الدناءة في اللغة، هي الخِسَّة والنذالة والسفالة. لكن الكلمة تجاوزت تعريفاتها اللغوية بأشواط، لدى بعض العرب، وبعض الأنظمة: وفد من مملكة البحرين، برعاية وزارة الخارجية في المنامة، يزور «أورشليم» ويلتقي مسؤوليها الصهاينة، في رسالة ود وصداقة ومحبة لإسرائيل.
في الوقت الذي تنتفض فلسطين وأحرار العالم نصرةً للقدس ودفاعاً عن هويتها، قرّر النظام البحريني إرسال وفد برعاية رسمية هي الأولى من نوعها لإسرائيل، قالت الإذاعة العبرية إنها «تأتي لنقل رسالة سلام وتسامح بين أبناء الديانات المختلفة». المملكة نفسها، التي هي رمز «الاعتدال» إلى جانب إسرائيل، هي رمز التطرف والقمع، لأكثر من نصف شعبها.
للخطوة البحرينية دلالات، تستأهل الإشارة إليها، كي لا تضيع البوصلة في زحمة التكالب على القدس والقضية الفلسطينية.
ــ لا يمكن فصل خطوة النظام البحريني، عن توجهات السعودية وسياساتها الإقليمية. لا يمكن هذه الخطوة، ولا يُعقل، أن لا تكون منسقة وهادفة كي تتكامل مع المقاربة السعودية العامة والخاصة للقضية الفلسطينية، وللموقف التطبيعي من إسرائيل. خطوات البحرين كانت كذلك، وهي الآن أكثر دلالة من ذي قبل على هذا الواقع.
ــ أداء النظام في البحرين، يأتي من دون استثناءات، ضمن الخطوط السياسية العامة للتوجهات السعودية على المستوى الإقليمي وصدّ مواجهة إسرائيل وحركة مقاومتها على أنواعها. أحد أهم هذه التوجهات، العمل على تدجين الرأي العام العربي وتطويعه، بأن إسرائيل كيان طبيعي في المنطقة، وجزء لا يتجزأ من نسيجها وطرف من أطرافها، أما أوجه الخلافات معها، فهي تفاصيل، يمكن تجاوزها بما لا يجب ولا ضرورة، أن يؤثر سلباً في تطور العلاقات معها.
ــ على مستوى توقيت الخطوة البحرينية، تقرّر أن تأتي قبل أن تهدأ موجة الغضب الفلسطينية والعربية التي يفترض أن لا تهدأ. والخطوة تعني في أكثر من وجه، إرادة بحرينية للعب دور المتصدي ورأس الحربة في محاولة كسر واقع رفض الاحتلال وقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي ذلك أيضاً، رسالة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، أن موقف الدول الخليجية، بمعنى «أنظمة الاعتدال»، هو ثابت ومترسخ على الانفتاح على إسرائيل والتحالف معها، وهو أيضاً تأكيد أن الموقف منها (إسرائيل) في مرحلة ما بعد القرار الأميركي من القدس، لا يختلف أبداً عما قبله.
ــ وفقاً لذلك، وبناءً عليه، خطوة النظام البحريني، التي تعد أيضاً خطوة سعودية بالوكالة، لم تأت فقط لتظهير السقف المرتفع لواقع التطبيع مع إسرائيل في أي ظرف، بل تأتي أيضاً في مواجهة الشعب الفلسطيني. طرد الوفد من «الحرم» ومنع أعضائه الدخول إليه، كان تعبيراً فلسطينياً طبيعياً وردّ فعل متوقع تجاه النذالة والتآمر على القدس والقضية الفلسطينية.
تجوّل الوفد البحريني في القدس، في هذا الوقت تحديداً، هو كمن يرقص على الدماء الفلسطينية في أيام الغضب والانتفاضة ضد الاحتلال استنصاراً للقدس. في ذلك، يسعى النظام البحريني ويؤكد أنه ذاهب إلى أقصى الحدود مع الاحتلال. وللخطوة في هذا الوقت، ما بعد قرار ترامب، دلالات مختلفة جداً عما قبله، فحتى أنصار مسار أوسلو ومنطق التسوية والاستسلام الفعلي للاحتلال، خجلون من مواقفهم ويجدون حرجاً في الدفاع عنها أمام الخطر الداهم على القدس والقضية الفلسطينية، إلا أن نظام البحرين، والأنظمة التي تقف خلفه وإلى جانبه، وصلت إلى حد من الوقاحة التي تمكنها من تجاوز كل المحرمات، بلا وازع.
السؤال الأهم، ليس ما الذي أرادت مملكة البحرين إيصاله إلى إسرائيل، بل ما الذي أرادت السعودية إيصاله إليها عبر خطوة نظام المنامة. تدرك تل أبيب جيداً أن أداء النظام البحريني والمواقف الصادرة عنه، هي الأكثر تعبيراً وتجسيداً وانسجاماً، وكذلك تساوقاً، مع التوجهات والخطوات السياسية للنظام السعودي وقيادته من قضية فلسطين والقدس. في خطبتي صلاة الجمعة في مكة والمدينة، أكثر من دلالة وتعبير عن هذه التوجهات، حيث غابت عنهما القدس ومحاولة إسقاط هويتها، وحل محلها بِرّ الوالدين ومعجزة تعاقب الفصول، وبطبيعة الحال، الدعاء للملك ولولي العهد.