تعيش السلطة الانتقالية في ليبيا مرحلة من التخبّط الداخلي والخارجي، مرتبطة بالإشكالات التي تشهدها اجتماعات "ملتقى الحوار السياسي" في جنيف. ومن المفترض أن تُختتم هذه الاجتماعات اليوم، بالاتفاق على القاعدة الدستورية التي ستُجرى على أساسها الانتخابات، ولا سيّما أن أطرافاً إقليمية تدفع في اتجاه عقدها في موعدها. ومن هذا المنطلق، يزور رئيس الوزراء الليبي، عبد الحميد الدبيبة، القاهرة، لإجراء مناقشات موسّعة مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومسؤولي جهاز المخابرات. وستشمل تلك المناقشات أموراً عدّة، أوّلها الجهود المصرية لتحقيق تفاهمات بين الأطراف في الداخل الليبي، سواء مع البرلمان بقيادة عقيلة صالح أو المجلس الرئاسي، إلى جانب التفاهمات التي يرغب الدبيبة في التوصّل إليها مع الدول العربية خلال الفترة المقبلة. وممّا سيبحثه رئيس الوزراء الليبي، أيضاً، المطالب المصرية بتسريع وتيرة عودة العمالة والشركات المصرية إلى السوق الليبية، خلال الأسابيع المقبلة، في خطوة تهدف، في المقام الأول، إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية. وكان أكثر من مليون مصري قد عادوا من ليبيا خلال الحرب، بينما بقي عشرات الآلاف في المناطق الأكثر هدوءاً. لكن يبقى الهدف الرئيسي من المحادثات تثبيت التفاهمات بين البلدين، ولا سيّما أن الدبيية يدرك طبيعة الدور المصري في الملفّ، والضغوط التي تمارسها القاهرة من أجل تطبيق ما يخدم مصالحها، وخصوصاً مع شركائها الأوروبيين.على خطّ موازٍ، يواجه الدبيبة أسبوعاً حاسماً في الداخل، في ظلّ طلب المجلس الرئاسي استدعاءه لتعيين وزيرٍ للدفاع. ويحتفظ الدبيبة بهذه الحقيبة الوزارية لنفسه تجنّباً للمشاكل، في ظلّ تمرّد خليفة حفتر، ورغبته في إبقاء الوضع العسكري على ما هو عليه. وعلى رغم طلب المجلس الرئاسي بحث تسمية وزير الدفاع، إلّا أن الأزمة الراهنة ليست مرتبطة بالتسمية، بقدر ارتباطها بما يمكن أن يقوم به من دور، وسط استمرار رفض حفتر توحيد المؤسّسة العسكرية تحت مظلّة الحكومة الانتقالية. ومن بين السيناريوات التي تُدرَس، في هذا الإطار، تعيين وزير دفاع بموافقة الدبيبة، على أن تبحث مسألة وضع القوات العسكرية وغيرها بشكل تفصيلي مع حفتر وقواته، التي تُلوّح بالتوقّف عن المشاركة في اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة التي ترعاها الأمم المتحدة.
ممّا سيبحثه رئيس الوزراء الليبي المطالب المصرية بتسريع وتيرة عودة العمالة


في غضون ذلك، وعلى رغم التلويح الأممي بالعقوبات على معرقلي المسار السياسي، إلّا أنه بات من الواضح أن هذا المسار يمرّ بمخاض عسير، مع تعثّر المفاوضات الجارية في جنيف بشأن القاعدة الدستورية التي ستجرى على أساسها الانتخابات، بما فيها انتخابات رئيس الجمهورية، بالتزامن مع انتخابات البرلمان. وفي السياق، يسود اضطراب واضح النقاشات، مع اتّساع هوة الخلافات بين الأعضاء المجتمعين، في الوقت الذي يلوّح فيه كلّ منهم بتحرّكات في الشارع. ويأتي كلّ ذلك بينما يحاول المسؤولون الأمميّون تقريب وجهات النظر، من أجل الوصول إلى صيغة نهائية، مع ضيق الوقت وصعوبة إجراء جلسات جديدة، قبل نهاية الشهر. الدبيبة يواجه، أيضاً، مشكلة أخرى مع البرلمان الليبي، الذي لم يعتمد الميزانية العامّة، ويطالب بعقد جلستين بحضور رئيس الحكومة لحسم ملفَّي المناصب السيادية، وتوزيع المناصب المعلّقة، في وقت بدأت فيه الاتهامات من مجلس النواب لأعضاء المجلس الرئاسي، بالتهرّب من الاتفاقيات التي جرى التوافق عليها في اجتماعات جنيف، ليبقى البند الوحيد المعتمد في موازنة العام الحالي هو بند الرواتب. ويُخشى من أن تؤدّي مواقف أعضاء البرلمان إلى تصعيد الأزمة الداخلية، في ظلّ وجود رغبة لدى عدد منهم في تعيين شخصيات جديدة على رأس المؤسّسات السيادية، من دون الرجوع إلى المجلس الرئاسي، وخصوصاً بعدما أحال البرلمان أسماء المرشّحين للمجلس في وقت سابق، ولم يتلقّ رداً.