قضايا المشرق | قلوب الأردنيين تتّقد شمالاً من الشام وُلدنا وإلـى الشام نعودماذا تعني لي الشام؟ بل قُلْ ماذا أعني أنا للشام؟ فالشام أكبر، الشام أكبر. أنا جنوبها، وهي شَمالي. هي قصيد التلميذ الذي كنتُه واقفاً في طابور الصباح كأول حرف في الهجائية ونشيده وأغنيته: موطني وحماة الديار وسوريا يا حبيبتي. هي الجناح الأيمن لنسر دولة الوحدة المحلِّق والنجمة الثانية لعلَمها في درس الجغرافيا وأطلس الوطن العربي الذي كان يدهش عقل القروي الصغير في رأسي.

الشام هي الحبل السُّري الذي يصل بين أبطال ثورة الكرك (الهية) (1910) الذين نكَّل بهم سامي باشا الفاروقي وبين أبطال حركة المثقفين والمناضلين العرب الذين علَّق رقابهم على أعواد المشانق أحمد جمال باشا في ساحة المرجة (1916).
في قرية الحارَّة بحوران الشمالية قبرُ جدي عبد الغني، الذي فاضت روحه هناك فاحتضنه ثراها بين سنابل القمح الذهبية التي كان يحلف بها، عندما كانت درعا أقرب إلى قريته بشرى بحوران الجنوبية من جرش وعمان، وكانت دولنا مجرد أقضية في بلاد الشام. هذا ما حكتْه لي تلك اللوحة التي تزيِّن أحد أروقة البرلمان السوري العريق، وتضم صور وأسماء أعضاء المؤتمر السوري الأول (1919 ـــ 1920) يتوسطهم رئيس المؤتمر هاشم الأتاسي، حيث كُتب تحت كل صورة اسم صاحبها واسم «القضاء» الذي جاء منه: إبراهيم هنانو من حلب، وعبد الحميد البارودي من حماه، وعبد الرحمن الرشيدات من عجلون، والشيخ رشيد رضا من بيروت، ورشيد إبراهيم من الناصرة...
أما الحدود التي تفصلنا عن الشام، فما هي إلا «الآرمة» التي أقدمَ يوسف الهربيد الزعبي على نقلها إلى الجهة الأخرى من الرمثا في عام
1954.
الشام نُزل الكنيسة في باب توما، الذي كنت أقضي فيه مع عائلتي أياماً في رحاب دمشق القديمة، دون أن يلتفت أحد إلى ديننا أو مذهبنا. الشام هي الحضارة والثقافة الحية المتواصلة التاريخ وحاضنة التنوع والتنوير وبزوغ فجر المشرق، التي تحقد عليها ثقافة الدوارس الصحراوية الوهابية وتعمل على تدميرها بأمر من الأعداء، مع أنَّ «عز الشرق أوَّلُه دمشقُ».
* كاتب وناشط يساري