لم يعد يخفى على أحد أن حركة "فتح" تعيش أزمة داخلية كبيرة تهدد تماسكها. وما رد الفعل الغاضب والعنيف على الانتقادات التي وجهت إلى محمود عباس على خلفية مشاركته في جنازة شمعون بيريز إلا تعبير عن إدراك الحركة هذه الأزمة، وخاصة أن جزءا واسعا من تلك الانتقادات جاء من داخلها.بعدما كان محمود عباس طوق نجاة "فتح" ونقطة الإجماع فيها عقب موت ياسر عرفات، فإنه اليوم نتيجة لحالة الاستياء الشعبي من سياساته غير المفهومة أو غير المبررة صار يمثّل عبئا عليها. كلما ذهب الرجل بعيدا في سياساته التي تقترب من الاحتلال أكثر مما تهتم بالفلسطينيين، زاد الضرر على الحركة شعبيا وإعلاميا.
ما يزيد من حدة أزمة "فتح" هو أن عباس اليوم "شر لا بد منه"، لأنه ليس هنالك بديل جاهز أو يمثل نقطة إجماع بين أقطاب الحركة الرئيسية، بل هناك تنافس حاد بين أسماء ورموز يظهر بين الحين والآخر إعلاميا وميدانيا. من هنا فإن الحديث الذي زادت وتيرته مؤخرا حول الإعداد لخليفة لعباس لا يأتي من فراغ بقدر ما يعبر عن الواقع. وهي محاولات بدأت عربيا، بسبب خوف هذه الدول من أن يؤدي غياب "الرئيس" المفاجئ إلى حالة من الفوضى داخل الحركة وفي الشارع الفلسطيني عموما.
والمشكلة أن حالة الذوبان الفتحاوي في جسم السلطة الفلسطينية لم تعد تسمح بانحسار مشكلات "فتح" داخل أروقتها من دون أن ينعكس ذلك على حياة الفلسطينيين في الضفة المحتلة وقطاع غزة. لذلك لا مفر من إعداد بديل لعباس قبل غيابه تجنبا للفوضى التي يخشاها الجميع.
عباس نفسه يدرك هذه الحقيقة ويعمل على تجنبها بالتفاعل مع محاولات إعداد البديل. وما سرع الحاجة إلى هذا الإعداد هو ما تسرب من معلومات عن اختيار بعض الدول العربية كالإمارات المتحدة ومصر لمحمد دحلان، عدو "أبو مازن" اللدود، كبديل له. ومن المنطقي جدا ظهور اسم ناصر القدوة في الأيام الماضية كمرشح للخلافة تحاول أطراف عدة في الحركة أن تقطع به الطريق على تلك الدول ومرشحها دحلان.
جراء ذلك، بات مؤتمر الحركة السابع، الذي من المفترض أن يعقد قبل نهاية هذا العام، هو المخرج الذي يحفظ ماء وجهها. ومن المرجح أن يقدم فيه القدوة على أنه الخليفة الذي فاز بانتخابات داخلية ديموقراطية لرئاسة الحركة.
ومع اقتناعنا بأن توقف المفاوضات طوال السنوات الماضية بين السلطة والاحتلال يعبر عن خلاف شخصي تقليدي بين بنيامين نتنياهو وعباس، ليس من المستبعد دعم القدوة دوليا وإسرائيليا عبر إطلاق جولة مفاوضات جديدة، ويكون بذلك قد جرى إنقاذ "فتح" من خطر الفوضى والاقتتال من جهة، وإعادة بعض الحياة للسلطة الفلسطينية شعبيا من جهة أخرى.
في ظل استمرار حالة الانقسام بين الضفة والقطاع، من المرجح أن يستمر الوضع على حاله، أي يكون القدوة في حال اختياره بديلا لعباس رئيسا تلقائيا للسلطة و"منظمة التحرير" بحكم الأمر الواقع. يبقى أن نشير إلى أن مثل هذه السيناريوهات بمختلف تكهناتها فاقدة البعد الوطني للقضية الفلسطينية، فما هي إلا تعبير عن أزمة نظام سياسي تقليدي لا قضية له.

* كاتب فلسطيني