إيلي شلهوب
انشغل العالم على مدى الأسابيع الماضية بالعدوان على لبنان. غابت أزمات أرّقت عواصم القرار في الغرب سنين، بل عقوداً. مجازر ارتكبت في فلسطين، لم يتنبه لها أحد. ودماء سفكت في العراق من دون أن تثير انتباهاً يذكر.
ملفات ثلاثة يجمعها قاسم مشترك واحد: الاحتلال، سواء رفع علماً أميركياً أو إسرائيلياً. عنوان جامع دفع فصائل المقاومة في فلسطين إلى إسقاط محاولة إعادة الهدنة، التي لم تحترمها إسرائيل يوماً، فأطلقت عملية عسكرية نصرة لنظيرتها اللبنانية.

لم يكن ذلك مستغرباً، فالفسطينيون هم الأكثر إدراكا لوحشية القوات الإسرائيلية ودباباتها. عانوا منها لعقود، ولطالما سالت دماؤهم تحت مجنزراتها. ما كانوا بحاجة لصور تعرضها شاشات التلفزة، ولا لسماع أنباء المجازر التي ارتكبت في جنوب لبنان وشماله وبقاعه، لكي تنهمر الدموع من عيونهم أو ليرفعوا السلاح دعماً للمقاومة الإسلامية في لبنان. فنساؤهم ما زلن متشحات بالسواد، الذي لم يفارقهن يوماً، وأراضيهم لا تزال محتلة. ولا بصيص أمل يبشّر بقرب التحرير.
مشكلتهم أنهم عاجزون عن الحركة. يعيشون محاصرين، لا منفذ لهم، برّاً وبحراً وجوّاً، إلا يربطهم إما بالاحتلال أو بدولة أكّدت مواقفها الأخيرة قربها منه. هم من يحتاج إلى الدعم كله. ومع ذلك، لم يوفّروا طريقة إلا حاولوا استخدامها دعماً لمقاومة لبنان ولشعبه.
في المقابل، هناك الساحة العراقية، التي يرتع فيها عشرات الآلاف من جنود الاحتلال الأميركي. احتلال لا يمكن تمييزه، لا في السياسية ولا في العسكر، عن الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولبنان. احتلال واحد. ولا حاجة لإقامة الدليل على ما بات من البديهيات.
ساحة، قدرة الحركة فيها أوسع، والمناورة فيها أشدّ تأثيراً، سياسية كانت أم عسكرية. حدودها مفتوحة في الاتجاهات كلها. الأسلحة متوافرة بكثرة. العناصر المقاتلة بمئات الآلاف. التيارات السياسية المناهضة للاحتلال متعددة ومتجذرة في المجتمع العراقي، وإن كان بعضها آثر المشاركة في العملية السياسية، وتخلى (ولو موقتاً!) عن المقاومة المسلحة.
ساحة خرج فيها الآلاف دعماً للبنان ومقاومته. خرجوا تدفعهم إلى ذلك مشاعر نبيلة وموقف سياسي أكثر نبلاً. ومع ذلك، لم يكن هذا كافياً. كان يتوقع من هذه الساحة أكثر من ذلك بكثير، لأنها كانت قادرة على أن تفعل أكثر، هي الخاضعة للاحتلال. أقله التشبّه برئيس فنزويلا هوغو تشافيز، الذي سحب سفيره من إسرائيل احتجاجاً على العدوان على لبنان. كان يجدر بتيارات «المقاومة» أن تسحب سفراءها لدى حكومة نوري المالكي. رسالة كانت ستجد صدى أكثر دوياً في واشنطن، وربما كانت كفيلة بإقناع إدارة جورج بوش بوقف دعمها للمجازر في لبنان.