ورقة قُدّمت في مؤتمر نظّمته «المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية» في لبنان، بعنوان: «ملامح النظام العالمي الجديد».المكان: «مركز الإمام الخميني للجالية الإيرانية» - طريق المطار
الزمان: الأربعاء، 7 كانون الأول 2022


في 16 شباط 2022، وفي خطاب إحياء ذكرى شهداء المقاومة القادة، أطلق الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصر الله، على الكيان الإسرائيلي اسماً تكرّر استعماله مراراً مذّاك، هو «الكيان المؤقّت». وكان قبلاً، وفي خطابات عدّة، قدبشّر بأنّ الجيل الحاضر سيصلّي في القدس، وقد تحرَّرت. فهل كانت البشرى هذه مجرّد شعار يُطلِقه نصر الله لشحْذ الهمم، أم أن هناك ظواهر ذات دلالة تسمح برصد علمي لمدى الاقتراب من تحقيقها؟
إن هذا السؤال هو ما يشكّل نقطة الانطلاق لمداخلتي هذه، التي، للمناسبة، تندرج طوعاً في إطار مقاربة سوسيولوجية للموضوع. وفي ذهني، إلى ذلك، فرضيّة سأحاول التحقُّق من صوابيتها، طبعاً في خطوطها العريضة لضيق الوقت، مفادها بأن ظاهرةً من النوع المشار إليه، صارت اليوم في الميدان واقعاً مشهوداً، يكفينا لتثبيت وجودها ومدى حيثيتها، تكليف أنفسنا عناء جمْع المؤشّرات الدالّة عليها. عنيتُ بها ما راح يشهده «الكيان المؤقت» عبر ربع القرن الأخير، من هجرة يهودية متعاظمة في الاتجاه المعاكس للمرجو إسرائيليّاً، أي الهجرة من الكيان إلى الخارج، في موازاة تضاؤل الهجرة من الخارج إليه، وذلك على وقْع تصاعُد المقاومة الفلسطينية واللبنانية المسلّحة في مواجهته، ووسط التحوّلات العميقة المتنامية منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، في موازين القوى الدولية. تلك التحوّلات التي، بالطبع، لن أتطرّق إليها هنا لعدم اتّساع المجال، وأكتفي من ثم بإضافة أنها، على ما يبدو لي، كانت لمصلحة محور المقاومة في منطقتنا ككلّ، في ظلّ نظام عالمي ماضٍ في اتجاه التحوُّل إلى نظام متعدّد القطبيات، في مقابل تراجع النظام الأحادي القطبية الذي تشكَّل عقب انهيار الاتحاد السوفياتي (سنة 1990)، والهيمنة الغربية التي سادت طويلاً عبر القرن العشرين. فماذا بالتالي، بدايةً، عن حجم الظاهرة المذكورة؟ وما هي أبرز مؤشراتها؟

الظاهرة: حجمها وأبرز مؤشراتها
دعونا، أوّلاً، نسلّم بأن المجال هنا لا يتّسع للإحاطة بجميع المعطيات ذات الصلة. ولنعلم أيضاً أن المعلومات الدقيقة عن الموضوع، التي من المفترض أن تصدر عن مراجع رسمية في الكيان، كـ«دائرة الإحصاء المركزي» مثلاً، تكاد تكون غائبة بفعل تعتيم متعمّد 1. وهو، للمناسبة، كما يلاحَظ، متعمّد حول هذا الموضوع، تماماً كما هو حول كل ما يتعلّق بالخسائر، ولا سيما البشرية، التي يتكبّدها الإسرائيليون في مواجهاتهم مع المقاومة، أكانت فلسطينية أم لبنانية. فالمسألة مسألة أمن استراتيجي في نظر المسؤولين الإسرائيليين، ولا داعي، إذاً، لكثير من التحرّي لتخمين ما يدفع هؤلاء إلى مثل هذا التعتيم عليها.
بيدَ أن التعتيم بحدّ ذاته مؤشّر ذو دلالة. فلو لم تكن أعداد اليهود المهاجرين من الكيان إلى الخارج - أي ما نسمّيه هنا يهود «الهجرة المعاكسة» - مقلقة للكيان، لما كانت، وللبداهة، الرقابة عنده ترى موجباً لحجب أخبارها عن الرأي العام. كما أن المتوافر من معلومات جزئية، والذي لا يسعهم الحؤول دون إذاعته، فضلاً عمّا يُنشَر في الصحف والدوريات والكتب من استطلاعات وتقديرات مبنيّة على أسس علمية، كافٍ، ولا ريب، للتدليل على طبيعة المشكلة، لا بل على عمق المأزق المتربّص بالكيان الإسرائيلي. ومن هذه المؤشرات ما نكتفي هنا بذكْر البعض المعبِّر منه، مرتَّباً تحت عناوين ثلاثة كبرى:
- أولاً: حجم الظاهرة. وفيه أنه، منذ مطلع الألفية الثالثة، كانت موجة الهجرة المعاكسة من إسرائيل إلى الخارج (ولا سيما إلى أوروبا وكندا والولايات المتحدة) على تعاظم مطّرد، يقابلها تضاؤل مطّرد أيضاً في أعداد الذين من بين هؤلاء المغادرين يعودون إلى الكيان. ويبدو أن قلق المسؤولين الإسرائيليين من هذه الموجة - في زمن لم تَعُد، للمناسبة، فيه إسرائيل الوجهة المفضّلة ليهود العالم 2 - بلغ مبلغاً جعلهم يعمدون حديثاً حتى إلى تشجيع العمّال الأجانب المقيمين في الكيان - بما يخالف التقاليد اليهودية الثابتة - على اعتناق الدين اليهودي مع منحهم حقوق المواطنة 3، وذلك كخطوة منهم لمواجهة الهجرة بمفاعيلها السلبية على ديموغرافيته.
وفي بيان إحصائي صادر عن «دائرة الإحصاء المركزية»، نشرته صحيفة «هآرتس»، فإن عدد اليهود الذين غادروا إسرائيل سنة 2015، مثلاً، بلغ 16700 شخص، وقد غادروا للعيش في الخارج لفترة طويلة. وكان ذلك في أعقاب حرب سنة 2014 الإسرائيلية ضدّ المقاومة الفلسطينية، التي صمدت فيها الأخيرة في غزة صموداً أسطورياً تحت القصف، مدّة 51 يوماً، تمكّنت خلالها من إمطار أجزاء واسعة من فلسطين المحتلّة بالصواريخ، وصولاً حتى إلى تل أبيب، وكانت لها هي الطلقة الأخيرة (كدنا نقول الكلمة الأخيرة) التي أطلِقَت في النزال. وقد عاد من هؤلاء المغادرين فقط 8500 شخص، أي حوالي النصف. وكانت هذه، يومذاك، أدنى نسبة من نوعها تُسجَّل منذ 12 سنة.
وتشير، إلى ذلك، تقديرات إحصائية، نُشِرت في الآونة الأخيرة، إلى أن ما بين 800 ألف ومليون مستوطن إسرائيلي ممّن يحملون جواز سفر إسرائيلياً، يقيمون بصورة دائمة في دول عدّة حول العالم، ولا يرغبون في العودة إلى إسرائيل. لا بل إن هناك من الباحثين المحيطين بالوقائع الديموغرافية في فلسطين التاريخية، مَن يذهب إلى حدّ تقدير عدد هؤلاء بمليون ونصف مليون نسمة 4.
وفي دراسة أعدّتها ونشرتْها وزارة الاستيعاب الإسرائيلية، تَبيَّن أن ثلث اليهود في إسرائيل باتوا يؤيّدون فكرة الهجرة، وخصوصاً بعد معركة «سيف القدس»، في أيار 2021 - وهو تاريخ كان المتوقّع في الإحصاءات الفلسطينية، كما الإسرائيلية، أن يكون عدد اليهود في فلسطين التاريخية قد وصل، قبل سنة منه، إلى 6.9 ملايين نسمة، في مقابل 7.2 ملايين عربي 6. ووفقاً لأرقام وزارة الاستيعاب، غادر إسرائيل واستقرّ في الخارج، منذ مطلع 2021، ما مجموعه 720 ألف مستوطن يهودي، في حين سَجّل العام نفسه تفوّقاً في ميزان الهجرة المعاكسة لمهاجرين يهود هم في الأساس قادمون من الخارج 7. وتبيّن أيضاً أن أكثر من نصف الصهاينة الذين تركوا فلسطين المحتلّة كانوا قد ولدوا خارجها، وكانوا قد هاجروا إليها من أوروبا (64%)، ومن أميركا الشمالية وأوستراليا (25%)، ومن دول آسيا وإفريقيا (11%) 8.
- ثانياً: التشكّل الداخلي للظاهرة (ظاهرة الهجرة المعاكسة). وفيه أن هذه الأخيرة لا تقتصر على الناس العاديين، بل تشمل جميع فئات المجتمع، بمن فيهم الاختصاصيون وحَمَلة شهادات الدراسات العليا. وفي دراسة أعدّها الخبير الاقتصادي والمحاضر في جامعة تل أبيب، البروفسور دان بن دافيد، أنه، سنة 2017، في مقابل كل 4.5 من الأشخاص الذين يحملون ألقاباً جامعية وغادروا إسرائيل، جاء إليها شخص واحد فقط، في حين كانت النسبة الأخيرة، قبل 3 سنوات، لا 1، بل 2.6. ويتضح أيضاً أن النسبة الأعلى من بين حمَلَة الشهادات الجامعية المعنيين هي من ذوي الاختصاص في العلوم الدقيقة والهندسة، أي الأشخاص الأكثر أهمية لمستقبل الاقتصاد الإسرائيلي. وبحسب دائرة الإحصاء الإسرائيلية، عاد، سنة 2017، إلى إسرائيل من الخارج فقط 601 أكاديمي، فيما كان قد عاد حوالي 700، سنة 2016، و900، سنة 2014؛ وهو ما يؤشّر إلى الاستمرار المتصاعد باطراد لهروب الأدمغة.
في مسيرة الصراع بين المقاومة، بضلعَيْها اللبناني والفلسطيني، والعدوّ الإسرائيلي، شكّل عام 2000 منعطفاً تاريخياً حاسماً


ويشار كذلك إلى أن عدد الأكاديميين الذين غادروا سنة 2017، كان أعلى بـ 2081 شخصاً من الذين عادوا؛ ما حدا بمؤسسة «شورش» للأبحاث الاقتصادية الاجتماعية (Shorish Foudation) الصهيونية، إلى استخلاص لافت كان الآتي: «على رغم أن عدد هؤلاء لا يزيد على 130 ألفاً، ويشكلون 1.4% فقط من السكان في إسرائيل، وعلى رغم عددهم القليل، فإن التفوّق النوعي لاقتصاد إسرائيل المستند إليهم وحجم الهجرة من بينهم ينبغي أن يثير قلق صنّاع القرار» 9.
- ثالثاً، تلهُّف اليهود الإسرائيليين إليها. على صلة بهذا التلهُّف ما يلاحَظ في صفوف هؤلاء من تطلُّع منقطع النظير إلى الاستحصال على جواز سفر ثان، غير إسرائيلي، يكون بوجه التفضيل أميركياً أو أوروبياً. وهذا ما أتى مثبتاً له بما لا يرقى إليه الشكّ، ومن بين مظاهر عديدة من نفس النوع، ما ظهر عندهم، سنة 2015، من كثافة الإقبال على طلب جواز السفر البرتغالي. ففي تلك السنة، أصدرت البرتغال قانوناً يعطي أيّ يهودي في العالم الجنسية البرتغالية إن طلبها، وذلك في إطار تصحيح الغبن التاريخي الذي لحق بيهود إسبانيا والبرتغال، بفعل طردهم من البلدَين إثر سقوط الدولة العربية في الأندلس، نهايةَ القرن الخامس عشر. ويؤكد تقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه، حتى نيسان 2020، قدّم 45086 يهودياً من مختلف أنحاء العالم طلبات للحصول على جواز السفر هذا، فإذا به يكون في عداد هؤلاء 32622 من اليهود المستوطنين في الكيان، أي ما نسبته 72% من المجموع العام لمقدّمي الطلبات هذه.
وفي تقرير نشرته الحكومة البرتغالية، ثم قامت بتحليله شركة «باسبوتوغو» الإسرائيلية المتخصّصة في استصدار جوازات سفر أوروبية، أن عدد الإسرائيليين الذين يقدّمون طلبات للحصول على جواز السفر البرتغالي تزايد بشكل كبير، عاماً بعد عام، إذ عام 2018، كان بين الـ 13872 شخصاً من جميع أنحاء العالم، الذين قدموا هذه الطلبات سنتذاك، 10953 يهودياً إسرائيلياً، أي ما نسبته 79% من المجموع العام. ثم سنة 2019، كان في عداد الـ 18604 طلبات التي تم تقديمها، كمجموع عام، 15500 طلب (أي 84% من الكل) إسرائيلي المصدر. وقد توقّع المحامي موطي كوهين، في شركة «باسبوتوغو»، أن تستمرّ أعداد الطلبات المقدَّمة من يهود إسرائيل في الازدياد، سواء من حيث العدد المطلق أم من حيث النسبة 10.
وفي السياق نفسه، في دراسة صادرة حديثاً عن مركز «تراث بيغن»، تبيّن أن 59% من اليهود في إسرائيل توجّهوا أو يفكّرون في التوجّه إلى سفارات أجنبية للاستفسار وتقديم طلبات للحصول على جنسيات أجنبية، بينما أبدت 78% من العائلات اليهودية المستطلَعة دعم أولادها الشباب للسفر إلى الخارج 11.
فما هي، انطلاقاً ممّا تقدّم، الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة المعنيّة بالبحث؟

أسباب الظاهرة
تتنوّع، ولا ريب، الأسباب هذه؛ وتأتي في عدادها أمور عدّة على صلة بالبنية الداخلية للكيان، تحثّ على الرحيل عنه، سعياً إلى نوعية حياة أفضل. وأخصها جميعاً بالذكر الأربعة الآتية 12:
1- تراجع اقتصادي راح يشقّ طريقه مع وصول «حزب الليكود» اليميني إلى الحُكم سنة 1977، وقد ترافق مع خصخصة القطاع العام، الذي كان قد ساد أبداً، منذ إنشاء الكيان، بِمواصفات ريعية اقتضاها احتضان أفواج المستوطنين الوافدين إليه، وتأمين مستلزمات استيعابهم فيه على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية. كما تمثّل بالتحوّل عن الاقتصاد الريعي الذي كان معتمَداً في ما مضى، إلى اقتصاد سوق مذيَّل لمصالح الطبقات الرأسمالية والميسورة على حساب الطبقات الشعبية، كما لمصالح اليهود الغربيين (الأشكيناز) على حساب اليهود الشرقيين (السفارديم)؛ وهو ما جاءت، ابتداءً من سنة 2008، تداعيات الأزمة المالية العالمية لتزيد من حدّة تناقضاته وتؤجّج بالتالي الصراعات في إطاره ما بين السفارديم والأشكيناز، مضافاً إليها، هذه المرّة، التمييز العنصري بحقّ اليهود الإثيوبيين، ذوي البشرة السوداء؛
2- أزمة في هوية شعب الكيان لم تفلح السياسات المعتمَدة من قِبَل حكوماته المتعاقبة في حلّها، بدمج الخليط المتنافر الأعراق والإثنيات والثقافات المكوّن لهذا الشعب في مجتمع متجانس ومتكافل اجتماعياً؛ ما كان من مفاعيله المباشرة الإمعان في تظهير ما تنطوي عليه بنية هذا الأخير من تفكُّك داخلي؛
3. تغلغلٌ للتيار الديني المتطرّف، وتعاظم لنفوذه في مختلف جادات الحياة الإسرائيلية إلى حدّ بات معه اليوم يتحكّم بالكثير من مساراتها، مسقطاً بطريقه حتى مقولة الدولة النموذجية التي ساد طويلاً الترويج لقيامها في إسرائيل: مقولة «إسرائيل الواحة الديموقراطية في محيط عربي غير ديموقراطي»؛
4- سلوك المهاجرين الروس إلى إسرائيل، المتمثّل في كونهم، فور ما يحصلون على جواز السفر الإسرائيلي، يرحلون عنه إلى وجهتهم المفضلة للهجرة 13. وهي عادةً الولايات المتحدة.
بيد أن العامل الأعمق أثراً في تشكُّل الظاهرة وتوسُّع مداها، مع ترسُّخ جذورها، كان، بما لا يقبل الشكّ، ما شهدته ساحة المواجهة بين المقاومة بذراعيها الفلسطيني واللبناني (حزب الله) وبين إسرائيل، ابتداءً من عام 2000، من تطوّرات تضرب في الصميم، وعلى نحو متصاعد باطّراد، ثقة المستوطنين الصهاينة بقدرة دولتهم الغاصبة على ضمان العيش لهم ولأولادهم مستقبلاً بأمن وأمان تحت سقفها. فعن أيّ تطوّرات تحديداً نتحدّث؟ وماذا، استطراداً، عن وجوه العلاقة المفضية، كما نفترض، منها إلى هذه الظاهرة؟

عامل المقاومة
في مسيرة الصراع بين المقاومة، بضلعيْها اللبناني والفلسطيني، والعدو الإسرائيلي، شكّل عام 2000 منعطفاً تاريخياً حاسماً. وقد تمثّل المنعطف هذا بتطوّرَين عظيمَي الأبعاد والتداعيات، كان أوّلهما توصُّل المقاومة في لبنان بقوّتها المسلّحة وصلابة تصميمها فحسب، بعيداً عن أيّ مفاوضات، إلى تتويج نضالها المتواصل منذ 18 سنة بتحقيق ما لم يتمكّن من تحقيقه أيّ بلد آخر، غير لبنان، من البلدان العربية التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي؛ وهو إجبار إسرائيل على سحب قوّاتها من دون قيد أو شرط، من الجنوب اللبناني الذي كانت قد احتلته، بنتيجة عدوانها على بلد الأرز، سنة 1982. فإذا بـ«حزب الله»، من هنا، ينهي بالضربة القاضية أسطورة «الجيش الذي لا يُقهَر»، التي كانت قد لازمت الجيش الإسرائيلي منذ إنشاء الكيان، سنة 1948، ويحوِّل هذا الأخير إلى مجرد جيش عادي في الميدان، وإنْ مجهّزاً بمعدّات وأعتدة غير عادية للمواجهة.
أما التطوّر الثاني، فكان اندلاع «انتفاضة الأقصى» - أو ما يسمّى أيضاً الانتفاضة الثانية - في فلسطين المحتلّة، في 28 أيلول من السنة نفسها، أي بعد ثلاثة أشهر من التطوّر الأول على الجبهة اللبنانية، وربّما أيضاً بتحفيز منه. وكانت الشرارة المؤدية إلى اندلاعها، اجتياح رئيس الوزراء الإسرائيلي يومذاك، أرئيل شارون، باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه، وسط جموع الفلسطينيين المحتشدين فيها للصلاة، كما للدفاع عن أولى القبلتَين وثالث الحرمين الشريفين في وجه تعدّيات المستوطنين. وكان مصيرها أن تدوم زهاء خمس سنوات بين مدّ وجزر.
وقد تميّزت الانتفاضة هذه، بالمقارنة مع سابقاتها من حلقات النزال، بكثرة الاشتباكات المسلّحة وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية فيها، بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي. كما أوقعت آلاف القتلى والجرحى من الجانبين، وأحدثت الكثير من الأضرار المادية، بما في ذلك إعطاب الفلسطينيين لـ 50 دبابة من نوع «ميركافا» - درّة تاج الصناعات الحربية الإسرائيلية - وعدد من الجيبات العسكرية والمدرعات في الجانب الإسرائيلي. لا بل إنها تميّزت أيضاً، بل خصوصاً، بدخول سلاح جديد على خط المواجهة - سلاح من طبيعته أن يحدث الكثير من الفرق ولم يكن في الحسبان قبلاً - تمثّل في صواريخ «كورنيت» التي بها تم إعطاب دبابات «ميركافا»، وصواريخ «القسّام» التي كانت حركة «حماس» قد بدأت بإنتاجها سنة 2001، ثم راحت مذّاك تزجّها في معاركها، وبالتوازي تعمل على تطويرها بالتدرّج وتوسيع مدى تغطيتها.
وكان، بالمحصّلة النهائية، مآل هذه الانتفاضة أن تنتهي سنة 2005، بعد جولة أخيرة من المواجهة بين إسرائيل والمقاومة في غزة، باضطرار الأولى - تكراراً لما كانت قد فعلت تجاه جنوب لبنان - إلى الانسحاب من القطاع، وإخلاء مستوطناتها التي كانت قد أنشأتها من عدم على أطرافه، لتطوّقه بها. وقد كان، إلى ذلك، لصواريخ «القسّام» المشار إليها دور أساسي في التسبُّب بهذه النتيجة.
فلئن كان، تالياً، لإنجاز المقاومة الفلسطينية هذا من دلالة، فدلالته البديهية أنه، بمجرّد تحقُّقه، يكون قد أَسقط، للمرّة الثانية في غضون خمس سنوات، أسطورة «الجيش الذي لا يقهر»، وأثبتت من ثمّ أن «قهر» هذا الجيش، بل فرض الانصياع عليه، الذي كان قد تحقَّق، سنة 2000، على يد «حزب الله»، لم يكن صدفة عابرة، بل فعلاً قابلاً للتكرار كلّما دعت الحاجة، وشاءت المقاومة، لطالما تحلّت بالعزم وصارت تمتلك الأسلحة اللازمة لذلك. وهذا ما، بطبيعة الحال، كان من انعكاساته المباشرة ثلاثة في اتجاهات ثلاثة متباينة:
1- إعطاء المقاومة الفلسطينية بجميع أشكالها، بما فيها العمل الفدائي الفردي (ووسيلته الطعن بالسكين أو أيّ آلة حادّة، أو الدهس بالسيارة، أو إطلاق النار، أو زرع عبوة ناسفة وتفجيرها) المستهدِف للمستوطنين الصهاينة، قوّة دفع إضافية تقنعها بجدوى الاستمرار في البذل؛
2- اكتشاف المستوطنين الصهاينة مدى هشاشة المظلّة الحامية التي أمّنها الجيش الإسرائيلي لهم، في ما مضى، ودخولهم، على امتداد هذا الاكتشاف، في حالة من الشكّ في قدرة المظلّة هذه على الاستمرار في ضمان الأمن والأمان لهم، وتالياً من الخوف على المصير (المحفز، للمناسبة، على «الهجرة المعاكسة»)؛ عنيت: مصيرهم هم كأفراد، ومصير أولادهم في هذه الأرض المرصودة التي اسمها فلسطين، والتي يثبت أولادها الشرعيون كل يوم بالدم والتضحية بالذات أنها ليست للبيع، ولا للإهداء؛
3ـ تيقُّن إسرائيل الكيان، وسط هذه الأجواء، من كل ما أصاب مهابة جيشها وصورته الردعية من تصدّع وتآكل بمواجهة الفلسطينيين، وتالياً من ضرورة المبادرة بلا إبطاء إلى عمل يعيد الاعتبار لقوّة جيشها وترميم صورته المتآكلة هذه، لتدارك الأسوأ.
وانطلاقاً من هنا، بالنتيجة، كان أن حزمت إسرائيل أمرها وبادرت، في 12 تموز 2006، أي بعد عام واحد من تاريخ سحب جيشها من قطاع غزة، إلى شنّ حرب جديدة على لبنان. عنيت ما اصطلح عندنا في لبنان على تسميته «عدوان تموز (2006)»، فيما سمّته إسرائيل، من جهتها، «حرب لبنان الثانية»، وكان المأمول منه إسرائيلياً التوصُّل إلى القضاء على «حزب الله»، وتالياً، فتح الباب أمام ولادةِ «شرقٍ أوسطَ جديد» كثيراً ما بشرت به كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية 14، في مواكبتها للأعمال الحربية الجارية آنذاك.
ولكن الحقيقة أن العدوان هذا باء بفشل تام، ولم يحقّق أيّاً من أهدافه 15، بقطع النظر عمّا أحدثه، بالقصف الجوي، من جرائم قتل للمدنيين العزّل في لبنان وتدمير للبنى التحتية اللبنانية. فلا هو، وللبداهة، تمكّن من القضاء على «حزب الله»، ولا، تالياً، تمكّن من إعادة تلميع صورة الجيش الإسرائيلي كجيش رادع وقادر على ضمان الأمن والأمان لرعايا دولته. بل كان جلّ ما أفضى إليه هو النقيض التام للمشتهى إسرائيلياً. عنيت: إضافةً إلى الإمعان في تهشيم صورة الجيش الإسرائيلي هذه، إعطاء «حزب الله» الفرصة لجعل ساحة الحرب بينه وبين إسرائيل تشمل، منذ ذاك التاريخ فصاعداً، لا الأراضي اللبنانية وحدها، كما كانت هي الحال في ما مضى، قبل توصّل الحزب إلى امتلاك القدرات الصاروخية التي صارت بحوزته، بل بالإضافة إليها، أيضاً، كامل مساحة فلسطين التاريخية، بعدما صارت هذه الأخيرة، برمّتها، في مرمى صواريخه المتزايدة الدقة والمديات. وهذا ما، في الواقع، كان من تجلّياته، يومها، في ردّ الحزب على العدوان، إمطاره أغلب مناطق فلسطين المحتلّة بصواريخه البعيدة والمتوسطة والقريبة المدى، وإبقاؤه المستوطنين في شمال الكيان، على امتداد أيام العدوان الـ 33، في الملاجئ.
وهذا ما، في المحصّلة، كان في طليعة تداعياته أمران:
ـ بالنسبة إلى لبنان، فرض معادلة ردعية على إسرائيل تمنعها، مذّاك، من الاعتداء عليه، كما كانت تفعل في الماضي بصورة دورية؛
ـ وبالنسبة إلى فلسطين، بالعكس، تكوّن حالة محفّزة لكلا الطرفَين المعنيَّين على المضيّ قُدُماً في تصعيد المواجهة ما بينهما: محفزة لإسرائيل، في سعي منها لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وصولاً إلى محو شيء من الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، اسمه القضيّة الفلسطينية؛ ومحفّزة للمقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها وأنواعها (بما فيها الأعمال الفدائية الفردية، كما أسلفنا)، وفي ذهنها تطلُّع إلى استنساخ المعادلة نفسها التي فرضها «حزب الله» على إسرائيل في جنوب لبنان، ومن ثم فرضها على الساحة الفلسطينية.
والواقع أن مرحلة الأعوام الستة عشر التي تلت عدوان تموز، شهدت حملات حربية عدّة من العدو الصهيوني على الفلسطينيين، وكان حافزها ذاك الذي سبقت الإشارة إليه. وكانت في عدادها خصوصاً حملات 2008، و2012، و2014، التي كانت الفصائل الفلسطينية، في كل منها، تردّ للعدو الصهيوني الصاع صاعين.

في دراسة لوزارة الاستيعاب الإسرائيلية، تَبيَّن أن ثلث اليهود في إسرائيل باتوا يؤيّدون فكرة الهجرة، وخصوصاً بعد معركة «سيف القدس»


ولكنها (أي المرحلة) شهدت أيضاً معركة «سيف القدس»، التي دارت رحاها في أيار 2021، وكانت أهم المواجهات تلك على الإطلاق. كما كانت المبادرة فيها بالأحرى لفصائل المقاومة الفلسطينية، ولا سيما «حماس»، وقد أتت رداً من الأخيرة على اعتداءات إسرائيلية مستمرّة على القدس، وخصوصاً على المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جراح. ففي هذه المعركة، هبّ الشعب الفلسطيني، على نحو غير مسبوق عمليّاً، بجميع مكوّناته وفي جميع أماكن انتشاره - أي، طبعاً، في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، فضلاً عن بلدان الشتات ومخيّماته، ولكن، هذه المرّة، أيضاً في الداخل المحتلّ سنة 1948 - هبّة رجل واحد في مواجهة العدو الغاصب. فإذا به من هنا، وبقوّة صواريخه، ينجح، تماماً كما في المرّات السابقة، في معاودة تثبيت معادلة القوّة لمصلحته في الميدان. ولكنه، هذه المرّة، نجح بالأخصّ، في ما هو أبعد وأعمق بكثير من هذه المعادلة، وهو إسقاط الرهان الشهير لديفيد بن غوريون، الأب المؤسس لإسرائيل، بالضربة القاضية. عنيت ذاك الرهان الذي كان بن غوريون قد أشاعه، غداة نكبة فلسطين وإنشاء الكيان الغاصب، وبقي من بعده، على الدوام، للمستوطنين الصهاينة، مصدر اطمئنان إلى مستقبل دولتهم - في قوله المأثور عن أبناء فلسطين وبناتها: «غداً، كبارهم يموتون، والصغار ينسون».
فإذا بـ«صغار» فلسطين هؤلاء، أحفاد جيل النكبة، وهم يدخلون، من هنا، على خطّ المواجهة خلال معركة «سيف القدس» (أيار 2021)، إنّما ينسفون بذلك الأساس بالذات لمشروع الاستيطان اليهودي في فلسطين المحتلّة، فيثبتون أنهم «لم ينسوا»، على رغم كل الجهود الحثيثة التي بذلتها إسرائيل، خلال 73 عاماً انقضت حتى سنتذاك من تاريخ النكبة، لتفكيك شخصيتهم وأسرلتهم، وفكّ الرابط الوطني والقومي الذي يربطهم بفلسطين العربية كوطن، وبالعروبة كانتماء قومي.
يضاف إلى كل ما تقدَّم أنه، في خلفية هذه المواجهات جميعاً، كانت في الجانب الفلسطيني على تتابع عمليات فدائية متعاظمة العدد والنوعية، تزرع الرعب في قلوب المستوطنين الصهاينة أينما وجدوا على أرض فلسطين التاريخية. وقد كانت العمليات هذه في البدء عمليات محض فردية، لكنها ما لبثت أن وجدت تتويجها في تكوين مجموعات مقاتلة، عابرة للفصائل القائمة ومتجاوزة لاختلافاتها العقائدية، وهي على جانب كبير من الفعالية، وتنفّذ اشتباكات كبرى في الميدان، على غرار «كتيبة جنين» في مخيم جنين (شمال الضفة الغربية)، و«عرين الأسود» (في محافظة نابلس). فكيف، بالتالي، كان وقْع كل ما تقدَّم ذكره من مواجهات على المستوطنين، وخصوصاً لجهة المَيْل، أو عدمه، إلى خيار «الهجرة المعاكسة»؟

التطورات الميدانية والهجرة المعاكسة
من وجهة نظر منهجية، لو كانت المعطيات الديموغرافية الرسمية ذات الصلة معلَنة في الكيان الصهيوني، لكانت الإجابة عن هذا السؤال من أبسط ما يكون. فلهذه الغاية، كان ليكفي فرز هذه المعطيات، في خانتَي الخروج من إسرائيل والدخول إليها، حسب التواريخ التي حصلت فيها المواجهات المعنية، ومن ثم مقارنة أرقام الخروج بأرقام الدخول التي تتكشّف هذه المعطيات عن حصولها عقب كل مواجهة، للتحقُّق ممّا إذا كانت قد ترتّبت على المواجهات المعنيّة تأثيرات على حركة الخروج، ذات دلالة إحصائية يعتدّ بها. ولكن الحاصل في إسرائيل ليس هذا المتوخى، بل التعتيم شبه التام، الذي سبق ذكره.
ففي مثل هذه الحال، لا يبقى أمام الباحث، لتلمُّس صورة الواقع القائم، سوى البناء، بدايةً، على المعطيات المتوافرة من مختلف المصادر - ولو جزئية - وعلى أنواعها (إحصاءات، تقديرات، استطلاعات رأي، إلخ). وهذا ما سبق أن تمّ الأخذ به في هذه الورقة. وقد ثبت لنا، بالاستناد إليه، أن العقدَين الأخيرَين حملا ما بين مليون ومليون ونصف مليون مستوطن صهيوني على مغادرة إسرائيل ليستقرّوا في بلدان أخرى. وأغلب الظنّ، استطراداً، أن وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) كانت على حقّ إذ رأت، في تقرير لها تم إعداده بين عامَي 2015 و2016، أن أيّ مواجهة عسكرية مقبلة للمقاومة مع إسرائيل ستجعل المستوطنين الإسرائيليين يغادرون إسرائيل وينسلخون عنها نهائياً 16. وهذا، للمناسبة، ما يتقاطع أيضاً مع ما أفصح عنه مسؤول سابق خبير، من صميم الكيان، هو تامير باردو، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد)، في مقال نشرته له صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في حزيران 2022، وفيه حذّر الإسرائيليين من احتمال زوال الكيان. وقد قال بالحرف الواحد، معلّقاً على مغادرة 720 ألف مستوطن واستقرارهم في الخارج منذ مطلع سنة 2021: «هذا العدد مرشّح للارتفاع هذا العام، بعدما ضربت المقاومة الفلسطينية مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، وأصبحت، باعتراف إسرائيلي رسمي، كل بقعة مستباحة وتحت مرمى صواريخ المقاومة من غزة وحزب الله اللبناني» 17.
وهذا، في نهاية الأمر، ما لا يختلف على الأرجح كثيراً في خلفياته عما أفصَحَت عنه، على سبيل المثال، الكاتبة وأستاذة التاريخ في الجامعة العبرية، أدليت وايزمن، إبّان معركة «سيف القدس». ففيما صواريخ المقاومة الفلسطينية، يومذاك، تنهمر من غزة على المستوطنات الإسرائيلية، كتبت الأخيرة متوجّهةً إلى قادة الكيان، وفي كلامها رجع صدى لمقولة السيد نصر الله الشهيرة في خطابه الاحتفالي بالنصر، الذي ألقاه في بنت جبيل، غداة الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، في 26 أيار سنة 2000 : «لقد خدعتمونا، أنتم كذبة يا قادة إسرائيل، إسرائيل تحترق، وصواريخ غزة تنهمر على كل إسرائيل كالمطر. أنتم تكذبون، فإسرائيل تذهب من هزيمة إلى هزيمة، منذ حرب تموز 2006 (لبنان) لغاية الآن. نعم، أوهن من بيت العنكبوت» 18.
وفي هذا الحكم المبرم، المعبّر بكل دقّة وصدق وشفافية من داخل «الكيان المؤقت» عن مكنونات القلوب فيه، ما لا يمكننا أن نزيد عليه زيادة. وليكن إذاً هو الخاتمة.
* باحث وناشط سياسي

■ ■ ■

مراجع
1- إن هذا ما يفضح أمره، من بين عديدين، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (موساد)، تامير باردو، إذ، في مقال نشرته له صحيفة «يديعوت أحرونوت» في حزيران 2022، يعلن: «أن السلطات ذات الصلة تحاول إخفاء ظاهرة ما يسمّى إسرائيلياً بالهجرة المعكوسة». (قارن: أحمد حازم)، «رئيس سابق للموساد: ثلث اليهود يؤيدون الهجرة، و720 ألف مستوطن غادروا إسرائيل»، في: الشراع، القدس المحتلة، 16/10/2022).
2- يشار هنا إلى ما أثاره بحْث أعدَّه معهد «هيبرو يونيون كولدج» بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا ديفيس، وأشرف عليه تسفيان كوهين وآري كولمان، من قلق شديد في إسرائيل، وقد بيّن أنه كلّما كان عمر الشاب اليهودي في البلدان الغربية أصغر، تراجعت عنده نسبة الشعور بالانتماء إلى إسرائيل، ورؤيتها وأهميتها. وقد بيّن البحث أيضاً أن 52% من يهود أميركا غير مبالين بإبادة إسرائيل، فيما لا تتجاوز 54%، نسبة الشبان الذين يشعرون بارتياح لوجودها. وعلى صعيد آخر، عنن مدير عام «مركز تخطيط الشعب اليهودي»، نحمان شاي، أن نحو 50 يهودياً في الولايات المتحدة يتحوّلون، يومياً، عن اليهودية. وهو ما، بالتقاطع مع معطيات أخرى من بينها ازدياد تزاوجهم مع غير يهوديات وتعاظم معدّلات العزوف عن الزواج في صفوفهم، يشير إلى أن الجمهور اليهودي في هذا البلد، كما في بلدان أخرى منها سائر بلدان أميركا الشمالية، وروسيا، وأوروبا الغربية، يتّجه إلى الاضمحلال، وقد بلغت نسب ذوبان اليهود كجماعة 70% في روسيا، و50% في أميركا الشمالية، و45% في أوروبا الغربية (قارن: عبد الحميد غانم، الهجرة المعاكسة وتداعياتها على الكيان الصهيوني، منشورات الهيئة السورية العامة للكتاب، دمشق، 2019، 272 صفحة من القطع الكبير).
3- قارن: شرحبيل الغريب، «إسرائيل تنزف... الهجرة المعاكسة خطر وجودي»، موقع «الميادين»، 20 شباط 2022، الساعة 8:36.
4- قارن: جورج كرزم، «الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود الكولونيالي في فلسطين»، «الرعاية للدراسات والنشر»، رام الله، طبعة أولى، 2018.
5- شرحبيل الغريب، المرجع المذكور سابقاً، تبعاً لإحصاء منشور في صحيفة «هآرتس»، مصدره «دائرة الإحصاء الإسرائيلي»؛ وعند زهير أندراوس أن استطلاعاً للرأي تم تحقيقه بين الإسرائيليين مطلع عام 2022، كشف أن 40% من هؤلاء بالأحرى يفكّرون بالهجرة المعاكسة (قارن: زهير أندراوس، جريدة «رأي اليوم»، الناصرة، في 1 شباط 2022).
6- د. أسعد عبد الرحمن كتب حرفياً: «تؤكد الإحصاءات الفلسطينية والإسرائيلية أنه، مع نهاية عام 2020، يتوقّع وصول عدد اليهود في فلسطين التاريخية إلى نحو 6.96 مليون نسمة مقابل 7.2 مليون عربي»، في مقاله: «كابوس تزايد الهجرة المعاكسة من إسرائيل»، في: www.ammonnews.net، 14/01/2020. وكان تلفزيون «ثد» أذاع إعلان مكتب الإحصاء الفلسطيني الذي ورد فيه التوقّع المشار إليه للمرّة الأولى، بتاريخ 26 تشرين الثاني عام 2011 (قارن: الخبر المذاع حول الموضوع، في: www.france24.com، تاريخ 26.12.2011، الساعة 12:43)
7- شرحبيل الغريب، المرجع السابق ذكره، وفقاً لأرقام صادرة عن وزارة الاستيعاب الإسرائيلية.
8- قارن: عمر معربوني، في: الموقع الرسمي للمقاومة الإسلامية - لبنان، 10 أيلول 2022.
9- لجميع هذه المعطيات: المرجع نفسه.
10- مقال سبق ذكره، في: موقع جريدة «الاتحاد» الإماراتية، نهاية 2020.
11- زهير أندراوس، المرجع السابق ذكره.
12- مكثف لمعلومات وأحكام واردة في مختلف المراجع المذكورة في هذه الورقة. وكثيراً ما يرد التشكّي من تداعياتها في استطلاعات الرأي التي ذكرنا بعضها أعلاه.
13- وهذا ما من شأنه خصوصاً أن يسهم إلى حدّ ما في رفع أعداد المغادرين المعنيين بظاهرة الهجرة المعاكسة.
14- ويكون ولا شكّ خالياً من المقاومة، كما كانت تشتهي هذه الوزيرة، هي وإدارتها وعلى رأسها جورج بوش الابن، فضلاً عن العدو الإسرائيلي.
15- وهذا ما اعترفت به رسمياً لجنة «فينوغراد»، التي تم تشكيلها خصيصاً للتحقيق في هذه الحرب على لبنان، أو «حرب لبنان الثانية»، كما سمّوها، وتحديد المسؤوليات عن كل ما حصدته من إخفاقات.
16- قارن: شرحبيل الغريب، في: «الميادين»، مقال سبق ذكره.
17- قارن: أحمد حازم، في: «الشراع»، المرجع السابق ذكره.
18- قارن: متابعة صابرين البغدادي، «صحيفة إسرائيل اليوم: أنتم كذبة يا قادة إسرائيل»، في: موقع وكالة أنباء «بُراثا» الإلكتروني، burathanews.com، 21/5/2021؛ وفي نفس الخانة، يمكننا أن ندرج كتابات كثر من بين المؤرخين وأساتذة الجامعات والباحثين الإسرائيليين من كل الاتجاهات، باتت تدلّل على أن الكيان غارق في سيرورة تفكّك من داخل، وبات أصحابها، بناءً عليه، أميَل إلى مغادرة هذا الأخير. إن هذا هو، على سبيل المثال، لسان حال المحلّل السياسي الشهير جدعون ليفي، وكذلك المؤرّخ بيني موريس، والرئيس الأسبق لجهاز الموساد شبطاي شافيت، وكذلك البروفسور في الجامعة العبرية مارتين فان كارفيلد (وهو، للمناسبة، من دعاة طرْد جميع العرب من إسرائيل). ويضاف إلى هؤلاء أيضاً، رئيس «الكنيست» الأسبق، إبراهام بورغ، الذي يمتلك جواز سفر فرنسياً، وقد دعا جميع الإسرائيليين إلى أن يحذوا حذوه في الحصول على جواز سفر أجنبي، إذ إن إسرائيل، كما قال: «على أبواب نهاية الحلم الصهيوني، وتتجه نحو الخراب». كما يضاف المفكّر اليهودي البريطاني والصهيوني السابق المنشق، جون روز، صاحب الكتابين الشهيرين: «أساطير الصهيونية»، و«إسرائيل الدولة الخاطفة... كلب حراسة الولايات المتحدة في الشرق الوسط». واللائحة تطول.