شيخ عقل الطائفة، موفّق طريف، ومعه وزير الاتصالات في حكومة العدو أيوب القرا، والنائب في الكنيست أكرم حسّون، في خداع أهلهم وتسويق الرواية العبرية بين الدروز الفلسطينيين. إلّا أنّ حالة الاعتراض، دفعت بهؤلاء إلى الشروع بـ«الخطة ب»، عبر العمل مع حكومة العدو على إصدار قانون يعطي امتيازات للدروز، لـ«إظهار المجتمع الإسرائيلي مجتمعاً تسوده المساواة والتعددية»، كما أشار بيان مكتب رئيس مجلس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أمس!منذ إقرار «قانون يهودية الدولة» قبل نحو ثلاثة أسابيع، والذي يجعل من كل حاملي «الهويّة الإسرائيلية» من غير اليهود، «مواطنين من الدرجة الثانية» وأجواء الرفض والاعتراض تسود بين المكوّن الدرزي الفلسطيني. ووصلت حالات الرفض إلى تلويح أكثر من مئة ضابط درزي يخدم في جيش الاحتلال، إلى التهديد بالاستقالة وعصيان الأوامر العسكرية، وصولاً إلى التظاهر في تل أبيب.
وعلى عكس ما تروّج له وسائل الدعاية العبرية، فإن قادة الاحتلال كانوا على علمٍ مسبق بأجواء الرفض الشعبي للقانون منذ أن بدأ التداول به في عام 2010، وخلال المراحل التي مرّ بها. لذلك، لم يكن الرفض مفاجئاً. حتى أن فكرة استلحاق قانون «يهودية الدولة» أو «قانون القومية» بقانون مخصّص لطائفة الموحّدين الدروز، كان فكرةً قيد التطبيق، بالتوازي مع قانون يهودية الدولة، وأعدّت آلياته وأفكاره بالتوازي مع طرح قانون اليهودية، ليس لامتصاص نقمة الدروز على سياسات الكيان العبري فحسب، إنمّا تمهيداً لقوننة تقسيم الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، إلى فئات تخضع لقوانين منفصلة، وتُخرج الفلسطينيين نهائياً من هويتهم الحقيقية إلى هويات ضيّقة تدين بالولاء إلى إسرائيل، بصفتها «دولةً حامية للأقليات».
يوم الأحد الماضي، عُقد اجتماع طارئ في بيت الكرمة في حيفا المحتلة، تحت عنوان «اجتماع عربي ـــ يهودي ضد قانون القوميّة العنصري». وفي دعوة الاجتماع الذي بادرت إلى عقده، النائبة عايدة توما-سليمان (القائمة المشتركة عن الجبهة)، وردت عبارة «العرب والدروز». لا يُعرف بالضبط ماذا كان هدف المجتمعين من وراء استخدام مصطلح يفرّق بين الدروز والعرب في فلسطين المحتلة (عام 1948). أو إن كان مبنياً على أرقام ومعطيات مضلّلة ومغلوطة، ويُقصد به فئة معيّنة من «القيادات» الدرزية الموالية للكيان العبري، على أساس كونها (باعتقاد منظمّي الاجتماع) الأكثرية، أو رموزها الممثلون الشرعيون والوحيدون لطائفة الموحدين الدروز في فلسطين المحتلة.
على أية حال، أياً كانت نيّة هؤلاء المجتمعين لبحث كيفية التصدي لقانون القومية، فإن وصف الأخير بـ«العنصري»، يصبح مجرد تفصيل هامشي وسخيف، مقارنة بأهدافه. وبناءً على ذلك، «فإنّ بيانات الأطر السياسية الفلسطينية في الداخل، وعلى رأسها بيان القائمة العربية المشتركة (تكتل الأحزاب الفلسطينية في الكنيست)، المكوّن من 240 كلمة! لا يرقى إلى أدنى مستوى في آليات التصدي للقانون»، يشرح مصدر درزي من الجليل الأعلى لـ«الأخبار». ويضيف أن «بيان لجنة المتابعة العربية بعد المشتركة، عُمم على خطباء المساجد للتحدث عن القانون في خطب يوم الجمعة، مستثنياً في تعميمه كل من الخلوات الدرزية، والكنائس المسيحية. وبذلك، فإن القيادات العربية في الداخل، بقصد أو بغير قصد، تخدم جوهر أهداف القانون».
إذاً ما هي أهداف القانون، ولماذا سُن الآن بالتحديد؟ ولماذا المفاجأة ما دامت غالبية القوانين الإسرائيلية السابقة هي قوانين عنصرية ولا تقل أهمية في طرحها عن «قانون القوميّة»؟ يعتبر الأخير أعلى مرحلة (حتى الآن) في مراحل العنصرية الإسرائيلية المقوننة. إضافة إلى كونه يزيل آخر أقنعة الديموقراطية الإسرائيلية، التي طالما روّج لها من طريق «حماية إسرائيل للأقليات، والحريات الشخصية والدينية...». أما في العمق، فهو يمثل «دُرة» المشروع الصهيوني الكولونيالي في فلسطين؛ إذ استغلت إسرائيل التعدد الديني والطائفي لمكونات الشعب الفلسطيني على مدى تاريخ طويل، كأداة من أجل تعميق الشرخ والانقسام بين مكوّنات الشعب الواحد، على نهج فرّق تسد، منتهية أخيراً بسن القانون.
(أ ف ب )

نصف الدروز يرفض الخدمة الإلزامية
على مدى عقود، وعلى رغم إلزامهم بالخدمة العسكرية الإسرائيلية، لم تنجُ طائفة الموحدين الدروز من الاضطهاد والقمع والتمييز العنصري، أسوة ببقيّة مكوّنات الشعب الفلسطيني. في الوقائع، إن الأراضي التي صادرتها إسرائيل من مجمل أراضي القرى الدرزية في فلسطين المحتلة تشكل 80 في المئة! أمّا بالنسبة إلى تراخيص البناء ـــ الحجة التي تستخدمها سلطات الاحتلال لهدم بيوت الفلسطينيين ـــ فقد طُبّقت حتى على المجندين الدروز أنفسهم. وقبل مدة ليست طويلة، تحدث أحد الضباط الدروز في جيش الاحتلال لصحيفة «معاريف» عن ضائقة السكن التي يعانيها الأزواج الشباب. هم إذاً كحال بقيّة أبناء شعبهم، في حين أنّ مأساتهم أعمق لكونهم سُلخوا عن هويتهم العربية الفلسطينية عبر مخطط منهجي تجلّى أخيراً في «قانون القومية».
النائب السابق عن حزب «التجمع»، والأسير المحرر، سعيد نفّاع، أظهر معطيات صادمة (لإسرائيل) عن واقع الخدمة الدرزية في جيش الاحتلال، معرياً الأكذوبة التي تروّج لها إسرائيل عن أن «80 في المئة من الشبان الدروز يخدمون في الجيش الإسرائيلي»، في حين أنهم في واقع الحال «يشكلون فقط 49 في المئة من نسبة الشبان الدروز المفروضة عليهم الخدمة الإلزامية». نفّاع استرجع معطيات من «مؤتمر هرتسليا» عام 2008؛ حيث وعلى جدول أعمال المؤتمر، طُرح بحث مهم تحت عنوان «معيار الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة بين الأجيال الناشئة». واعتبر نفّاع أن «نتائج البحث في ما يخصّ الدروز، كانت بمثابة قنبلة مدوية لإسرائيل». السبب، بحسب نفّاع، هو أن «البحث أظهر أنّ الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة لدى الدروز قد تدنى منذ بداية العقد إلى (1.6) نقطة من أصل سلّم (6) نقاط، بينما كان (4) نقاط من أصل (6) نقاط في بدايته». إضافة إلى أن «نسبة المتهرّبين (بلغة البحث) من الخدمة الإلزامية تعدّت للمرّة الأولى الـ50 في المئة».
نفّاع، وهو واحد من أبرز القادة الوطنيين الدروز، أضاف أن «خلاصة البحث كانت أن إسرائيل في صدد خسارة مجموعة سكّانيّة (صديقة)، ولذلك علينا (أي إسرائيل) العمل على تلافي هذا الخطر». ورأى أن هذا التاريخ كان مفصلياً «للبدء في خطة دعائية إسرائيلية على طريقة باول جوزف غوبلز (الذي أدار الآلة الإعلامية النازية)... وهو ما يفسر ترويج معطيات غير حقيقية عن عدد الدروز في الجيش». وينتهي بسؤال: «ما زالت المعطيات المطروحة حقيقية وموضوعية... لماذا ما زالت أكثرية القاعدة الدرزية لم تجد بعدُ طريقها إلى أبناء شعبها (هذا إذا نظرنا إلى الانتخابات البرلمانية كمعيار)».

نتنياهو ينفس الغضب بتعميق الشرّخ بين الدروز
تبين فجأة لوزير التربية والتعليم الإسرائيلي، وزعيم حزب «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، أن «القانون (القومية) يمسّ بصورة بالغة بمشاعر المواطنين الدروز». الإدراك «المتأخر» لوزير صوّت لمصلحة القانون وساهم في صياغته، جاء في أعقاب احتجاج عدد كبير من قيادة وأعضاء كنيست وضباط في جيش الاحتلال من الطائفة الدرزية، على «القانون الذي يلغي الحق بالمساواة، ويخرجهم من البيت ويبقيهم على السياج»، كما عبّر أحد الضباط في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت».
بينيت ادعى أن «الحكومة الإسرائيلية لم تكن تقصد ذلك (المس بمشاعر الدروز). ولذلك، يجب عليها أن تتحمّل مسؤولية إيجاد طريقة لرأب الصدع»، وذلك قبل أن يتراجع بعدما وجّه إليه جمهوره انتقادات كثيرة، ليقرّ عبر حسابه في «توتير»، بأن «قانون القومية ضروري ولن يتم إلغاؤه لأن المحكمة العليا، وعبر سلسلة قرارات، أفرغت محتوى الطابع اليهودي تدريجاً»، مضيفاً أنه حصل «خلل معين في شأن الدروز ويجب ترميمه».
أما «تصحيح الخطأ» فقد حمل «لواءه» رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بنفسه. ففي أعقاب دعوات فردية أطلقها أبناء من الطائفة الدرزية لرفض التجنيد الإلزامي والاستقالة الجماعية من الخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي، وافق أعضاء كنيست دروز من أحزاب صهيونية، إضافة إلى الزعيم الروحي للطائفة، الشيخ موفق طريف، على اقتراح قدّمه نتنياهو يهدف إلى تفريغ الغضب الذي تولّد لدى هؤلاء في أعقاب التشريع.
ماذا يقترح «ملك ملفات الفساد»؟ قدّم مكتب نتنياهو وثيقة تشمل «ترسيخ وضع الدروز في البلاد وتعزيزه عبر تشريع جديد». وبحسب صحيفة «هآرتس»، فقد وقّع عليها أعضاء كنيست دروز وممثلون لأحزاب صهيونية. ووفق الوثيقة، فإنه سيتم العمل على صياغة قانون جديد «ينصف الدروز والشركس لمساهماتهم في خدمة إسرائيل وأمنها، وستحصل هذه الأقليات (وفق لغة الوثيقة)، إذا خدمت في أجهزة الأمن، على تشجيع وإنشاء مدن درزية جديدة وفقاً للحاجات».
بحسب الصحيفة العبرية، فإن «القانون الجديد سيعزز مساهمة الدروز في الأجهزة الأمنية، كما يشمل دعم المؤسسات الدرزية (الدينية والثقافية والتعليمية)، إضافة إلى تطوير البنى التحتية في القرى الدرزية، وإيجاد حلول لتنظيم البناء (غير القانوني)». ونقلاً عن مصادر مطّلعة على المناقشات، كشفت «هآرتس» عن أن «القيادات المدنية والدينية والعسكرية في الطائفة الدرزية، أبدت موافقتها المبدئية على مقترح نتنياهو».
على رغم ذلك، فإن أجواء مشحونة سادت خلال المناقشات، وظهرت انقسامات حادّة في الرأي، إلى حين «ضغطت القيادات الدرزية والزعامة الروحية الممثلة بالشيخ طريف للتوصل إلى الموافقة على اقتراح نتنياهو». لكن من غير الواضح بعد ما إذا كانت الموافقة تمثّل غالبية أبناء الطائفة، فالمقترح لا يلغي التمييز العنصري، بقدر ما يمنح امتيازات لأشخاص (بغض النظر عن طائفتهم) فقط لأدائهم خدمات أمنية.
وإذا ما أُريد فهم منطلقات من صاغَ الوثيقة، يتوجب العودة إلى الأول من كانون الثاني/ يناير 2016، وتحديداً، إلى شارع ديزنغوف في تل أبيب حيث نفّذ الشهيد، نشأت ملحم، عملية نوعية أدت إلى مقتل ضابطين وجرح آخرين. يومها وقف مُعد الوثيقة نفسه (نتنياهو)، وقال: «لا يمكن القول إنني إسرائيلي في الحقوق وفلسطيني في الواجبات... إن من يريد أن يكون إسرائيلياً فليكن إسرائيلياً في شكل كامل». هذه الجملة كانت كفيلة باستشراف مستقبل فلسطينيي الـ48 بمختلف مكوناتهم، حيث ترى فيهم إسرائيل أن لا فضل لـ«مواطن» على آخر إلا بالخدمة.

حزن على السويداء و«انفصام» في فلسطين
(أ ف ب )

إنه الخامس والعشرون من تموز الماضي: انغماسيو «داعش» يتسلّلون إلى مدينة السويداء جنوب سوريا، يفجرون أنفسهم، فيقتلون مئتين وثمانين شهيداً. بعد مضي ثماني ساعات، في مكان آخر في فلسطين المحتلة، وتحديداً في محطة «قطار إسرائيل ـــ الهغاناه، في تل أبيب»: يصل الرجل الخمسيني (من فلسطينيي الـ48) إلى مدخل المحطة لشراء تذكرة، يستقبله عنصر أمن إسرائيلي ذو بشرة ملوّنة، مبتسماً، ويسأله كيف حالك؟ يرد الرجل: «إمشي ك.. اخت اللي نفضك». يُصعق عنصر الأمن (الصدمة مستمرة حتى الآن). يصل القطار، فيصعد الفلسطيني، ويأخذ مكانه في المقطورة، عائداً إلى قريته في الجليل الأعلى. في المقطورة نفسها، وبعد وصول القطار إلى آخر محطة في مدينة حيفا، بقي مع الرجل عشرات الجنود الإسرائيليين. يبوح الرجل لنفسه (هؤلاء غالبيتهم من الدروز ـــ غالبية القرى الدرزية في شمال فلسطين المحتلة). الرجل غاضب جداً، ويشعر بالأسى حيال ما حصل في السويداء صباح اليوم. يمسك هاتفه، يطلب رقم صديقه من الجولان السوري المحتل ليقدم له التعازي بشهداء السويداء، لكنه لا يجيب. الرجل لا يكل ولا يمل، يريد أن يقول شيئاً، يبدأ بالحديث وكأن شخصاً أجاب بالفعل على الجهة الأخرى من الخط. يقول: «عظم الله أجوركم، ما بيكفي 280 شهيداً؟ وبعدهن بخدموا بالجيش الإسرائيلي هون ولك ما بستحوا عدمّهن؟». يحدق الرجل في وجوه الجنود من حوله، هناك من فضّل المغادرة وآخرون لزموا أماكنهم، وأغرقت عيونهم بالدموع.