وعلى خطّ مواز، يبرز المرشحان ألفة الحامدي ونزار الشعري، كثنائي مشترك في عدة سمات، من بينها تقديمهما وعوداً خيالية بأنهما قادران على تحويل تونس عبر «إصلاحات» إلى دولة شبيهة بالدول الأوروبية. ولذا، يصنّفهما مراقبون في خانة «المرشحين الشعبويين»، الذين يماثلون أصحاب قصص النجاح الشخصية، في محاولتهم تعميم تجاربهم. ويكشف الاطّلاع على برنامج الحامدي مثلاً، أو خطاباتها وحتى تجربتها في إدارة «شركة الخطوط التونسية الحكومية» (المؤسسة الكبرى في البلاد)، محدودية قدرتها على إدارة مؤسسة، إثر النزاعات التي خلقتها في أشهر معدودة نتيجة غياب الرؤية التسييرية لديها أساساً، وافتقارها لأي تصور إصلاحي منطقي. أما الشعري، فهو صاحب مؤسسة لتنظيم «تظاهرات الموضة»، إذ كثيراً ما تردّد اسمه في كواليس مساندة هذا المرشح أو ذاك في الانتخابات السابقة.
تحاول المنظومة القديمة أن تستعيد الحكم بعد ثلاث عشرة سنة من إزاحتها
بدورها، تحاول المنظومة القديمة لملمة شتاتها، والبحث في أدراجها عن مرشح تقدمه كمنقذ للبلاد، لعلّها تستعيد الحكم بعد ثلاث عشرة سنة من إزاحتها، وقد اتفقت، على ما يبدو، على المنذر الزنايدي. والرجل ليس مجهولاً للتونسيين، بل كان وجهاً أولَ في نظام حكم بن علي، حيث تقلّد مناصب وزارية ومناصب في حزب «التجمع الدستوري» الحاكم الذي انتفض التونسيون ضده عام 2011. وليست عودة الزنايدي إلى الواجهة، الأولى من نوعها، فقبيل كل محطة انتخابية، يعود طارحاً نفسه كمنقذ، على غرار ما فعل في انتخابات 2014 حين غازل أنصار ابن علي لنيل أصواتهم، لكنه تلقّى هزيمة مدوّية بحصوله على 0.74% من جملة الأصوات المقبولة، بعدما سبقه إلى نيل الأخيرة حزب «نداء تونس». كما ترشّح الزنايدي لانتخابات 2019 - التي سجّلت فوزاً ساحقاً لسعيد -، لكنه عدل عن الترشح في اللحظات الأخيرة، خصوصاً أن الصراع كان حامياً بين مرشحين وازنين، من بينهم رئيس الحكومة آنذاك يوسف الشاهد، ورئيس حزب «قلب تونس»، نبيل القروي.
وفي هذه المرة، يعوّل الزنايدي على خلو الساحة من مرشحين وازنين، فيما تعمل اللوبيات نفسها، التي أعادت وجوهاً بارزة في نظام ابن علي، على استجلاب الدعم له. أيضاً، يتطلّع الرجل إلى أن يخلف عبير موسي، رئيسة الحزب «الحر الدستوري»، في قيادة جماهير أنصار حزب «التجمع»، والتي خوّلتها الفوز بستة عشر مقعداً خلال الانتخابات النيابية بعد انهيار حزب «نداء تونس»، نظراً إلى الفوضى السياسية التي شابت البلاد خلال الاستحقاق الانتخابي عام 2019، خصوصاً أن موسي لا تزال رهن الاعتقال والتحقيق، منذ تشرين الأول الماضي، فيما لا يشير سجلّها القضائي الذي يشمل ثماني قضايا تراوح بين «الإساءة إلى الغير» و«التآمر على أمن البلاد»، إلى إمكانية خروجها قبل الانتخابات الرئاسية. والجدير ذكره، هنا، أنه بعدما سارعت موسي، حينها، إلى احتلال المنابر العامة، ولو عنوة، لإظهار أقصى العداء لـ«قوى الثورة»، علّها تقدّم نفسها كثقل مواز وتفوز بالرئاسيات والبرلمانيات في عام 2024، عمل سعيّد على تحجيم دورها، بعد حلّ البرلمان، فتناقص ظهورها في الإعلام، ثم حوصرت في المنابر العامة والشوارع. وكان خطأ موسي أنها ظنت سعيد خصماً سهلاً مثل «النهضة» وحلفائها، فكالت له الشتائم في ظهورها على وسائل التواصل، وكسرت قرارات منع التجمهر أمام القصر الرئاسي، وهو ما استغلّه لسجنها.
بالنتيجة، يبدو الطريق نحو عهدة ثانية معبّداً لسعيد، فحتى الأحزاب الوازنة، من مثل «النهضة» و«قلب تونس» تآكلت جماهيريتها، ولم تعد قادرة حتى على التظاهر واستعادة الشارع، فيما المعارضة أنهكتها الاعتقالات والتضييقات. أما بقية المترشحين فلا مجال لأن يفتكّوا من سعيد، ولو جزءاً بسيطاً من الناخبين، وفقاً للمؤشرات.