احتكار المعرفة
بتنا، في الآونة الأخيرة، نرى الكثير من العمل الفردي الطاغي على العمل الجماعي في لبنان. هذا الفكر الذي يحاول احتكار المعرفة المطلقة، هو أساساً فكر عميق، ذو مخزون ثقافي واسع. لكن، يتبين، للاسف انه يدمّر كل فكر من حوله في حال حاول تقديم كل هو جديد او حاول طرح اي تغيير ممكن. وفي حين يفترض المنطق ان يقوم اصحاب التجربة الطويلة بإغناء تجربة الجديد «المُغيِّر»، نرى اللامنطق السائد، المتمثّل بمحاربة كل محاولة لأي عمل منظم، علما انهم من مخربيه «ان حصل».
سأقتصر في الحديث عن علاقة الفرد بالمجموعة (والمقصود الاطار المنظم، حزبا أو تيارا سياسيا)، في ما يخص معايشتي لبعض الظواهر حول علاقة الحزب الشيوعي ببعض هذه النماذج. وتنبغي الاشارة الى أنني لا أدّعي الإلمام بالمعرفة الشاملة بهذه العلاقة، إنما أذكر بعض الملاحظات من خلال متابعتي لسلوكيات بعض الافراد وعلاقتهم بالمجموعات.
من الطبيعي أن يجذب الفكر الماركسي خلال مرحلة النهوض فئات اجتماعية مختلفة ومنها المتنورون، وما يطلق عليهم المثقفون بالمعنى الواسع لمفهوم الثقافة. وقد ساهم العديد منهم في إغناء التجربة من خلال المساهمات الفكرية والأدبية والاقتصادية وأيضاً في صوغ رؤى سياسية تهدف إلى التقدم الاجتماعي وإرساء نظام العدالة الاجتماعية ودولة القانون. إلا ان علاقة بعض هؤلاء بالإطار المنظّم كانت باستمرار ملتبسة لأسباب عدة، أهمها اعتبار هؤلاء لأنفسهم بأنهم مميزون بعلمهم أو ثقافتهم وان الإطار (الحزب أو التيار أو التنظيم) في حاجة إليهم أكثر من حاجتهم إليه. لكن الواقع دل ويدل على أن هؤلاء يريدون ان تكون الجماعة في خدمتهم في حال خاضوا معارك انتخابية من دون أن «يتلوثوا» بانتمائهم إلى هذا التنظيم. كما أنهم لا يتردّدون بالجري نحو منصب رسمي، نيابي أو وزاري أو غيره، عندما يلوح لهم أحدهم بذلك. ولكي يصبحوا ضحايا / ابطالا، يمكن أن يختلفوا مع المرجعية الجديدة وينسحبوا من مواقعهم.
كل هذا قد يكون من طبيعة البشر الطامحين إلى تبوؤ مراتب اجتماعية معينة، علماً ان هذا حق غير قابل للنقاش. لكن الفساد يقع في تغليف الطموح / الطمع بالمراتب والمراكز، بشعارات الثورة والانتفاض على الأوضاع القائمة. هذا النوع ممن يدّعون الثقافة المطلقة ساهموا ويساهمون في إبعاد العديد من المثقفين الآخرين عن فكرة الجماعة او الإنتظام في حزب معيّن. كذلك الأمر بالنسبة للذين يعملون في مجال الأبحاث، ويحاولون الإيحاء بأنهم ملمّون بكافة الأمور الاقتصادية والاجتماعية، ويصلون الى استنتاجات كارثية.
هذا العمل الشخصي البعيد عن العمل المؤسساتي والجماعي، أدى ويؤدي بهؤلاء إلى الإساءة في كثير من الأحيان لحركات ونضالات، والى الاصطدام بآراء أجيال جديدة، كانت تتعاطى في ما بينها وتتفاعل أكثر من نظريات هؤلاء. ولكن... أي دور لهؤلاء سيبقى ان استمروا في إقصاء آراء الأجيال الجديدة، وابتعدوا عن كل ما يشكل لهم صداماً، وهو كثير. أي دور سيبقى في ظل التفرد بالرأي، ومحاولة فرضه على اي مجموعة، حزب، تيار؟
المهندس غسان ناصر

■ ■ ■



هستيريا الإمبريالية


قال رئيس شعبة الاستخبارات الصهيونية هوشي هيليفي، إن هزيمة تنظيم «داعش» في سوريا ستجلب المآسي إلى إسرائيل، في حال بقاء حزب الله قوياً. من هنا فرضت هستيريا الإمبريالية عقوبات اقتصادية على مؤسسات حزب الله، كما سبق أن نجحت في حجب رؤية شاشته على العربسات والنيل سات. لذا، فإن من يأبى مبدأ مقاومة إسرائيل، ولا يطالب مناصروه بأن تضم المقاومة كل أطياف الشعب اللبناني، في ظل إدلاء بعض المسؤولين السعوديين منذ أيام بتصاريح تدعو إلى توقيع كافة الأقطار العربية لاتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني، يثبت أنه ماضٍ في تنفيذ مندرجات أجندة سبق أن وافق على دفاتر شروطها بالتزامن مع تصريح يائير غولان، نائب قائد أركان الجيش الصهيوني، الذي قال مبتهجاً في أواخر آذار الفائت: إن استمرار الفوضى في لبنان يناسبنا. ولا شك في أن الكيان الصهيوني مرتاح لعدم التوصل إلى انتخاب رئيس جمهورية في لبنان يحمي المقاومة وسلاحها، ويكون المتصدي لأيّ محاولة مسّ بدستور الجمهورية الثانية. إن فشل الإمبريالية الذريع بإسقاط نظام الرئيس الأسد، وإنجاب نظام مأجور لواشنطن، تبنيه على انقاضه، جعلها تصاب بالهستيريا الحادة. أما المشروع البديل لفشل المشروع الأول، والمتمثل بمحاولة واشنطن وتل أبيب كنتنة سوريا تمهيداً لكنتنة لبنان في ما بعد، فخذلته إرادة الشعب العربي السوري الذي كان وما زال صمام الأمان لحماة دياره، في وقت تبقى فيه مقولة بوش الابن لضباطه: «ذهبنا إلى الخليج لجلب النفط إلى شيوخ الكونغرس» حية ترزق.
لقد أنجبت أميركا النازية والإخوان المسلمين لمحاربة المدّ الشيوعي، خوفاً من منافسة لها على السيطرة على الذهب الأسود والغاز، كما حاربت المدّ الناصري العربي العلماني المدعوم سوفياتياً والداعي إلى وحدة عربية سياسية مقاومة لمشاريع الإمبريالية بواسطة الإخوان أيضاً. أي سلام تريده أميركا، وفي العام 1994 قال وارن كريستوفر للرئيس الأسد إن رابين يعتزم إعادة الجولان إلى سوريا، شرط انسحاب الجيش السوري 100 كلم إلى ما وراء الجولان وبقاء المستوطنين اليهود في الجولان، وإرسال اليهود السوريين إلى فلسطين المحتلة للسكن فيها نهائياً. هذا ما قالته الوزيرة بثينة شعبان في كتابها «عشرة أعوام مع حافظ الأسد». أما القبول الأميركي بالدخول السوري العسكري إلى لبنان، فقد حصل من أجل جعل إسرائيل تجتاح لبنان لضرب القوة العسكرية للجيش السوري وللمقاومة الفلسطينية في الداخل اللبناني، كما يقول كيسنجر في مذكراته، وعاد في العام 2006 ليقول: لقد فشل مشروعنا، وإن أكثر رجل قهرني وأذلني في حياتي اسمه حافظ الأسد، لأنه أسقط اتفاقية 17 أيار ومنع التقسيم في لبنان.
وبالمناسبة، فإن من خلق التكفير داخل الإسلام، والتكفير لا يمتّ بصلة إلى دين أذكى الأنبياء، هي مقولة ويلسون الداعشية، إن القيادة المعنوية للعالم قد أُعطيت لأميركا.
ريمون ميشال هنود