لا يزال حديثنا هنا عن مذكرات صائب سلام التي صدرت حديثاً في ثلاثة أجزاء بعنوان: «صائب سلام: أحداث وذكريات». وقلتُ من قبل إن الأجزاء الثلاثة هي يوميّات دوّنها صائب ونشرتها العائلة كما هي من دون تصحيح أو تنقيح أو تحرير، مع أنها تنقل صورة معبّرة عن مكنونات صائب سلام وتفكيره في محطات تاريخيّة مهمّة شاركَ هو في صنعِ بعضها. وتضمّنت اليوميّات في الجزء الثالث بعض ما جاء في أحاديث صائب مع الصحافي شكري نصر الله في سنوات إقامته في جنيف.تقرأ اليوميّات وتتبيّن مدى الفارق بين الخطاب العام والخاص عن سوريا. هذا يسري على صائب سلام كما يسري أكثر على رفيق الحريري، في ما بعد. الأخير كان يطنب في مديح النظام السوري في العلن ويتآمر ضده في السر. هذا ديدن السياسة في لبنان. كانوا يتنافسون لالتقاط صورة مع غازي كنعان، ونكروه بعد خروج الجيش السوري من لبنان. مروان حمادة علّق أخيراً على ظهور صورة تجمعه مع غازي كنعان بالقول: كنا نختلف، على أساس أن كنعان كان محاوراً ديموقراطيّاً رحبَ الصدر، ويتقبّل كل نقد لدور المخابرات السوريّة في لبنان. وصائب كان يتحادث في تفاصيل شؤون النظام السوري والإخوان المسلمين مع الدبلوماسيّين الأجانب. وكان في السرّ يلوم النظام السوري على ما يجري في لبنان، لكنه لم يكن يجاهر بالموقف.
لا يجد صائب أي حرج في مديح نفسه عند ذكر أي خطاب أو مقابلة له. يقول هكذا من دون خجل أو تردّد: «وكانت لي كلمة موفّقة» (ص. ١٠١٤، ج٢). وبعد حديث له على التلفزيون يقول: «وتضاعفت التهاني بعد حديثي الطويل على التلفزيون… فلم أشهد منذ سنوات بعيدة… مثل هذا الإعجاب العظيم والارتياح الكبير والواسع… ويبدو أنني كنتُ موفّقاً إلى أبعد الحدود» (ص. ١٠١٧، ج٢). وتحدّث صائب مع شبكة إعلام أميركيّة وقيّم أداءه بنفسه هكذا: «ومن الأكيد أن عرضي للقضيّة الفلسطينيّة ودفاعي عنها كان أفضل ممّا لو قام به أي فلسطيني» (ص. ١٠٢٣، ج٢). فليتنحَّ جانباً إدوار سعيد ووليد الخالدي ورشيد الخالدي. وتسلّم تمام من صائب رئاسة «المقاصد» في آذار ١٩٨٢. ويمضي سلام في معارضة مشروع الحركة الوطنيّة لإنشاء مجالس شعبيّة محليّة فيردّ عليه وليد جنبلاط—الذي يزوره متملّقاً دائماً—بالتهديد بالقوّة وبجميع أنواع الأسلحة ضد «بعض الأوكار في بيروت»، في إشارة إلى سلام. ردّ عليه صائب بحزم فتراجع جنبلاط كعادته لائماً «زلّة اللسان» (ص. ١٠٢٠، ج٢). طبعاً، تراجعت الحركة الوطنيّة عن مشروعها كما تراجعت عن كل مشاريعها وبرامجها. ويزوره مرّة أخرى، أبو الزعيم، وهذه المرة يشكو له من «الفساد المُتفشّي بينهم» (ص. ١٠٣٠، ج٢). هذه صورة كوميديّة: أفسد زعيم فلسطيني في لبنان قاطبةً يزور صائب سلام ويشكو له من حالة الفساد في منظمة التحرير، وصائب يهزّ رأسه مُوافِقاً. ويتحدّث صائب عن فصل مهم من تاريخ تلك الفترة، عن الاشتباكات بين حركة «أمل» والشيوعيّين: السرديّة الحاليّة تتطلّب إقحام حزب الله في الصراع ضد الشيوعيّين، وغالباً بإرادة شيوعيّين هجروا الشيوعيّة نحو نموذج الدول الفاضلة في الخليج. وقع في جولة اشتباكات واحدة بين «أمل» والشيوعيّين «ما يزيد على خمسين قتيلاً في عشرين قرية في الجنوب». محظوظة حركة «أمل» كيف أن اليمين الحالي السائد برّأها من كل تلك الاشتباكات الدمويّة. طبعاً، ناصرَ صائب «أمل» ضد الشيوعيّين. ثم يأتيه وفد سوري قريب من بدوي الجبل يطلب، مرّة أخرى، وساطة صائب للحصول على مساعدة ماليّة من السعوديّة. يوضح صائب لهم أن «لا علاقة لي مع السعوديّين على هذا الصعيد». وأوضح للوفد أنه لا يتدخّل حتى في شؤون أعمال ابنه فيصل المقيم في الرياض، والذي «يتكبّد خسائر جمّة» (ص. ١٠٢٤، ج٢). يقول لنا صائب: «ففي الحقيقة والواقع أن وضعي مع الإخوان السعوديّين في عدم اهتمامهم بمشاريعنا الخيريّة كما أطالبهم، يدفعني إلى ألّا أخاطبهم بشيء يتعلّق بأيّ مساعدات». يعتب صائب مرة أخرى على وزير الإعلام آنذاك، ميشال إدة، ويعيب عليه «ميوله الشيوعيّة في عدم إبراز أي شأن إسلامي مهما كان» (كان وليد جنبلاط يثني على يسارية إدة المفترضة حيناً ويتهمه بالانعزاليّة والرجعيّة حيناً آخر—زلّات لسان، لا أكثر).
المُشين أن صائب يردّ على أخبار العدوان الإسرائيلي المستمرّ على لبنان بنقد المقاومة الفلسطينيّة تماماً على طريقة شمعون والجميّل وصحبهما من أعوان إسرائيل في لبنان


يذكر صائب اغتيال الشيخ أحمد عسّاف. يتهم شخصاً شيوعيّاً (ص. ١٠٢٦، ج٢) من منظمة العمل الشيوعي، مع أن الشبهات حامت يومها حول ضلوع «اشتراكي» لا شيوعي (لم يُفتح يوماً ملف اغتيالات عديدة قام بها الحزب التقدمي الاشتراكي). زاره الشيخ محمد علي الجوزو فوجده «في حالة خوف». والجوزو بنى علاقات وثيقة جداً مع أجهزة النظام السوري في لبنان، قبل أن ينقلب عليهم بعد خروج الجيش السوري من لبنان. وتوالت زيارات قادة من فصائل وتنظيمات من الحركة الوطنيّة لصائب لعلمهم أن الرأي العام بات ينفر منهم. كان انهيار قادة الحركة الهجينة والسقيمة قد بدأ وهجر صفوفها عناصرها وقادتها على حدّ سواء. لكن السردية الحاليّة تصرّ على أن حزب الله أتى وقضى بالقوّة، وبضربة واحدة، على الحركة الوطنيّة بعدما كانت تستحوذ على قلوب المسلمين واليساريّين وعقولهم وتقود عمليّة مقاومة لا سابق لها ضد إسرائيل. هي سرديّات من الخيال الـ(لا) علمي.
ينزعج صائب من سليم الحصّ. يقول عنه: «صرنا نلاحظ أن الحصّ يحاول إبراز نفسه بمناسبة وبدون مناسبة. وهو أخذ يتقرّب أخيراً من الفلسطينيّين والسوريّين» (ص. ١٠٣٠، ج٢). لماذا لا يتحمّل صائب وجود أي زعيم سنّي غيره يا ترى؟ يشكو صائب من حسين القوتلي، المدير العام للإفتاء آنذاك. وكان صائب يكنّ له كراهية شديدة، لكنها كانت متبادلة. كان القوتلي شديد العداء للقوى الانعزالية، وكان أوّل من طرح فكرة جمهوريّة إسلاميّة في لبنان، قبل أن يطلع حزب الله بتلك الفكرة الممجوجة التي عاد وتراجع عنها في زمن حسن نصر الله. وزار صائب أساتذة من كليّة العلوم الاجتماعيّة في الجامعة اللبنانيّة، من السنّة والشيعة. سُرّ صائب بالاجتماع: «سررتُ جداً بأنهم جميعاً يدركون الخطر الشيوعي الذي يتعرّض له المسلمون، حتى إن احدهم قال إنه كان شيوعيّاً ولكنه عاد إلى إسلاميّته» (ص. ١٠٣٣، ج٢). لكن غريب أمر صائب: له كل الحقّ أن يكنّ كل هذه البغضاء ضد الشيوعيّة، لكنه لماذا لا يبدو أنه يكنّ أيّاً من البغضاء ضد الذين قتلوا المسلمين في السبت الأسود وهجّروا الآلاف منهم، وهو الذي ينبري للنطق باسم المسلمين في لبنان والدفاع عن حقوقهم بوجه الحركة الوطنيّة؟ لا يذمّ صائب الكتائبيّين كما يذمّ الشيوعيّين: على العكس من ذلك. يحافظ صائب على أقنية تواصل وتلاقٍ مع القوى الانعزاليّة، ومع بشير الجميّل بالذات، حتى صيف الاجتياح الإسرائيلي للبنان في ١٩٨٢، عندما زادت حرارة التواصل بين الطرفيْن. لعلّ صائب يلوم الشيوعيّين على السبت الأسود: هو كان على تواصل مستمر مع الفاعل (بشير الجميّل)، لكنه كان يرفض أي لقاء مع الشيوعيّين، أو حتى مع الذين يتحالفون معهم، مثل «المرابطون».


زاره مروان حمادة ووافقه على أنه لم يكن بإمكانه السكوت عن مواقف وأقوال وليد جنبلاط (ص. ١٠٣٤، ج٢). يبدو أن كل قادة الحركة الوطنية سارعوا إلى مراضاة صائب بعد استقواء بشير الجميّل وتهديده باجتياح إسرائيل مترقّب. كما زاره بعد طول غياب، النائب ألبير منصور وعتب عليه لأنه يقول عنه إنه شيوعي. ويقول إن منصور كان مقتنعاً، مثله، بـ«الخطر السوري، ومن جهة أخرى بضعف الحركة الوطنية وتخلخل كيانها، وخصوصاً في الآونة الأخيرة، وهذا ما أصبح واضحاً لي من قبل» (ص. ١٠٣٧، ج٢). يقول له منصور إن الجميع مستعد للانضواء تحت قيادة صائب، وطلب منه التساهل في «قضيّة التعامل مع الشيوعيّين». ويحين الوقت دائماً لذمّ شقيقه مالك سلام، فيقول من دون مناسبة بسبب تغيّب مالك عن حضور اجتماع في منزله: «والمؤسف أن صورة مالك عند الناس تدنّت كثيراً في الآونة الأخيرة، ليس لهذا السبب وحده بل لتصرّفات عديدة أخرى» (ص. ١٠٣٨، ج٢). مسكين مالك. وعلى عكس ما يقول صائب، لم تكن لمالك أيّ سمعة سيّئة عند الناس، وهو الذي كان معروفاً برصانته ورزانته ونزاهته وجديّته. وكنَّ صائب عداءً شديداً ضد أسعد نصر، المدير في شركة طيران الشرق الأوسط، واتهمه بالفساد وفرح باستقالته (ص. ١٠٣٥، ج٢).
والمُشين أن صائب يردّ على أخبار العدوان الإسرائيلي المستمرّ على لبنان بنقد المقاومة الفلسطينيّة تماماً على طريقة شمعون والجميّل وصحبهما من أعوان إسرائيل في لبنان. يذكر أخبار قصف إسرائيل العنيف في حزيران ١٩٨٢ ويتحفّظ عن التنديد بإسرائيل ويقول: «كدتُ أخرج عن طوري فأدلي بتصريح أضع فيه النقاط على الحروف للفلسطينيّين، في ما يسبّبونه من خراب للبنان بسبب وجود قواهم» (ص. ١٠٣٩، ج٢). تقرأ ذلك وتتأكد أن الانعزاليّة ليست ظاهرة مسيحيّة لبنانيّة صرفة.
ويتأخر التمويل العراقي لـ«كليّة صدام حسين الطبيّة». يلتقي صائب القائم بالأعمال العراقي ويحذّره من أن التلكؤ «يرتدّ أيضاً على العراق وعلى سمعة صدام حسين بعواقب وخيمة» (ص. ١٩٤٠، ج٢). لكن الاجتياح الإسرائيلي للبنان يغيّر مجرى الأحداث كلّها. صائب يتصل بأبو عمّار «لإبداء شيء من العاطفة نحوهم». كعادة صائب في حديثه عن الزعماء السياسيّين اللبنانيّين وخصوصاً من السنّة، صائب وجد أن معنويّات عرفات «ضعيفة فحاولتُ تشجيعه» (ص ١٠٤٠، ج٢). يجري حديثاً مع هاني الحسن الذي يزور صائب باستمرار مع أن صائب لا يكنّ له الكثير من الودّ. صائب يقول لهاني الحسن، ومن دون مبالغة منه، «إن الحركة الوطنيّة كانت قد انهارت بعد خسارة معركة المجالس المحليّة» (صحيح أن صائب لعب دوراً مهماً في تقويض مشروع الحركة الوطنيّة، لكن اتحاد قوى الشعب العامل التابعة لكمال شاتيلا—الذي كان قد تحوّل من الصف السوري إلى الصف السعودي آنذاك—لعب دوراً كبيراً أيضاً في تعبئة الناس ضد مشروع الحركة الوطنيّة). صائب يحذّر هاني الحسن من محاولة تعويم الحركة الوطنيّة: قال له إن عرفات أخطأ في «دعم الزعران ضد المجتمع الآدمي». يتصل صائب بعرفات مرّة أخرى فيجد «معنويّاته ضعيفة». ليس هناك من يشدّ أزر المنهارين من قادة منظمة التحرير وزعماء السنّة مثل صائب. مرة أخرى يجد «معنويّاته تعبانة». هذه الحالة لعرفات لم تكن تتسرّب إلى الإعلام، وخصوصاً أن عرفات كان يحسن التهريج أمام الكاميرات ويتقن الهوبرة الفارغة أثناء احتدام المعارك من دون أن يكون هناك له أساس عسكري على الأرض. كان عرفات يهدّد ويتوعّد إسرائيل، فيما كان قائد القوات المشتركة، الحاج إسماعيل، المُعيّن منه، قد ولّى الإدبار من أول يوم المعارك. المقاومة التي جرت في الجنوب من قبل المقاومة الفلسطينيّة لم تكن منظّمة. طالب صائب بإنزال الجيش، وهذه دعوة كانت في مصلحة الاحتلال لأن إسرائيل كانت تعلم آنذاك أن قيادة الجيش متناغمة ومتطابقة في توجّهاتها مع سعد حدّاد في الجنوب. يبدي هاني الحسن بسذاجة مفرطة خشية منظمة التحرير من أن يطعنهم بشير الجميّل، أداة إسرائيل في لبنان، في الظهر.
طالب صائب بإنزال الجيش وهذه دعوة كانت في مصلحة الاحتلال لأن إسرائيل كانت تعلم آنذاك أن قيادة الجيش متناغمة ومتطابقة في توجّهاتها مع سعد حدّاد في الجنوب

ماذا كانوا يتوقّعون؟ أن يعلن بشير الجميّل المتحالف مع إسرائيل ولاءه للقضيّة الفلسطينيّة؟ الأشنع أن صائب يطمئِن الحسن لأنه كان يتواصل في الاجتماعات السريّة مع بشير عبر مبعوثه مصطفى بيضون. طلب بشير الاجتماع بصائب، كما أن الأوّل عرض على الأخير تشكيل حكومة مصغّرة. صائب لا يرفض الفكرة، لكنه وجد «أن الوقت لم يحن بعد» (ص. ١٠٤٢، ج٢). ماذا كان صائب ينتظر؟ سقوط كل بيروت الغربيّة في براثن الغزاة كي يتعاون مع رجل الموساد الأول في لبنان؟ يشير صائب إلى ضرورة الاستعانة بوليد جنبلاط ويلاحظ أن بقاء جنبلاط (قائد الحركة الوطنيّة والمقاومة اللبنانيّة) في المختارة أساء إلى سمعة جنبلاط، وأشار إلى «خذلان الدروز للمقاومة خذلاناً كاملاً» (من المُعيب الإشارة إلى خذلان الدروز فقط، بدل الإشارة إلى خذلان حزب جنبلاط، كما أن باقي الطوائف—خصوصاً الشيعة— لم تكن مناصرةً للقضيّة الفلسطينيّة آنذاك). هاني الحسن نفسه يحاول الاجتماع ببشير، لكنه «لم يتمكّن». كم أساءت قيادة المقاومة الفلسطينيّة لقضيّتها في ذلك الصيف! تستنجد بأعدائها المتحالفين مع إسرائيل لإنقاذها من ورطة هي وقعت فيها بسبب فسادها وأخطائها وغياب خطتها العسكريّة.
ينعقد التجمّع الإسلامي في منزل صائب ويحضره ياسر عرفات. يقول صائب: «كان يتكلّم بصورة غير معقولة، جنونيّة. إنني محاصر، سأضرب يميناً شمالاً جنوباً، شيوخاً أطفالاً نساءً، على جونية، على البلد، على الجميع، على الإسرائيليّين. لن نموت هكذا. لن نموت» (ص. ١٠٤٦، ج٢). هذا الرجل كان قائد الثورة الفلسطينيّة. لا غرابة أن المقاومة الفلسطينيّة—شعلة الأمل الكُبرى في العالم العربي—انتهت مهزومة ومُرحّلة في سفن عن لبنان. قائد المقاومة الفلسطينيّة يجد نفسه بلا خطّة مقاومة عسكريّة لمقاومة الغزو، فيرغي ويزبد بلا هوادة. سألتُ رجل أعمال عربيّاً كان قريباً من قيادة منظمة التحرير عن صراخ عرفات هذا، فوافق على رواية صائب وأضاف إن عرفات كان في ساعات الغضب يهدّد ويصيح ويخرج عن طوره. تذكّر رجل الأعمال ذات مرّة عندما سخر عرفات من سليم الحص، الداعم الثابت للمقاومة الفلسطينيّة في لبنان.
يظهر من خلال المذكرات كم أن بعض الصحافيّين يمتهنون النميمة والتحريض ونقل رسائل تخريب مع السياسيّين. سركيس نعّوم (الذي اعترف في كتابه «من مزيارة إلى واشنطن: حين تستفيق الذاكرة» أنه كان، ببساطة، يتقاضى مرتّبات من فؤاد مخزومي ورفيق الحريري، لكنه تأسّف لأن آل الشاغوري تجاهلوه) ينقل إلى سلام أن ناساً (من؟) في الحركة الوطنيّة لن يسامحوا صائب على تصريحاته وأنهم «سيخردقون» التجمّع الإسلامي من الداخل. (ص. ١٠٤٧، ج٢).
هناك المزيد عن فضائح السيرة السياسيّة لوليد جنبلاط وعن مواقفه في السرّ وخطبه الرنّانة في العلن. نكتشف أن جنبلاط شمتَ بالفلسطينيّين أثناء حصار بيروت، إذ يقول صائب: «أتاني من يخبرني أنه (عن جنبلاط) قال إن اليوم يوم التشفّي من الفلسطينيّين، لأنهم ضربوا والده من قبل سنة ١٩٧٧، يوم دخل السوريّون، وهم اليوم يضربونه أيضاً في ما يقومون به في الشوف» (ص. ١٠٤٧، ج٢). وينقل عن اجتماع جمع جنبلاط مع كل القادة الفلسطينيّين أنه حثَّ الفلسطينيّين: «يجب ان ينسحبوا من البلد فوراً» ونقل تخويفاً من فيليب حبيب مفاده أن «الفلسطينيّين سيُزالون». كيف كان يمكن أن تصمد قوى المقاومة الفلسطينيّة بوجود هذا الحليف اللبناني الذي انهار عند أول يوم من الاجتياح، والذي كان يحرّض ضد رفاقه في منظمة التحرير، التي كانت تمدّه بالوفير من المال والسلاح؟ طبعاً، لا يعفي هذا قادة المقاومة من المسؤولية عن أخطاء كارثيّة جعلت من الانسحاب من بيروت لا مفرَّ منه بسبب نقمة الناس ونفورهم من المقاومة. قائد القوات الإسرائيليّة العام ينقل له رسالة مع خولة أرسلان أن «عليه أن يسحب السوريّين من بيروت» (ص. ١٠٤٨، ج٢). يجيب صائب أن السوريّين باقون للتخريب، مع أن القوّات السورية التي بقيت في بيروت المُحاصرة ساهمت—الحقُّ يُقال—في الدفاع عنها. طلب صائب من السعوديّين الضغط على السوريّين لسحب قواتهم من بيروت، وتناغم في ذلك مع الرسالة الإسرائيليّة التي وصلته من خولة أرسلان.
استمرّ توافد قادة الحركة الوطنيّة المنهارون لصائب. زاره محمد قباني (ما غيره، الذي انتقل من الحركة الوطنيّة إلى صائب سلام إلى سليم الحصّ إلى رفيق الحريري، وبرشاقة شديدة) وعصام نعمان، وحتى عصام العرب الذي كان منضوياً في تنظيمه في صفوف «جبهة الرفض» في زمانها. أما إنعام رعد، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، فقد زاره في منزله وصرّح بأنه يؤيّده «في كلّ» مواقفه. رشيد كرامي وريمون إدة حذّرا من الخيانة، وكان إدة قد شبّه—والتشبيه في محلّه—شفيق الوزّان ببيار لافال. نفرَ صائب من التشبيه الذي تكرّر في بلاغات إذاعة «المرابطون»، «صوت لبنان العربي». يسخر صائب من وصف الوزّان وسركيس وفؤاد بطرس، وحتى بشير الجميّل، بالخونة. لكن هؤلاء كانوا بالفعل خونة في التاريخ اللبناني، إذ تحالفوا مع غزو إسرائيلي قتل نحو ٢٠ ألفاً من اللبنانيّين والفلسطينيّين والسوريّين. لم تصدر إدانات عن صائب لمواقف المتحالفين مع إسرائيل. وتماماً مثل بشير الجميل، صبَّ جام غضبه على المقاومة الفلسطينيّة وعلى الشيوعيّين، طبعاً، وعلى شقيقه مالك.

(يتبع)

* كاتب عربي - حسابه على تويتر
asadabukhalil@