من الاحتضان والتضامن الإنسانيَّين إلى المسألة الأمنية والمضايقاتسليمان الشيخ
ما هو الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وكيف تعايشوا وتكيّفوا مع القوانين والإجراءات التي تعاملت معهم بصفتهم أجانب، يجب أن تطبق بحقّهم القوانين نفسها التي تطبَّق على الأجانب؟ يجيب كتاب «الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان وسبل التعايش معه» الصادر حديثاً باللغتين العربية والإنكليزية في كتاب واحد، من إعداد الباحثين سهيل الناطور ودلال ياسين، عن هذا السؤال، وأسئلة أخرى، تتعلق باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وخصوصاً أنهم تحوّلوا مع غيرهم من لاجئين فلسطينيين في بلدان عديدة، إلى مادّة لسجال عالمي يتعلّق بوضعهم الحالي، ومآل مستقبلهم، بعدما استجاب الرئيس الأميركي جورج بوش للمطالبات الإسرائيلية، ونادى بالتعويض عليهم وترتيب إقامتهم حيث هم، وذلك كحلّ نهائي لمشكلتهم. علماً أن ذلك يتنافى مع قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، حمل الرقم 194، نصّ على حق عودتهم إلى بلادهم وأملاكهم، وتعويضهم عمّا أصابهم من أضرار جراء نكبتهم وتشريدهم.
لا معايير موحَّدة في تعامل البلدان العربية مع اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبتهم عام 1948 واحتلال بلادهم من جانب الصهاينة، حتى الآن. حسب ما جاء في الكتاب، فالأردن على سبيل المثال، منحهم جنسيته بعد انضمام الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية وإقامة المملكة الأردنية الهاشمية في أوائل خمسينات القرن الماضي. كما أن سوريا منحتهم معظم حقوق المواطنة باستثناء الجنسية. فيما تعامل لبنان الرسمي مع اللاجئين الفلسطينيين لديه باحتضان وتضامن إنساني واجتماعي في الأيام الأولى للنكبة، إلا أنّ ذلك أخذ يتغيّر مع الزمن، وأصبح التعامل الرسمي ينظر إليهم كمسألة أمنية.
تفاوت المركز القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان؛ فتارة تُفرض عليهم قيود، ويعدّون أجانب لا دولة لهم، وتارة أخرى تخفَّف بعض القيود القانونية أو تطبيقاتها. مع ذلك، فإنّ وضعهم القانوني بقي من دون أي إطار واضح وملزم لتوفير الحماية لهم.
الوضع الفلسطيني في لبنان لم يحمل طابعاً موحداً في التعاطي الرسمي وفي الاعتبارات القانونية. وأشار الباحثان إلى أن هذا الوضع يمكن إدراجه ضمن ثلاث مراحل: الأولى: من عام 1948 حتى عام 1969، وشهدت اتجاهين في العلاقات اللبنانية الرسمية مع اللاجئين: الأول احتضان وتضامن إنساني واجتماعي. وفي مرحلة تالية اعتبار لبنان الرسمي أن اللاجئين مسألة أمنية أساساً وعبئاً عليه، لتبدأ بعدها المضايقات الأمنية بما أثّر سلباً على قضايا الحياة اليومية للاجئين.
المرحلة الثانية: شملت الفترة من 1969 حتى عام 1982 واتسمت بصعود دور منظمات المقاومة الفلسطينية، وعقد أول اتفاق رسمي بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية في القاهرة، الذي نظم علاقات لبنان بالفلسطينيين. لكن الإخفاق في تطبيقه أدّى إلى اندلاع صراعات عسكرية وسياسية اختتمت بالاحتلال الإسرائيلي لنحو نصف الأراضي اللبنانية، وحصار العاصمة وخروج مقاتلي ومؤسّسات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت وتواري دورها المرجعي.
المرحلة الثالثة: وكانت الأصعب، إذ وقعت فيها مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، ثم إلغاء اتفاق القاهرة الذي لم يستبدل بناظم للعلاقات، وعادت الدولة اللبنانية في بداية المرحلة إلى الاضطهاد الشديد للفلسطينيين، ومن جهة ثانية، تحكّم الاحتلال الإسرائيلي في مناطق الجنوب اللبناني ومخيماته، ما أوقع مآسي لا تُحصى، وغابت حقوق اللاجئين الفلسطينيين الذين تُركوا من دون حماية قانونية أو عملية.
وفي ثنايا الكتاب، جرى التطرّق إلى حالات وفئات اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، وكل فئة لها خصوصية في التعامل القانوني والإداري. وحسب النص فإن «التعامل القانوني اللبناني ميّز بين الفئات من اللاجئين القادمة عبر موجات هجرة الفلسطينيين الثلاث: 1948 و1956 وما بعد عام 1970، فقرّر قانونياً وجود ثلاث فئات في لبنان، وقد أظهر التطبيق الإداري والعملي، أنّ الفئة الأولى والثانية شَرَّعَت إقامتها ووجودها قانونياً الدولة اللبنانية؛ عبر نصوص قانونية صدرت عن جهات مختصّة أقرّت بشرعية إقامتها، فيما حُرمت الفئة الثالثة ذلك.
وبسبب حالة الفلسطينيين في لبنان، هُجّر جزء واسع منهم إلى الخارج، بحثاً عن حلول لمشاكلهم التي عانوها في لبنان، فانكمش وقلّ العدد الديموغرافي الموجود باستمرار على الأراضي اللبنانية إلى رقم يراوح بين 175 و225 ألف نسمة، بدلاً من الرقم المتعارف عليه البالغ 400 ألف ونيّف لاجئ.
وممّا يجدر ذكره أن قوانين وإجراءات كثيرة، أصدرتها السلطات اللبنانية، لا تتيح للفلسطينيّين ممارسة حقوقهم حسب النصوص القانونية لشرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وحسب بروتوكولات جامعة الدول العربية التي وقّعتها السلطات اللبنانية منذ عام 1965. ومن بينها: حق الاعتراف بالمركز القانوني للاجئين، الحق بالاعتراف بمرجعية رسمية تمثّل الفلسطينيين في لبنان، الحق في العفو العام وحرية التنقّل والسكن، والملكية العقارية وتأليف الجمعيات، وحرية الإعلام والنشر والحق في العمل والضمان الاجتماعي، والحق في التعليم والتربية والصحة وغير ذلك.
ولأن الفلسطيني يواجه عقبات كثيرة، لتحصيل ما يمكّنه من البقاء على قيد الحياة، عليه أن يتعايش مع وضعيّته، أو الالتفاف عليها، حيث يدرج الكتاب عشرات الأمثلة والحوادث الصارخة المستقاة من وقائع الحرمان والمنع والاستثناءات والحالة المزرية التي يعيش في ظلّها الفلسطيني، والموزّعة على جميع ميادين الحياة وأنشطتها، «لذلك فإن المطلوب هو مبادرة البرلمان والحكومة اللبنانية إلى إصدار القوانين والتشريعات والقرارات التي تهدف إلى إلغاء التمييز السلبي ضد الفلسطينيين في لبنان، سواء أكانت أشكال التمييز مباشرة أم غير مباشرة» حسب ما جاء في التوصيات والاقتراحات الواردة في الكتاب.
* كاتب فلسطيني


العنوان الأصلي
الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان
وسبل التعايش معه
الكاتب
سهيل الناطور
ودلال ياسين
الناشر
المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات