يتزامن انعقاد مؤتمر البرلمانيين الدوليين في البحرين مع استمرار وجود زعيم المعارضة السياسية في السجن على خلفية الأزمة التي شهدتها البلاد منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، وهو ما ينبغي لفت انتباه البرلمانيين الدوليين إليه، فهم سيحضرون الاجتماعات المقرّر عقدها في المنامة في الأيام المقبلة.اللافت في الأمر هو اتخاذ البحرين مقرّاً لهذه الاجتماعات على رغم سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان وتراجع العمل السياسي أو تغييبه من قبل السلطة، بداعي الإجهاز عليه واستبدال الجمعيات السياسية بعناوين أخرى بعيدة من السياسة لتُمثّل في البرلمان.
إنّ النظام الداخلي لجمعية «الوفاق» ينصّ على أنها تعمل من أجل «بناء وطن عصري، تكون فيه السيادة للشعب بوصفه مصدر السلطات جميعاً، وتتوافر فيه المشاركة الشعبية في صنع القرار، ويُحقّق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة في ضوء الرؤية الإسلامية». كما يقضي بأن تكون رسالتها هي «الالتزام بقضايا الوطن والمواطن، والسعي لتحقيق التنمية المستدامة في جميع أبعادها الروحية والمادية المستمدة من الرؤية الإسلامية من خلال المشاركة الفاعلة في الشأن العام بالوسائل السلمية والحضارية، بما يُحقّق الرخاء والازدهار والرفعة، ويُعزّز السلم الأهلي، والوحدة الوطنية».
كما يمكن الإشارة لأهمّ الأهداف التي وضعتها الجمعية لمُنتسبيها ونصّ عليها النظام الداخلي وفقاً لما يلي:
-الإسهام في تمثيل المواطنين سياسياً، والمشاركة في صناعة القرار، وإدارة الشأن العام.
-الحفاظ على مكتسبات الوطن ومنجزاته التاريخية والحضارية.
-دعم مشروعات الإصلاح، والسعي من أجل تبني مبدأ التداول السلمي للسلطة.
-تنمية الوعي الوطني بالشأن العام، وحقوق الإنسـان، ودولة القانون، والحياة الديموقراطية.
-العمل على إشاعة الفضيلة والعدالة والمساواة في المجتمع.
-تعزيز السلم الأهلي والوحدة الوطنية، وترسيخ الحوار الفكري والحضاري على أساس التعددية.
-الإسهام في توفير الحياة الكريمة، والأمن والاستقرار، لكافة أبناء الوطن.
-ضمان التوزيع العادل للثروة.
-دعم الحركة العمالية والنقابية.
-تعزيز دور المرأة، وتمكينها من ممارسة كافة حقوقها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
-إيلاء الأهمية للشباب ووضع سياسات واستراتيجيات لتنميتهم.
في كانون الأول 2014، اعتقلت السلطات الأمين العام لـ«الوفاق» الشيخ علي سلمان، وفي حزيران 2016 أمرت المحكمة الكبرى الإدارية في البحرين بإغلاق مقار الجمعية بصفةٍ مستعجلة، والتحفّظ على جميع حساباتها وأموالها الثابتة والمنقولة وتعليق نشاطها بالرغم من الدعوات في الداخل والخارج لعدم شلّ الحراك المُعارض الذي يُعتبر ضرورة لاستقرار البلدان التي تعتمد نظام الحكم الملكي. حينها اتّضحت الصورة للجميع بعدم إمكانية تطوير نظام الحكم والاستمرار في المشروع الإصلاحي الذي أعلن عنه ملك البلاد بعد إقرار ميثاق العمل الوطني في العام 2001.
عاقبت السلطة نواب «الوفاق» وأغلقت الأفق السياسي وهو ما لا يمكن أن يغفله الحاضرون في الاجتماعات التي تنعقد في البحرين


من هنا، فإن أبرز مسؤولية لنائب الشعب هي الرقابة والمحاسبة، أمّا حينما تتلاشى إمكانية التشريع في البلاد العربية التي تعتمد سلطة الصوت الواحد ولا يُسمح للمشرّع بأن يقترح أو يُقرّ قانوناً قد يتعارض مع المصالح الشخصية للحاكم، فإنه من الواضح أنه يتمّ حصر الصلاحيات في أمورٍ صغيرة أو مُحدّدة تحت عنوان ضرورة الاستقرار وعدم الإساءة للدولة أمام الرأي العام الخارجي. لكن بالنسبة لكتلة «الوفاق» المُعارضة، من أكبر المبادئ التي عملت عليها هي تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين على اختلاف الطوائف. هذه الجزئية لم تكن لتروق للسلطة في البحرين على الرغم من أن المشاركة السياسية لـ«الوفاق» من عام 2006 إلى 2011 لم تحقّق سوى مكاسبَ ضئيلة بحسب ما قيّم الكثير من المُراقبين في الداخل والخارج.
لم يكن يملك نواب «الوفاق» حينها سوى صلاحيات تشريعية محدودة في ظل النظام البرلماني المعتمد في البحرين، والذي أعطت السلطة فيه صلاحيات واسعة لأعضاء مجلس الشورى الأربعين المُعيّنين من قبل الملك، تفوق صلاحيات النواب المُنتخبين الأربعين، مع العلم أن «الوفاق» حصلت في الفصل التشريعي الثاني على 16 مقعداً، وعلى 18 مقعداً في الفصل التشريعي الثالث، قبل الاستقالة على خلفية أحداث 14 فبراير 2011 والتي جاءت تماشياً مع مطالب الناخبين إثر سقوط ضحايا من المُطالبين بالديموقراطية.
إنّ سعي نواب «الوفاق» لإحداث التغيير السياسي لم ينجح كما كان مُخططاً له إبّان النقاشات السياسية في المؤتمرات السنوية للجمعية، بل أدى ذلك لاعتقال أمينها العام في قضيّتيْن متتاليتيْن، كلتاهما تمّ تلفيقهما من قبل السلطة، وبالتحديد وزارة الداخلية التي لم تتوقّف عن استهداف المدنيين الأبرياء والسياسيين المُدافعين عن الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية، كما حكمت على نائبيْن غيابياً بالسجن المؤبد، واعتقلت نائباً رابعاً لا يزال يقضي عقوبة مدتها السجن 10 أعوام من دون أيّ دليل إدانة، وذلك بشهادة المراقبين والمنظمات الحقوقية الدولية.
عاقبت السلطة نواب «الوفاق» وأغلقت الأفق السياسي وهو ما لا يمكن أن يغفله الحاضرون في الاجتماعات التي تنعقد في البحرين، على أمل أن يُفرج عن الشيخ علي سلمان والشيخ حسن عيسى كنائبيْن مثّلا الناس في البرلمان.
ملاحظة: المؤتمر العام لـ«الوفاق» هو الجهاز التنظيمي الذي يتمتّع بالسلطة العليا في الجمعية، ويقوم بتعديل النظام الأساسي، وانتخاب الأمين العام، ونائبه، وأعضاء الشورى وهيئة التحكيم.

* نائب سابق عن كتلة «الوفاق» النيابية في البحرين