عشر سنوات ونيّف ضخّ العالم فيها إمكانات ضخمة لتغذية الصراع الواقع على أرض سوريا، كان للإعلام دوره الكبير في حسم معارك الوعي: من كسب المعركة العسكرية خسر الكثير في معارك موازية لا تقلّ أهميّة. لم تكن للمواجهات المحتدمة وجهها العسكري فحسب، بل أوجه اقتصادية واجتماعية وسياسية؛ فانتصار الدولة السورية عسكرياً بأكلاف عظيمة، تنتظره تحدّيات إعادة الإعمار والنهوض مجدّداً بأكلاف عالية من وقت ومال ورصيد شعبي. هنا كان دور الإعلام الموجّه أميركياً، وبأذرع تركية وعربية: تشويه صورة الدولة ووصمها بهياكل الجوع والحرمان والعجز عن تأمين الحد الأدنى من الأساسيات، فضلاً عن تحقيق الاستقرار.
جيوش إلكترونية وعملاء على الأرض ووسائل إعلام وضخ إعلامي مكثّف جعل الحصار هنا، ونظرية المؤامرة وعشرات المليارات وآلاف المقاتلين ومئات الوسائل الإعلامية التحريضية وعشرات الفصائل التكفيريّة، مجرد عناصر متكررة مملّة مبتذلة قي رواية وبروباغندا المحور المناهض لأميركا. المشكلة، بحسب ما يريدون زرعه في الأذهان، ليست الاستثمار في الحرب والإمعان في القتل ولا صراعاً على السيادة والمقدرات الوطنية، بل هذا فشل يعبّر عن حقيقة أعداء أميركا التي جاءت بـ«قيصر» بصورة وردية لتعاقب الشعب السوري بأكمله، ومحاصرة الدول المحيطة بسوريا مباشرة أو بالتهويل.
فجأة، خسف زلزالٌ مدوٍّ عمق الرواية الأميركيّة، وأزال الأقنعة عن الجمعيّات «الإنسانيّة» والإعلام المرتهن لتنكشف الحقائق بقبحها: سوريا بلد استثمر كل العالم في حربه وحصاره لإخضاعه، وعند الكارثة الطبيعية لا تضامن عالمي ولا عربي ولا مشاعر إنسانية ولا من يحزنون. الإنسان هنا لا يستحق التعاطف، لا يستحق التضامن، ومحروم من كف قانون الحصار لحفظ الأرواح. زمن التضامن مع الشعب السوري ولّى بعدما خذلهم بتمسكه بسيادة بلده وخيار المقاومة.
اليوم حدث وحيد كفيل بإزالة الغشاوة عن كثيرين ممن خضعوا للبروباغندا الغربية: الطامع هو عدو لكلّ الأرض، ولكل الشعب، وليس لشريحة أو لطائفة. الأمر شبيه بما يرتبط بالاهتمام الأميركي بالشأن اللبناني: لا أهمية للبنان في أروقة السياسة الأميركية سوى من بوابة أمن الكيان المؤقت. وكذلك الأمر لا أهمية لشعوب هذه المنطقة وأرضها إلا من بوابة إلحاق الضرر والأذى بها خدمةً لمشاريع الهيمنة والاستكبار.
ختاماً، لطالما حدّثنا أساتذتنا منذ الصغر عن الزلازل والفيضانات وعن تدمير بيروت وتدمير دمشق وعن غزو المغول... مصائب شتّى ونتيجة واحدة: نهوض بيروت والشام وبغداد، ولا شكّ أنّ شعوباً انتهجت مقاومة الزلزال الأميركي قتالاً وصبراً ستنتهي إلى النهوض رغماً عن إمبراطورية عاتية تترنّح، والمجد لمن قالَ للظالم لا.

* طبيب وناشط سياسي