يلمس المؤرخ في تاريخ فلسطين، منذ العصر الحجري الحديث، بعض الظواهر الحضارية الخاصة، التي تؤكّد توافد سلالات بشرية من الصحراء إلى هذه المنطقة، لا شك أنها سامية أو بالأصح جزرية. في هذا السياق، يقول توماس طمسن، إن هذا التغيّر في سوريا - فلسطين، أواخر العصر الحجري الحديث، وأوائل العصر النحاسي يجب ألّا يُعتبر غزواً كثيفاً، أو اقتلاعاً للسكان المحليين. إبّان العصر الحجري الحديث كان الخليط الإثني في فلسطين قد أصبح معقداً، ولا معلومات لدينا عن أية تطورات مهمة، خلال فترة الانتقال إلى العصر النحاسي، وأكثر من ذلك فإنّ وجود مستويات ثقافية، ومادية لدى السكان المحليين، ووجود قرى ومدن ذات حجم كبير، ونظام اجتماعي تفوق أي شيء يمكن توقعه، يجعل من الصعب أن نتصور سوريا - فلسطين عرضة لغزو قام به عدد، لا بد أن يكون صغيراً، من الفلاحين والرعاة الساميين (الجزريين) والأحرى هو أن السكان المحليين استمروا وأن التغير كان لغوياً وتدريجياً. ويضيف طمسن قائلاً: «مهما كانت هذه الهيكليات التاريخية احتمالية فإنها توحي بوضوح بأن السكان الأصليين في فلسطين لم يتغيروا كثيراً منذ العصر الحجري. وخلال فترة الألف السادس ـ الرابع قبل الميلاد أصبحت فلسطين سامية (بمفهوم لغوي)، وخلال العصر البرونزي القديم أقامت نمطاً استيطانياً واقتصادياً بقي من خصائص المنطقة حتى الحقبة الآشورية، في الأقل».
كنعانيون
أطلق مؤرّخو الشرق الأدنى القديم، على العناصر التي قطنت فلسطين ولبنان وسورية، منذ أقدم العصور تسمية كنعان وكنعانيين، كتسمية تقليدية عامة لمنطقة فلسطين والساحل الفينيقي، من دون تحديد دقيق. استناداً إلى العديد من الحقائق استنتج سباتينو موسكاتي، أن تسمية «كنعان» لا تبعث على الرضا من نواح عدة، فإنّه يبدو من تمحيص المصادر أن لفظَي كنعان والكنعانيين كانا يعنيان قبل كلّ شيء فينيقيا والفينيقيين، ولم يُستعملا إلّا في عصر متأخّر للدلالة على مدلولَين أوسع نطاقاً؛ أحدهما جغرافي، والآخر جنسي. وكان لفظا كنعان والكنعانيين يُطلقان قبل ذلك على المنطقة السورية - الفلسطينية بأسرها وعلى سكانها. ثم إنّ الكنعانية من حيث هي مجموعة لغوية ليست وحدة حقيقية، فلفظ «كنعاني» يُطلق كما لاحظ الأستاذ فريدرش عن حق، على أيّ عنصر لغوي سوري - فلسطيني لا ينتمي إلى الآرامية.
يذكر طمسن، أنَّ تعبير (كنعاني) أساء استعماله معظم العاملين في الأركيولوجيا ودراسات الشرق الأدنى القديم اليوم.. تعبير (كنعاني) كما هو مستعمَل في الأركيولوجيا التوراتية، اسم قبلي تعود أصوله إلى مرويات العهد القديم خلال مرحلة ما بعد النفي، الهادفة لمحاربة عبادة بعل. فهو القطب المضاد لإسرائيل، وفي العصر الحديدي الأول، لا يبدو مناسباً أبداً. إطلاق (كنعاني) على ثقافة الدولة المدينة في السهول والوديان الرئيسية مثيرٌ للاعتراض. هذا لأنه ليس تعسفياً في تحديداته فحسب، بل لأنه يفترض وحدة إثنية - سياسية ومادية هي ببساطة لا تتوافق مع أيّ حقيقة نعرفها، حتى خلال العصر البرونزي. وتعبير (كنعاني) ليس اسماً جغرافياً فحسب، ولا يُعرف كاسم قبلي في هذا التاريخ المبكر، بل إن إطلاقه على الأراضي المنخفضة في فلسطين كمنطقة يسود فيها نظام الدولة المدينة في العصر الحديدي الأول، مثير للسخرية.
يعود طمسن ويشير في كتاب «الجديد في تاريخ فلسطين، الفصل الثالث: من العصر الحجري إلى إسرائيل» إلى: إن كلمة (كنعاني) تقوم بوظيفتها مصطلحاً ازدائياً بالإشارة ليس إلى الإثنية أو حتى إلى شعب منطقة ما، بل إلى الطبقة التجارية في المجتمع، على نحو يتماشى كثيراً مع التمييزات الاجتماعية كما هو موجود ضمناً في الإشارة العربية إلى البدو والفلاحين والمدنيين. في الورودات الكثيرة للاسم (كنعاني) في التراثات الكتابية، فإنّ المشار إليه هم السكان الأصليون الأسطوريون لـ (أرض كنعان)، مع الإشارة إلى فلسطين. المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا المدلول معرّفاً لذاته ذو دلالة إثنية هي في نصّ فينيقي متأخر، من دون الإشارة إلى فلسطين إطلاقاً.
تعبير «فلسطين» يشير مبدئياً إلى حقيقة جغرافية، وفي القصص التوراتية يكتسب سمة إثنية محدودة خيالية


ويكفي أن نذكر أن اليونانيين تحدثوا عن الفينيقيين، ولم يذكروا الكنعانيين، بدءاً من هوميروس إلى هيرودوتس. ومن المسائل الواجب أخذها بعين الاعتبار أن سكان الساحل السوري لم يطلقوا على أنفسهم اسم كنعانيين، بل كانوا يعرفون أنفسهم بأهل صيدا، وأهل صور، وأهل جبيل.. إلخ. وتمتدّ حركات (الفينيقيين) من الناحية الزمنية إلى مراحل ما قبل التاريخ، حيث كان موطنهم الأصلي في جنوب الجزيرة العربية.
يسجّل المؤرخ هيرودوتس (484 - 425 ق. م)، التأكيد على موطن الفينيقيين بقوله: «والفينيقيون كانوا يسكنون سابقاً سواحل بحر إريتريا (البحر الأحمر) كما يقولون هم أنفسهم. إذ قدموا من هناك إلى سواحل سورية فقطنوها. والقسم من سورية مع كل البلاد التي تمتد إلى تخوم مصر يسمى فلسطين».

أموريون ــ عموريون
يذهب بعض المؤرّخين الجدد إلى اعتبار أن تحركات الأموريين (العموريين) لم تكن إلّا نتيجة من نتائج التبدّلات المناخية الشاملة ــ فالأموريون ليسوا جماعات غريبة وفدت إلى بلاد الشام من هجرات الجزيرة العربية، بل هم أهل المناطق التي نكبها الجفاف فهجروا أراضيهم الزراعية وتحولوا إلى حياة الرعي والتنقل، وخصوصاً في فلسطين وسورية الجنوبية التي تلقت أقوى ضربات الكارثة المناخية، ومن هؤلاء شرائح معدمة ارتحلت باتجاه الدلتا المصرية أو باتجاه الفرات.
يؤكد طمسن أنه، حتى منتصف السبعينيات كانت البحوث الكتابية والأثرية تفهم الانتقال ما بين العهدين البرونزي المبكر والبرونزي الوسيط بلغة النظرية القديمة لهجرة البدو الرّحل الساميين من شبة الجزيرة العربية. وقد ربط كثيرون تلك النظرية بالنصوص المسمارية والمصرية التي كانت تشير إلى «عمّورو» و«عمو». وخلق المؤرخون تاريخاً للهجرات والغزوات العمورية التي اجتاحت الهلال الخصيب من الخليج إلى الدلتا المصرية. كان يُعتقد أن هذه القبائل البدوية قد دمّرت ثقافات العهد البرونزي المبكر لبلاد ما بين النهرين وفلسطين، وأنها خلقت العهد الوسيط الأول لمصر، وبعد عده قرون، أدت إلى نشوء الهيمنة العمورية بين دول ما بين النهرين في سورية وفلسطين. ربطت الآثاريات الكتابية تلك (الحركة العمورية) بحكايات الآباء الكتابيين، وخصوصاً بقصتي إبراهيم ويعقوب، فهي تقرأ من خلال القصص تاريخاً لحركات الشعوب.
بفعلها هذا، خلقت البحوث الكتابية تاريخاً مزدوجاً لأصول إسرائيل القديمة: واحد بصفتهم (شعب إسرائيل) بدو رحّل من شمال بلاد ما بين النهرين في أوائل الألف الثاني، وآخر بصفتهم رعاة أشباه بدو في نهاية العصر البرونزي، حوالى (1200 ق.م). ذلك (التاريخ) يعتمد على قصص كتابية منتقاة بعناية بسبب ترابطها المنطقي. فإبراهيم انتقل من أور في جنوب بلاد ما بين النهرين إلى حران في الشمال. من هناك دخل (كنعان) مع عائلته. ومع ذلك نزل يعقوب وعائلته إلى مصر في وقت لاحق، ثم عاد إلى فلسطين تحت اسم يشوع. وكان يُعتقد أن تلك الرواية تعكس غزواً ثانياً لفلسطين قام به الإسرائيليون، الذين اشتركوا في هجرة (آرامية) أوسع خلقت شعوباً عبر الأردن. لم تكن تلك حقّاً فرضية تاريخية ولا إعادة بناء تاريخية على أساس من الجدل، فلقد كانت إقحاماً للتناغم والتماهي بين قصص كتابية منتقاة ومعطيات آثارية.
لقد ثبت ــ علمياً ــ أن الهجرة الغربية المفترضة لمجموعات ما بين النهرين نحو كنعان، والتي سُمّيت بالهجرة العمورية، والتي وضع أولبرايت ـ ضمنها ـ هجرة إبراهيم وعائلته إلى أرض كنعان، لم تعد كونها فكرة خاطئة ووهمية؛ إذ فنّد علماء الآثار ــ بشكل كامل ــ الزّعم بأن ثمة حركة انتقال سُكاني جماعي ومفاجئ حدثت في مثل ذلك الوقت.

الفلسطينيون
يشير طمسن، إلى أن كلمة فلسطين لا تُستعمل لوصف مهاجرين من بحر إيجه وكيليكا، كما أنها لا تُستعمل لوصف العناصر المشاغبة في الإمبراطورية المصرية الأخيرة، فقد استُعملت في وقت متأخّر جداً اسماً لشعب السهل الساحلي الجنوبي ولجماعة تنتسب إلى سكان الدول المدينية في فلستيا. أما سكان السهول الساحلية الفلسطينية فكانوا من أصول مختلفة معظمهم من الساميين الغربيين الأهليين في فلسطين، من حيث ثقافتهم المادية ولغتهم وديانتهم. وتعبير (فلسطين) يشير مبدئياً إلى حقيقة جغرافية، وفي القصص التوراتية يكتسب سمة إثنية محدودة خيالية، كمناهض رئيس لظهور شعب إسرائيل، كما في قصص القضاة وصموئيل 1ـ 2. الفلسطينيون لم يوجدوا بوصفهم شعباً إلّا في المنظور العرقي التوراتي اللاحق، وإشارات النصوص الآشورية إلى (بي ـ ليس ـ تي) مثل الإشارات إلى ( آ ـ يو ـ دي) جغرافية تناقض الإشارات الإثنية.
والكلام ما زال لنفس العالم: والقول بأن الفلسطينيين يمثّلون شعباً غريباً متطفلاً على فلسطين، يجب إنكاره. التأثير الوارد من بحر إيجه جزئي، وعلى أساس البينات المعروفة كان هذا التأثير هامشياً وسطحياً في اللغة والديانة والأشياء المادية حتى في أقدم أشكال الفخار المدعوة فلسطينية. كانت ثقافة المنطقة الساحلية وطنية تماماً ويمكن القول بأنها متأثّرة بحضارة بحر إيجه ولكنها سامية تماماً وذات طابع حضاري فلسطيني.
والحقيقة أن المخلّفات الحضارية الفلسطينية في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد وضمن ذلك الساحل الفلسطيني، تُعتبر استمراراً لحضارة العصر البرونزي الأخير. ومن أهم المكتشفات التي تُنسب عادة إلى الفلسطينيين فخار ملون بأشكال هندسية وطيور، وتظهر أيضاً أشكال حلزونية ومجموعات من أنصاف دوائر متشابكة، أمّا أشكال الأواني نفسها فمشابهة للأواني التي عُثر عليها في جزيرتَي رودس وقبرص، ولكنها غير مطابقة لها، ومن الصعب اعتبارها مستوردة، بل على العكس فإن طينة الفخار محلية وصانعوها محليون أيضاً رغم تأثرهم بصناعة الفخار المعروفة في الجزر الإيجية.
وظهرت التأثيرات الكنعانية [الفينيقية] المحلية على مخلّفات الفلسطينيين من خلال أسماء آلهتهم أمثال داجون وعشتروت، كما أن العمارة من مبانٍ عامة ومنازل مستمدّة من التقليد المعماري للعصرَين البرونزيين الوسيط والأخير، والحياة الدينية عند سكان الساحل الفلسطيني كنعانية [فينيقية] الأصل، وكذلك المباني الدينية وأهمها: سلسة المعابد المتعاقبة في تل القصيلة التي أنشئت على غرار المعابد الكنعانية/ الفينيقية مع ما يظهر عليها من تأثيرات مصرية وإيجية.
وبذلك يصعب على الباحث التفريق بين ما يُمكن نسبته إلى المجموعات البشرية التي سكنت فلسطين في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد، فوجود هذا الصنف من الفخار أو ذاك في منطقة معيّنة لا يدلّ بالضرورة على سكان هذه المنطقة من مجموعة إثنية مختلفة، ولكنها غالباً ما تعني أن هذه المنطقة وقعت تحت تأثيرات خارجية.
ومن الجدير ذكره أيضاً أنّ الكثير من المدن قد استُعمرت يوماً بواسطة الفينيقيين ضمن «الهجرات العربية» القديمة ما قبل التاريخ التي «امتدت إلى أفريقية الشمالية والبلقان وإيطاليا وإسبانيا، وعُرفت بأسماء موجات أقوام البحر المتوسط»، كما صرّحت به المراجع الأثرية الحديثة. فقد نزل الفينيقيون في جزيرة كريت وجزر الاسبوارد والكيكلاد [وهي جزر الأرخبيل] على قول توسيديد. ويقدّم ف. لينورماند (F. Lenormand) في مؤلّفه المسمّى «أسطورة قدموس والمنشآت الفينيقية في بلاد اليونان» الإيضاحات التالية: «... انطلاقاً من كريت بعد ذلك للوصول إلى مناطق نفوذهم ومراكزهم التجارية كان أبناء كنعان [الفينيقيون] يتوغلون في بحر إيجة وعلى السواحل اليونانية...».
ومن المحتمل جداً أن بعضهم [الفينيقيين] بعد أن اتصلوا طويلاً بالقبائل اليونانية رجعوا ثانياً شرقاً إلى موطنهم الأصلي فلسطين، فبغضّ النظر عن أسماء بلدانهم، فإنّنا نرى عدداً من أسماء أشخاصهم سامية/ جزرية، ومنهم أبيمالك، دليلة، عبيد أيدوم ـ وربما أيضاً أشبي، صاف، جوليات، رفح.

الفلسطينيون هم مزيج عرقي له نواة قوية عريقة في القدم


ويظهر أن ديانتهم تطبّق الأساليب السامية نفسها في تقديس معبودَين اثنين ذكر وأنثى، فلداجون آلهة من الأسماك بجانبيه، والأسماء داجون وبلعزبوب آلهة كنعانية [فينيقية] أصلاً، ولا ينفي هذا كون الفلسطينيين لا يمارسون عمليات الختان، فربما أبطلوا إجراءها عندما هاجروا إلى كريت.
يؤكّد الباحث الأثري الفرنسي هيلير دو بارانتون (Hilaire de Baranton) في كتابه «الايتروسكيون في غربنا وفي أصولنا الفرنسية» (Les Etrusques en Notre Occident et nos Origines Francaises) ما انتهينا إليه، قائلاً: إنَّ «الإيتروسكيين» هم فرع من الفينيقيين السوريين، وإن «الفلسطينيين» هو أحد أسمائهم، وأن معنى «الإيتروسك» في اللغة المصرية القديمة هو «بحارة النيل»، وأن معنى «الفلسطينيين» هو الجنود المحاربون. وزاد الباحث على ذلك فقال عن هؤلاء الفينيقيين السوريين إنهم يحملون أسماء كثيرة مختلفة، وذلك تبعاً لمهنهم أو لعقائدهم، ثم أخذ يعدّد هذه الأسماء ومنها «الفلسطينيون» عملاً بمهنتهم الحربية.
وفي عام 1980، كتب الباحث مايكل غرانت (M. Grant) كتاباً عن الإيتروسكيين وكانوا عنده، في خلاصة القول، ينحدرون من أصل كنعاني [فينيقي].
لذلك ولكلّ ما مر ّبنا، فإنّي مضطر للاستنتاج بأنّ «الأصول الأجنبية لفلسطينيي الحقبة الآشورية وأصولهم المزعومة من (كفتور) مجرّد خيال خلقته الروايات التوراتية قريناً لأصول يهوذا نفسها، فيهوذا والفلسطينيون كلاهما كيانات ثقافية أهلية في فلسطين، وناتجة عن حضارة العصر البرونزي وسكانه، الذين كانوا خلال العصر الحديدي الثاني، متمايزين في مجموعات شبه إثنية، على شكل دويلات تحت حكم إمبراطورية خارجية».
ولكن ماذا عن عمل الأبحاث الجينية؟
ـ في عام 2001، درس الملف الجيني للفلسطينيين، وذلك بواسطة التقلب الجيني (Gene Variability) لمولد مضادات كريات الدم البيضاء البشرية (HLA). وقد أُجري البحث باستخدام عينات من 165 فلسطينياً من قطاع غزة غير مرتبطين مع بعضهم أو أقارب. وقد نُشرت نتيجة البحث كاملة في «مجلة المناعة البشرية ـ التابعة للجمعية الأميركية للتوافق النسيجي والجينات المناعية». وقد جاء في نتائج البحث، «إنه لمن الثابت أن المسافة الجينية بين الفلسطينيين واليونانيين بعيدة، ويؤكد ذلك اختلاف الخلفية الجينية لليونانيين والذين انسابت لهم جينات كثيرة من جنوب صحراء إفريقيا». وأن «الفلسطينيين قريبون للمصريين، اللبنانيين». ويؤكد البحث بـ«أن الخلفية الجينية لـ HLA الفلسطيني تأتي من الشرق الأوسط».
ـ في دراسة جينية للعالمتَين أنا تيريزا فيرنانديز وريتا غونكالف في عام 2011، استخدمت عينات من ١٦٣ فرداً لا علاقة لهم بجدة الأب الأكبر: ٤٤ مسيحياً فلسطينياً و١١٩ مسلماً فلسطينياً، أثبتت النتائج أن السلالة التي ينتمي لها الفلسطينيون، مسيحيين ومسلميين، هي (E1B1B)، أي هي نفس السلالة التي يحملها الإنسان الناطوفي الذي وجد منذ 12000 سنة ق.م. وأيضاً السلالة (J1) التي لا يقل عمرها عن 10 آلاف سنة، ونشأت هذه السلالة في جنوب الهلال الخصيب وهو جنوب العراق، وقد حصلت هجرتان قويتان الأولى حصلت قبل عشرة آلاف سنة واتجهت شمال الهلال الخصيب وجنوباً إلى جنوب الجزيرة العربية، ومن ثم أصبحت الجزيرة العربية بعد ذلك بآلاف السنين من المراكز المصدّرة للعرقية (J1).
ـ في عام 2017، صدر بحث جديد، شارك في إنجازه 16 باحثاً جينياً، شمل هذا البحث فحص جينات 5 رفات فينيقية تمّ اكتشافها مؤخراً في المدينة الأثرية القديمة وسط مدينة صيدا اللبنانية، ثم مقارنتها مع جينات السكان المعاصرين فتمّ فحص جينات 99 شخصاً من عائلات حضرية من نفس المدينة (صيدا) وبعض البدو من لبنان والأردن.
وخلص البحث إلى أن أصحاب هذه الرفات الـ 5 عاشوا في الفترة ما بين 3650 و3750 سنة و«أنها تنتمي لأفراد يحملون جينات سلالتين شقيقتَين J1 وj2» كما أشارت الدراسة إلى «وجود قرابة جينية بين جينات الرفات الفينيقية والشعوب المجاورة في الشام». كما ذكرت الدراسة أن «جينات الرفات الفينيقية المكتشفة في مدينة صيدا الفينيقية قريبة جداً من جينات لجثث وُجدت سابقاً في كهف بمنطقة عين غزال في الأردن».
وأكدت الدراسة أن معظم فروع القبائل العربية في دول المشرق (اليمن، العراق، الكويت، قطر، السعودية... إلخ) تنتمي إلى تحورات كثيرة جداً من السلالة J1.
 ــ في 4 يوليو/ تموز 2019، نشرت مجلة الرابطة الأميركية للعلوم المتقدّمة، دراسة جينية حول رفات مقبرة عسقلان التي تعود إلى (1200 ــ 800 ق.م). وجاء في النتائج أن 10 رفات فقط من أصل 108 استخلص منها فريق البحث الحمض النووي. وقسمت الدراسة المكونات الجينية كالآتي:
• المكون الأوروبي
• المكون المحلي
• المكون الإيراني
وكانت النتائج، أن «المكوّن الأوروبي لم يظهر إلا بنسبة صغيرة جداً في المجموعات السكانية من العصر البرونزي وأنه فقد سريعاً بعد بضعة قرون فقط». وأكدت الدراسة أن جينات مقبرة عسقلان تشبه جينيات السكان القدامى في فلسطين.
إذاً، في الخلاصة، يمكن القول إن الفلسطينيين هم مزيج عرقي له نواة قوية عريقة في القدم.

* كاتب وباحث فلسطيني