هنا نص آخر ينشر في «الأخبار» عن الموارنة والعرب المسيحيين بقلم الأب يواكيم مبارك، وخاصةً بعد انعقاد «سينودس روما من أجل مسيحيي الشرق». إنّ هذا النص الذي يعود إلى عام 1985 لم يفقد، كما سائر نصوص الأب مبارك، من بريقه وملاءمته للظروف الراهنة ضمن رؤية تاريخية واسعة وجامِعة للمصير المسيحي ـــ الإسلامي المشترك في المشرق العربي. وقد كتب الأب مبارك هذا النص كمقدمة لإصداره «الخماسيّة الإنطاكيّة /أبعاد مارونيّة» خلال الحرب اللبنانية. وهو عمل موسوعي ضخم تطلّب منه جهوداً جبارة بجمع العديد من النصوص التي تتعلّق بالتاريخ اللبناني وتاريخ الطائفة المارونية والطوائف الأخرى في كل المجالات، مع ما ألهمت هذه النصوص الأب مبارك من تحليلات وتأمّلات تاريخية عميقة واستشرافية للمستقبل في الوقت نفسه. وكان قد سبق للأب مبارك أن نشر في عام 1972 خماسيّة إسلاميّة ـــ مسيحيّة تجمع أيضاً نصوصاً هامة، ومنها مقتطفات مما كتبه هو حول تاريخ العلاقات المسيحية ــــ الإسلامية في ثلاثة كتب رئيسية رائدة في هذا الموضوع. كما كانت هذه الخماسية قد تضمّنت مجلّداً مخصصاً للقضية الفلسطينية، حيث أشار الأب مبارك بكل وضوح إلى البُعد الإسلامي والبُعد المسيحي في هذه القضية نظراً إلى وجود الأماكن المقدَّسة لهاتيْن الديانتيْن التوحيديتيْن في فلسطين المحتلة. ونأسف بطبيعة الحال لقلة الاهتمام، سواء في الكنيسة المارونية أو في لبنان بالأعمال الموسوعية للأب مبارك التي بقيَت محصورة التداول، رغم ما تحتوي عليه من فتح الطريق أمام تجدّد الفكر اللبناني والعروبي الحضاري في الوقت نفسه. وأودّ هنا أن أشكر الدكتورة سلام دياب، المقيمة في مدينة ليون في فرنسا، التي تطوّعت لترجمة هذه النصوص، رغم انشغالاتها الأكاديمية العديدة في المدينة حيث أصبحت اختصاصية في تعليم اللغة العربية.جورج قرم

الأب يواكيم مبارك *
إنّ التاريخ الماروني محبوك بالأسئلة التي لن تلقى جواباً في هذا النص، لكن بعضها سيطرح على بساط البحث. فالقضايا المطروحة في هذه المجموعة والمتعلقة بالتاريخ الماروني طُرحت اعتماداً على وثائق قديمة. ليس لهذه الوثائق قيمة علمية عالية إلا لما ندر منها، لكنّها بوجه عام هي أعمال وجدانية صادقة.
لا تدّعي هذه المجموعة الموسوعية العلمية. فهي عبارة عن مختارات تضم وثائق منتقاة بحرية تامة ودون تعمد، جُمعت في خمسة أجزاء، من هنا يأتي عنوانها الخماسية. وهي تتلو مجموعة أخرى، الخماسية الإسلامية ـــــ المسيحية تشابهها في خطها البياني وترمي، في زمن وضعت فيه الرسالة الإنسانية والوعي بالذات على المحك الشاق، إلى المساهمة في بناء الوعي بالذات الذي تمثّله الموارنة في مخيّلتهم، وإلى تقوية رسالتهم التي نادوا بها في الكنيسة والعالم منذ العصور الحديثة. انطلاقاً من تلك الفترة، انشغل الموارنة بإحياء تراثهم وجمعه وإظهاره على ضوء المناهج وبفضل الوسائل التي اكتسبوها في أوروبا.
أنتمي إلى جيل الموارنة الأخير الذي تلقى تعليمه الأساسي في الشرق، لكنّه أنهاه في أوروبا واستقر فيها. حاولت أن أعيد صدى صادقاً قدر الإمكان، ليس للعلم، بل للفكرة التي ارتسمها أسلافي ما بين روما وباريس لنقاط ثلاث بالغة الأهمية، إذ إنّهم لم يفعلوا ما فعلوا، مهما قيل عنهم، خدمة للبابوية أو لفرنسا أو حتى للعلم. فبمساعدة أفضل العقول الكاثوليكية النيّرة في فرنسا وفي أوروبا، اجتهد هؤلاء الموارنة المثقفون، بإصرار وحماسة أثارا أحياناً السخط، إلا لدى من أدرك أهمية الرهان، في المقاصد الثلاثة الآتية:
1. الدفاع عن كمال كنيسة الله الموجودة في إنطاكيا وسائر المشرق وعن كاثوليكيتها ووحدتها.
2. تشجيع حرية شعوب المشرق بإعطائها حصناً منيعاً في لبنان.
3. إلقاء الضوء، بعيداً عن كلّ استيعاب حزبي أو أيديولوجي أو لغوي، على التراث المشترك للحضارة التي ازدهرت حول حوض البحر الأبيض المتوسط.
تلك هي المقاصد الثلاثة، مسكونية وسياسية وثقافية، لـ«الخماسية الإنطاكية /أبعاد مارونية» التي تتطابق مع المقاصد الثلاثة للطبقة المثقفة المارونية منذ القرن الخامس عشر. وإني سأسعى في ما يلي هذه المقدمة إلى توضيح الأمر على نحو أكبر. فليتفضل القارئ بقبول الدوافع الخاصة لهذه المجموعة في زمن البؤس الذي نعيشه.

دوافع خاصة

لقد جاءتني فكرة هذه الخماسية الجديدة وأنا قرب أبناء وبنات إخوتي من الشتات اللبناني، أو حتى قرب أولئك من بين الشبان الذين ولدوا في لبنان وأصبحوا في أميركا أو أوستراليا غرباء عن عمهم وعن جدتهم. لم أشأ معارضة تطورهم الطبيعي أو منعهم من أن يصبحوا ما هم عليه هنالك، حيث استقروا بأمل العودة أو لا، أي مواطنين على نحو تام ومسيحيين ملتزمين كلّ الالتزام بكنيسة بلدهم المختار، وليسوا لبنانيين مزيفين أو موارنة بسعر خفيض. أقول في اتجاه التطور الطبيعي والضروري لأنّه يناقض الولاء المزدوج ذا الطابع الصهيوني. ظننت أنّي أستطيع مساعدتهم في أن يتأهلوا لخدمة مثلى للأوطان والكنائس التي أصبحت اليوم جزءاً منهم، بإهدائهم دلالة عن تراثهم القادر أن يستوعبه أولئك الذين تلقوا تعليماً جامعياً. ظننت أنّ تراث أجدادهم السياسي والثقافي والكنسي يمكنه، إن شاؤوا ذلك، أن يضفي قيمة على مساهمتهم في الصيرورة السياسية والثقافية والكنسية التي هي الآن خاصتهم. لهذا، من البديهي أنّ هذه المساهمة يمكنها أن تطمح إلى نتيجة مزدوجة وأنّها، بمنأى عن أن تُفقِد المعنيين بالأمر تعلقهم بأصولهم أو أن ترسخهم في غياب رفاهية الولاء المزدوج، قادرة على أن ترسي بين أصولهم ومستقبلهم صلة وصل مبدعة لاختلاط الأجناس.

إنّ اليوم الذي يفقد فيه الموارنة دور الوسيط بين الديانات والحضارات والشعوب يفقدون سرّ وجودهم

كان هذا حديثي عندما اندلعت الحرب في لبنان واتخذت أبعاد الكارثة التي نعرفها، ورأيت في وسائل الإعلام كيف حثّت مساهمة الموارنة في هذه الحرب على تدفق الآراء الاعتباطية، حين لم يكن يشوبها جهراً الاحتقار والافتراء. حينئذ ظهر غرض جديد للخماسية ضاعف غرضها الأول وتجاوزه نوعاً ما. هل يجب أن أتأسف لهذا؟ ليس بوسعي إلا أن أدوّن الأمر وأعترف بأنّ إعداد مجموعتي الموجهة للشتات اتخذ دوراً أكثر دقة بالنسبة إلى الحرب. لم يكن القصد الردّ على المفترين، بل إظهار تراث المقاومة بالتضامن. وبهدف التصدي لاقتراحات الوفاق المصغّرة والمسوّية بسعر رخيص، جاءت المطالبة باللقاء المتمسك «بحق الاختلاف» واتحاده الشخصاني. كان يجب قبل كلّ شيء آخر إظهار أنّ البحث المتحمس عن الهوية المارونية ما تحقق يوماً إلا في ظل اللقاء والاعتراف بالآخر، وأنّ اليوم الذي يفقد فيه الموارنة دور الوسيط بين الديانات والحضارات والشعوب، يفقدون، بالإضافة إلى أفضل سمة من تراثهم، سرّ وجودهم.
جمعتُ من هذا التراث إذاً بعض أشكاله ومظاهره بكلّ تنوعها، وذلك دون أن أخضعه لأفكار معدَّة سلفاً، لكنّه معروض لقراءة بثلاثة مستويات، كما سأوضحه في ما بعد. إلا أنّ الحرب قد عجلت المقصد الشخصي الذي ارتسمته، وقد حملتني صنيعة زمن الحرب على أن أنظر إلى الزمن الماروني بحدّة تليق لا بروائع العلم، وإنما بالأعمال النضالية. لهذا عليّ أن أقول كيف أثر هذا الوضع على كتابة هذا العمل ونشره. فإليكم كيف طبع الوضع أثره على محتوى الكتاب.

التاريخ الماروني بمستوياته الثلاثة

إنّ التقديم الإجمالي الذي أقترحه على القارئ ليس تلخيصاً لهذه المجموعة ولا مفتاحاً يفتح كلّ أبوابها. إنّه بالأحرى إضاءة تعكس قراءتي الشخصية والأغراض التي أسلم بها بعمق، ولا سيما أنّ مقاصدي الشخصية تتطابق مع المشروع الماروني الذي يمتد على مدى القرون.
1. جرت العادة أن نتهم الموارنة بسعيهم في «عودة مسيحيي المشرق إلى الوحدة الرومانية» من خلال إسهامهم في إنشاء كنائس متحدة. في الواقع، لا يزال هناك موارنة من جيل أساتذتي، لا بل من جيلي يتباهون بهذا الدور دون أن ينفكّوا عن المطالبة «بأرثوذكسيّتهم المستمرة» وارتباطهم المطلق بكرسي بطرس المقدس في الألفية الأولى والثانية على السواء.
لن أسيء إلى أصدقائي الموحّدين فأعتبر هذا الأمر الملهِم الأساسي لمجموعتي في مقصدها المسكوني. إلا أني لن أجنّبهم كما لن أجنّب نفسي عناء تتبع هذا المسلك الفكري بطابعه الماروني. ولأنّه يستحيل إعادة صياغة التاريخ بالأفكار، حتى وإن كانت نبيلة جداً، وإنما نتلقاه كما صنعه البشر، لن أجنّبهم عناء النظر إلى هذا المسلك الفكري كما جرى، والسعي إلى فهمه لكي تثمر في خلاصة الأمر أشجاره.
من المؤكد أنّ «مسكونية» أسلافي تختلف عن مسكونية اليوم. ومع هذا فإنّه بفضل تلك المسكونية استطاع الشرق الشامي أن ينفض عنه دثار خموله العثماني. ولم تعد مشكلة الوحدة المسيحية الإنطاكية، شئنا أو أبينا، تُحسم بين الكنيسة اللاتينية والكنيسة البيزنطية، وإنما داخل الكنيسة الإنطاكية، أي بين الكنيسة الملكية الأرثوذكسية والكنيسة المارونية بصورة رئيسية. لأنّ الأولى اعتنقت جزئياً الطقوس اللاتينية، فيما الأخرى أصبحت بيزنطية كلياً. لكن لا هذه ولا تلك فقدت هويتها المشتركة داخل الشرق الشامي ولا حتى مصيرها المشترك مع الأخرى. لكنّهما لن تلتقيا مسكونياً بالتصالح بين كنيستين إمبراطوريتين حتى وإن اعترف بهما كأخوات، بل تلتقيان بالوجود المشترك داخل الكنيسة الواحدة كمطالبة بالوحدة وطلائع لها.
هل من داع أن أقول إنّ المسكونية التي أسميها «إنطاكية» أو مسكونية «الشرق الشامي» والتي من خلالها أنوي التقارب من وجهة نظر الأب جان كوربون والتعاضد مع فكرة إنشاء «مجمع إنطاكي» التي اقترحها غبطة البطريرك إينياس حازم الرابع، ليست أكثر انسجاماً مع المسكونية الحالية منها مع مسكونية الموارنة التقليديين؟ لكنّي لن أسترسل أكثر في هذا الحديث، كي لا أخرج عن الموضوع المطروح في نصوص هذه المجموعة. كان لا بد من أن أشير إلى ذلك لأبيّن أنّ مشروع وحدة الكنائس الذي خدمه الموارنة منذ حركة الإصلاح المضاد الكاثوليكية (1)، إن أكل الدهر عليه وشرب، فهو لم يكفّ عن رفض المسكونية السائدة في الوقت الحالي.
أذكّر في هذا الصدد بأنّ «الخماسية الإنطاكية /أبعاد مارونية» تستعيد وتوسع مؤلَفاً ظهر بعنوان «إنطاكيات»، جرى تصميمه وإنجازه في إطار مجمع الفاتيكان الثاني. ويمكن النظر إلى هذه الخماسيات على أنّها إنطاكيات مكررة، أي تهدف الى الدفاع عن اللقاء بين الكنائس وعن وحدتها ضمن الكنيسة، دفاع يختلف عن مشروع آخر للتصالح بين الكنائس. يوصي هذا المشروع الآخر خصوصاً بمصالحة كنيسة الشرق مع كنيسة الغرب، اعتماداً على أنّ الشرق يدّعي امتيازات غير قابلة للتصرف تجاه كنيسة روما، وعلى أنّه لم يبق للموحدين سوى الالتحاق بالأرثوذكسية.
إن لم يجلب مشروع الموارنة الغابر منفعة، فله على الأقل الفضل في إظهار بعض المفارقات التاريخية لدى موحدي ومصلحي اليوم الذين يستعيدون إجمالاً مجامع ليون وفلورنسا، مع الفرق أنّ كرسي روما المقدس هو الذي يقدم اليوم كل التنازلات.
لكن لله الشكر، إذ إنّ للإنطاكيين خيراً من هذا يشغلهم وعرضاً أفضل يقدمونه. وبصرف النظر عن كلّ نقاش، فإنّ هذه المجموعة تصب، لا في الجدال بين الكنائس، بل في حضن الكنيسة وفي جزء من كنزها الأكثر عزة وقيمة: صلاتها الكنسية والإفخارستية. إنّ الجزءين الثالث والخامس من هذه الخماسية مكرسان كلياً لها، ويمكن اعتبارهما نوعاً من الالتقاء الإنساني مع الروح القدس. لهذا، فإنّ الغرض المسكوني حصراً لهذه المجموعة هو أن يوصل الصلاة الإنطاكية في ألفها الأول ببساطتها وحرارتها الأولى، المستقلة عن الكنيسة اللاتينية والبيزنطية والمقدمة بثقة واطمئنان لكل مؤمن. هذه الصلاة القائمة على التمجيد وتسبيح الاسم المقدس بتكراره ثلاث مرات، على التراتيل والمزامير والتضرع، هذه الصلاة التي تبلغ أوجها في التكرار الإفخارستي، تمثل العبارة المتفق عليها إجماعياً لإيماننا وطقوسنا عندما كانت إنطاكيا، على الرغم من البدع والانشقاقات، واحدة مع الكنيسة برمتها.
2. لقد أُخذ كذلك على الموارنة مساهمتهم، في زمن الصليبيين وخاصة منذ القرن الخامس عشر، في المشروع التدخلي الأوروبي، وخاصة الفرنسي، في الشرق، وتهيئتهم له جسراً سمح للبعض بالحديث في القرن التاسع عشر عن «فرنسا المارونية».
لقد استحوذ هذا الموضوع على صفحات عديدة من الخماسية. يمكنني في الواقع أن أنصح القارئ الذي يتناول موضوع الموارنة للمرة الأولى أن يبتدئ بما قاله الفرنسيون عن هذا الأمر. وألفت عنايته خصوصاً إلى الجزء الأول، القسم الثاني، إلى كتاب جان دي روك في عهد لويس الرابع عشر. ثم في المختارات الموجودة في القسم السابع من نفس الجزء أشرت إلى ما كتبه لامارتين وبوجولات (Poujoulat) بعد عام 1860، وما كتبه باريس (Barrès) قبل وبعد الحرب العالمية الأولى.
أما في الموضوع الخاص بالعلاقات بين الموارنة وفرنسا، فإني أحيل القارئ خصوصاً إلى التقرير الذي وجهه السفير سفري دي بريف (Savary de Brèves) إلى لويس الثالث عشر. نرى في هذا التقرير أنّ سياسة فرنسا في الشرق، والتي عُرضت في هذا التقرير بأهمية وصراحة لا مثيل لهما، هي سياسية إسلامية وأنّ مسيحيي الشرق، وعلى رأسهم الموارنة، خاضعون لهذه السياسة. فليس هناك من سياسة فرنسية خاصة بمسيحيي الشرق تحدد طبيعة علاقة فرنسا بالباب العالي، بل هو العكس تماماً.
فمع سياسة كهذه بالذات قام الموارنة بأعمالهم، ومع هذه السياسة أنجزوا وصادقوا في القرن العشرين على ما كان يمكن تحقيقه وتكريسه منذ عهد هنري الرابع، على الرغم من نيات هذا ومصالح أو خيانة ذاك. إلا أنّ الموارنة لم يجهدوا في ذلك العصر في سبيل ملك فرنسا ونافار، وإنما لحساب الأمير فخر الدين بالتعاون مع دوق منطقة توسكانا في إيطاليا. بفضل العون العسكري والاقتصادي والثقافي الأوروبي في عصر النهضة، تغلبت الإمارة المعروفة بالدرزية على السلطنة العثمانية وتمكنت من إرساء الاستقلال الذاتي «اللبناني» من إنطاكيا إلى القدس.
نعلم ما آلت إليه الإمارة وكيف أُغرق المشروع في دم الأمير وفي مياه البوسفور. فما بين التاريخ وأسطورة تزيد على التاريخ بلاغة وتعبيراً في قلب روادها، تبيّن هذه الواقعة ثابتة النضال السياسي لدى الموارنة. فالماروني أسير لشريك غير مسيحي، وهو لم يرتبط بأوروبا إلا ليرسخ في الشرق استقلالاً ذاتياً ليس مارونياً، بل وطنياً. بل إنّه مشروع الاستقلال الذاتي الأول الذي عرفه الشرق في العصور الحديثة. كان لا بد من الانتظار قرنين من الزمن ومن ضربة بونابرت العنيفة كي تستيقظ مصر الخديوية وتتمرد. لكن في كلتا الحالتين هو النضال نفسه، وهو الذي انتصر على السلطنة العثمانية: ترسيخ استقلال الدولة الأمة في إطار الوحدة والتضامن العربي ضد كلّ سلطة بطابع خلافي أو سلطاني.
وقبل أن أُظهِر ما يتطابق هذا المشروع السياسي الذي ناضل لأجله الموارنة قبل أي إنسان آخر مع مشروع ثقافي، وكيف أنّ انتماءهم اللبناني هو حجر العروبة الأساسي، وهو الغرض الثالث لهذه الخماسية، هل يمكنني أن أنوه إلى أنّ موضوع هذه المجموعة قد وجد في الحرب غاية محددة؟ ففي صراع الكتل الذي ناب في الشرق العربي عن لعبة القوى العظمى والباب العالي، تتقيد هذه المجموعة المكتوبة باللغة الفرنسية بالمشروع الماروني كأداة اتصال تاريخي. وتقوم به لتخالف إرادة واضحة في الهيمنة، تلك التي تنوي كسر محور بيروت ـــــ باريس وإتباع لبنان للمدار الإنكليزي السكسوني.
وزيادة للتوضيح، تنوي هذه المجموعة إظهار ما تخالف التقاليد المارونية، الشديدة التأييد للحكم الذاتي والتي لا يقل جهدها في نصر الشعب اللبناني وشعوب الشرق، المشروع الصهيوني في شكله المتفاقم منذ إعلان دولة إسرائيل. في الوقت نفسه، يلتقي هذا المشروع مع أخيار رجال الدين والمثقفين والمناضلين اليهود الذين كانوا حتى عام 1948 وبعده إلى جانب مارتين بوبر (Martin Buber) ومؤسس الجامعة العبرية جوده ماني (Judah Magnes) يريدون معايشة فعالة بفائدة متبادلة بين اليهود والمسيحيين والمسلمين في فلسطين على غرار التعايش المسلم المسيحي في لبنان.
لهذا، ليس هناك أي تناقض بل استمرارية منطقية وترويج حار لنفس المشروع عندما يدافع بعض الموارنة عن السلام بإنصاف الفلسطينيين في وطنهم. لا بل إنّ من أخذ على عاتقه هذا الملف هم مشاهير الموارنة، ابتداءً من نجيب عازوري الذي كان أول من وضع القضية الفلسطينية في قلب «نهضة الأمة العربية»، وانتهاءً بسليمان فرنجية، الرئيس العربي الوحيد الذي حمل القضية الفلسطينية إلى منصة الأمم المتحدة.
3. قد نرى أنّ مشروع الموارنة السياسي وهدفهم المسكوني فشلا جزئياً نظراً إلى أنّ وحدة إنطاكيا المسيحية كنواة لوحدة الكنيسة العالمية لا تزال في مستوى الأمنية فحسب. بل لقد أصبح مشروع الدول ـــــ الأمم المتعددة الديموقراطية والمتعايشة في حضن الوحدة العربية موضوع سخرية وعبث في لبنان وفلسطين ومن «الخليج إلى المحيط».
لكنّ الحال تختلف بالنسبة إلى المشروع الثقافي، الوجه الثالث والرئيسي للمسعى الماروني بين الشرق وأوروبا. وإني أعتقد أنّ الموارنة قد نجحوا تماماً في هذا الغرض، على الأقل لغاية الحوادث الطارئة الأخيرة والخطيرة إن صحت العبارة. ويمكننا القول بطريقة أو بأخرى إنّ الشرق برمته أصبح، من الناحية الثقافية، مارونياً إذ إنّه تبنى الموقف الفكري والحي الذي كان الموارنة أول من اتخذوه بين الشرق وأوروبا.
نحتفل هذه السنة بالذات بالذكرى المئوية الرابعة لتأسيس المعهد الماروني في روما الذي أنشأه غريغوار الثالث عشر. ولقد تتبعتُ مهنياً إعداد أطروحة كرسها الأب ناصر الجميِّل لهذا الموضوع. هذه المجموعة، التي لم يكتفِ غرضها بموضوع واحد، حتى وإن كان جوهرياً، بل يشمل المسار الماروني برمته، تنوي نهج طريق الأب ناصر الذي توسع بحثه ليتناول تأسيس معهد عين ورقة عام 1789، النظير المطابق في لبنان لما كان عليه المعهد الماروني في روما.
اتّهمنا في هذا المجال كذلك بخدمة مشروع بطابع استعماري يزداد خطورة في المجال الثقافي عنه في المجال السياسي، نظراً إلى أنّه أرسى نهائياً ارتباطنا الاقتصادي بالغرب الصناعي.
أُقرّ أنّه، في هذا المجال بالتحديد، هناك من الموارنة والأرثوذكس من يتجاهر بحماسة زائدة بالمارونية السياسية ويقع في الفخ إما بالمناداة بالازدواجية اللغوية والوطنية والقانونية، وإما بدعم «لغة لبنانية». لكن الجدال حول اللغات لا يرتقي إلى المركز الثالث في مشروع الموارنة الثقافي الذي أجده مثالياً بالنسبة إلى الشرق لأنّ الشرق صادق عليه فعلاً.
أولاً، من الضروري اعتماد وسائل البحث العلمية والتقنية التي أُعدت في أوروبا الغربية منذ بدايات عصر النهضة. في هذا الإطار، تمثّل المطبعة الأداة التقنية المثلى لنشر المعطيات التي قام البحث العلمي بجردها.
ثانياً، يجتهد البحث بجرد إرث الإنسانية التاريخي والفلسفي والعلمي والفني. ويمثّل الرجوع إلى العصور القديمة مظهراً من مظاهر هذه العملية الجرد. لكنّه أساسي ولا سيما أنّه يحمي كلّ اعتراف بالهوية ضد الخيارات الاعتباطية التي تتخذ في لحظة معينة وأنّه يربط كل اعتراف وطني على النحو ذاته بمجمل التراث.
لم نناقش حتى الآن موضوع اللغات وإنما الفلسفة الإنسانية. وهي هذه الفلسفة الإنسانية التي نشأت في أوروبا في عصر النهضة، أي قبل بكثير من إنسانية عصر الأنوار، التي تبناها الموارنة وعملوا لها وأصبحت المصلحة المشتركة للشرق العربي بأسره.
لكن بمَ تختلف فلسفة الموارنة الإنسانية عن إنسانية الفئة المثقفة أو حتى عامة العرب، وأين تكمن أهمية اللغات في هذا المجال؟
يبدو لي أنّ الاختلاف يكمن في نقطتين:
أ. عندما ننظر عموماً لا إلى الموقف الإنساني، وإنما إلى فحوى التراث المادي، نستنتج أنّ الموارنة قد تعربوا على الأقل منذ القرن الحادي عشر. إنّ أوّل مؤلف خالد في مجال الروحانيات والقانون الماروني، والذي يمكن القارئ أن يتعرف عليه في الكراسة الثالثة من الجزء الأول، لم يعد يعرف إلا باللغة العربية ويحمل عنوان: كتاب الهدى. من ناحية أخرى، أصبح هذا التعريب شبه كلّي منذ القرن الثامن عشر. انطلاقاً من هذا التاريخ بالفعل، سبق الموارنة في حلب بمئة سنة النهضة السورية اللبنانية التي ستجد في مصر أرضية خصبة تسهل انتشارها. لكن تعريب الموارنة من أول الألفية الثانية إلى آخرها لم يتغلب على السريانية لا في الطقوس ولا كخلفية أو منبع عميق للثقافة.
لكن التقاليد المارونية لا تبحث لنفسها عن منفعة ذاتية، مهما بدت شرعية، بل تقدم التماساً لا بد أن يتأثر به كل عربي حريص على كمالية ثقافته ودورها العالمي. إذ لا يمكن عروبة جديرة بهذا الاسم أن تبقى بمنأى عن السريانية كلغة أخت للعربية تشتركان معاً في سامية واحدة. لا يمكنها ذلك نظراً إلى الامتياز الوحيد الذي تتمتع به السريانية عن اللغات السامية الأخرى، امتياز دور الوساطة في نقل المقولات اليونانية وثقافتها ومفاهيمها. فالسريانية إذاً في قلب العروبة ليس كتذكير بأصولهما السامية المشتركة فحسب، وإنما هي القناة التي تطلّبها الخيار الحر الذي اتخذته العروبة في عصرها الذهبي، عندما كانت العروبة تنهل من المنبع اليوناني.
ب. في ما يتعلق باللغات الحديثة، ألاحظ أنّ الموارنة لم يتعلموا الفرنسية أو على الأقل لم يكتبوا باللغة الفرنسية إلا منذ القرن الماضي. لكن حين اقتضى الأمر أن يتصل الموارنة بأوروبا، تزاحمت في نفوسهم ضرورة تعليم أوروبا لغات الشرق وضرورة أن يتعلموا هم أنفسهم لغات أوروبا. وهذه ضرورة أساسية في الحوار عندما نريد أن يحترم الحوار احتراماً كلياً قوانين الضيافة. وهي ضرورة ملحة، وخاصة عندما يرفض رجل الحوار أن يبقى متلقياً عادياً ومستهلكاً عموماً، وعندما لا يريد أن يؤدي دور المأجور، بل يطالب بدور الشريك. من بين المستعمرين من لم يهتم إطلاقاً بتعليم الشعوب المستعمَرة لغة سلطتهم، واكتفى باستخدام لغة مبسطة عندما يتوجه إليهم بالكلام، كمثال الملك شارل الخامس الذي كان يقول إنّه يتحدث مع حصانه بالألمانية. لكنّ الموارنة الذين لم تكن لديهم أبداً عقدة نقص شعب تستعمره أوروبا صمّوا آذانهم عن هذا. فذكّروا العرب إذاً بما تعلمه العرب من أنفسهم عندما كانوا خلاقين مبدعين لا مستهلِكين. إنّ التمكن من لغة أجنبية كوسيلة مفيدة للتنفيس الفكري هو الأداة الضرورية للإبداع في الحداثة.
أستخدم كلمة حداثة للمرة الأولى في هذه المقدمة. وقد ترأس من الآن فصاعداً كل أغراضي ككاتب لـ«الخماسية الإنطاكية /أبعاد مارونية». وإني أحيل القارئ إلى نهاية الجزء الأخير، حيث لا أتوانى عن وصف كنيستنا ذاتها كـ«كنيسة الحداثة الثقافية».
لكن كنيستنا تبقى أولاً ودائماً «كنيسة الزهد والمدح الإلهي»، كما أشير إليه كذلك في موضعه، وبهذه الطريقة أنشأت «شعباً يعشق الحرية ولو أنّه في حنين دائم إلى التعايش» (انظر الجزء الخامس، القسم الثالث، ذاكرة أمل). مهما كانت الإشكالية التي يجد القارئ نفسه ملتزماً بها إلى جانب كاتب هذه المجموعة، فليتفضل بالدخول إلى هذا التراث بفكر حر وصراحة موقف. فكلّ ما قيل له لغاية الآن من كلام قد يبدو عدائياً ليس إلا ليسلك الطريق ويبدد الغيوم. وإنّ فضّل القارئ الصورة على النص، فليفعل وليبتدئ بالصورة. لكنّ الصورة ستعيده إلى النص، وأنا على يقين بأنّه سيصبح، بتآلفه مع الروح المارونية في الصورة والنص، أكثر حباً للسلام وأكثر إنسانية. ومهما تجرع الموارنة من محن على طول تاريخهم، مع ما تتركه هذه المحن على شعب من شدة وحذر وإباء مهان، فإنّ الاعتراف بتراثهم يزوّد من يقترب منه ويتعاطاه بما أنعم بفيض على كاتب هذه المجموعة: أي فرح يتجاوز كلّ حقد أو مرارة وثقة على قدر جسامة المخاطر وقبل كلّ شيء حمد مستديم لله.
وفي ختام هذه المقدمة، سأقول مع من واقتداءً بمن أكرس حياتي لهذا الموقف.

كلمة إيحائيّة ختاميّة

كنت قد قررت لهذا الاستطراد الاستهلالي التمنع عن ذكر الأحياء الذين أنتمي إليهم وأن أكتفي بالوفيات. ظننت ذلك أسهل لي نظراً إلى العدد الكبير من الأحياء الذين أود شكرهم، وإلى خشية نسيان بعضهم. سنرى أنّي في نهاية الأمر قمت بواجبي مع أني لم أتحرر كلياً من الدين بالرغم من هول التذكرة التي يمكن قراءتها في ما بعد. في المقابل، صرفت النظر هذه المرة عن فتح سجل المثوى الذي تلقي منه الأبدية أشعتها على كلّ صفحات هذه المجموعة.
حسبي أن أستذكر مثال جد أمي. ففي أولى ذكريات طفولتي، أراه يمتطي فرسه الشهباء، وهو الذي تجاوز حينها التسعين من عمره، ليذهب ويشارك في إزاحة الستار عن تمثال تكريماً ليوسف بك كرم. فلقد كان حقاً أحد رجال نضال البطولة في لبنان، وقد توفي في المنفى عام 1889. بمعنى آخر، هذا الباب الخاص بالأموات فريد من نوعه. وهو يضم كلّ أولئك، من وفيات جيلي إلى جيل أوائل تلاميذ مار مارون الذي كان قسيساً وراهباً في عصر يوحنا كريزوستوم، الذين يشكلون عائلة واحدة أحتفل بذكراها. لن يُفتح إذاً باب الوفيات هنا، لأنّه يشمل هذه المجموعة برمتها.
لن يفوت القارئ، وسط هذا الحشد الكبير من الشهود المذكورين، رؤية بروز أولئك الذين ألهمتني مقاماتهم التواضع مثلما بعثت بي الورع المطبوع بالإعجاب. هكذا كرست ساعات طويلة لقراءة وترجمة البطريرك اسطفان الدويهي، إحدى أكبر بركات عمري. فما كنت أقوم به في مطلع شيخوختي ليس إلا العودة إلى قراءاتي، عندما كنت في ريعان شبابي، في كتب أبي وأجدادي الذين كانوا خوارنة رعية.

أصبح الشرق، من الناحية الثقافية، مارونياً، إذ تبنّى الموقف الفكري الذي اتخذه الموارنة بين الشرق وأوروبا

ففي هذه العودة العاطفية إلى حجر أمي من خلال إعداد «الخماسية الإنطاكية /أبعاد مارونية» وكتابتها، أتمنى بكل بساطة أن يحمل القارئ نظره إلى القمم الشامخة التي اعتلاها أنبل آل مارون بسبب ضراوة المصير التي كانت قسمتهم في العيش. لكن في هذه الحالة، حتى شواهد المارونية المغمورون الذين عنيتُ بالتعرف عليهم يجلسون في نفس العلو الحصب والجرد. وإني لا أعرضهم إذاً لفضول القارئ وإنما، استهانة بكل ذي وقع، لبحثه عن العفة والحكمة.
لهذا، فإن القارئ سيحمل نظره إلى كلّ منعطفات الطريق، إلى تلك التي نبتهل إليها كعرش الحكمة والتي باركها أبناء طائفتي من جيل إلى آخر لأنّ الله تفضل بتكريم تخضّع راهبته. ففي النضال القديم العهد الذي جعل من تاريخ الشعب الماروني سلسلة لا تنتهي من الإهانات والآلام، سيكتشف القارئ سر بهجتنا واعتزازنا ويفهم لما أمّ مصلوب هي أمنا وسيدتنا.
فتحت أقدامها، أضع، قبل أن تمنحني مراحل هذا المسار فرصاً أخرى للقيام به، إهداء هذه المجموعة الخاشع. وما أرجو في نهاية المطاف من هذا العمل إلا حباً أكبر لاسمها وتمجيداً له إلى حدّ النشوة، بالرغم من أتراح الوقت الحالي، عندما أتأمل المجد الذي ألقاه الله كشراع بهاء وروعة على جبل لبنان تكريماً لها.

تنبيه

كمواطن ومؤمن أنفر من كلّ تملك فيه تحزّب. فتكريس مجموعة بحالها للتراث الماروني، حتى ولو كان في إطار المسيحية الإنطاكية، هو عملية يجب ألا تؤدي إلى تضليل.
يظهر الموارنة حماسة وغيرة لما يحفل به أبناء طائفتهم أو بلدهم حيثما كانوا. فإن كان ثمة شيء اسمه ماروني، فهو أن يتقبله الغير ويتعرف عليه ويثمّنه كما يراه. هذه «الخماسية الإنطاكية /أبعاد مارونية»، التي أحجمت عن إدراج مواضيع جمّة وعدد لا بأس به من البلدان غير المارونية، لا تنوي على الإطلاق القيام بالتملك أو حتى بالتفرقة أو التمييز.
يعود فضل ترجمتَي الإلياذة التي عرفهما الشرق السامي إلى شخصيات مارونية. فالترجمة الأولى صدرت بالسريانية في القرن الثامن نسبها بار إبرايوس إلى تيوفيل الأورفي وهو ماروني، والأخرى ترجمة باللغة العربية ظهرت في القرن التاسع عشر قام بها سليمان البستاني الذي اضطر الى أن يتعلم اليونانية لينقل لنا هوميروس شعراً.
أعطي هذا المثل لأقول إنّ أخيار الموارنة ليسوا للموارنة، أو إنّ خير ما يمتلكون هو خير يعمّ على الجميع. إنّ خير هذه المجموعة في مراجعه التوراتية. فلو نُسخت هذه المقاطع لتضاعف حجم المجموعة.
فلو كان إذاً لأجزاء هذه المجموعة فائدة ما، فهي على قدر ما تبرز أنّ الموارنة يتمتعون في حضن الكنيسة العالمية بموهبة وهبت للمؤمنين كافة، وأنّ أخيار الموارنة في عالمهم الثقافي هم من يعترف بكفاءتهم زملاؤهم من الأديان الأخرى. فمن أشهرهم عالمياً جبران خليل جبران صاحب كتاب النبي، وقلّة قليلة من سكان الأرض تعرف أنّه ماروني. لماذا، والحالة هذه، خماسية تكرس للتراث الماروني، ولماذا التمييز بين الأدباء الموارنة وغيرهم، والتاريخ الماروني عن التاريخ العام للبطريركية الإنطاكية وسائر المشرق؟ فإن لم يتّضح السبب في المقدمة التي سبقت على نحو كاف، آمل أن تبرره كل الأجزاء.


(1) أو الصحوة الكاثوليكيّة بعد الثورات البروتستانتيّة ضد كنيسة روما
* خماسيّة مارونيّة، المجلّد الأول، الجزء الأول، ص. 21 إلى ص. 31
(ترجمة الدكتورة سلام دياب، أستاذة في اللغة العربية والمسؤولة العلميّة عن الصفحة العربيّة لموقع الإنترنت التابع للمدرسة العليا لتخريج الأساتذة (Ecole normale supérieure de Lyon) في مدينة ليون: http://cle.ens-lsh.fr)