أعتقد بأن غالبية العراقيين لم ينسوا التهديد الذي أطلقه جيمس بيكر، منتصف الشهر الأول من عام 1991، عندما التقى طارق عزيز في جنيف، وقال جملته الشهيرة، وتوعّد حينها بأن الولايات المتحدة ستعيد العراق الى العصر الحجري، وما إن سمع العراقيون بزيارة بيكر الى بغداد حتى تذكروا ذلك التهديد، ويختصر الكثيرون أهداف هذه الزيارة المثيرة للاهتمام بقولهم إن جيمس بيكر إنما جاء الى العراق ليتأكد بنفسه من الذي تحقق من تهديده الشهير الذي أطلقه قبل عدة أيام من شن الحرب على العراق في السادس عشر من كانون الثاني عام 1991، ومنذ اللحظة الأولى بدأت الصواريخ ببرنامج التدمير الواسع والشامل للبنية التحتية في العراق، إضافة الى قتل العراقيين.
هذه الزيارة جاءت بعد أكثر من عقد ونصف عقد من ذلك التهديد، وصحيح أن بيكر يشاهد النتائج الهائلة والخطيرة
![](/sites/default/files/old/images/p15_20060904_pic1.jpg)
من هنا أعتقد بأن وجهتي نظر العراقيين صحيحة فهو أراد أن يتأكد من حجم ما تحقق من تهديده ووجد أن الكثير من الخراب والدمار قد تحقق، وأراد أن يخرج بصورة دقيقة عما تحقق سلباً على نطاق واسع من تجربتهم البائسة والفاشلة في العراق، وبالتأكيد سيخرج بقناعة ورؤية يؤكدان أن الخراب والدمار اللذين لحقا بسمعة أميركا، التي هزمت خصمها العنيد الاتحاد السوفيتي السابق،أديا إلى هزيمتها في العراق، وهذا يعني هزيمتها أمام العالم أجمع وفقدانها لكل البريق الذي تجمع فوق هيلمانها مدى أكثر من نصف قرن، ابتداءً من خمسينيات القرن الماضي. ويلمس كل ذلك وهو في بغداد التي أرادوها المسرح الأول والانطلاقة الأهم في مشروعهم الكوني، فإذا ببيكر يزور بغداد خلسة مثل اللصوص، ولا يتمكن من التجول فيها، ويسجنه رجالها المقاتلون في جحور المنطقة الخضراء المحصنة جداً.
أعتقد بأن بيكر سيخرج بقناعة ثابتة تقول إن التهديد القديم، انقلب على امبراطوريتهم، وها هي صورته تهتز بل تتضعضع، وقادتها يتخبّطون، ويبحثون عن أي حل يحفظ لهم ما تبقى من ماء الوجه، ويستجدون العراقيين لمساعدتهم في الوصول الى الحل، أما العراق فلن يعود الى العصور التي أراد الأميركيون إعادته إليها، وسيعود الى أفضل حال، أما أميركا فلن تعود الى الصورة التي وصلت إليها قبل ارتكاب قادتها الخطأ الأكبر باحتلالها العراق.
* كاتب عراقي ــ مؤلف كتاب جدار بغداد