الجزائر | لم تُعلَن نتائج الانتخابات الرسمية، حتى الآن، على غير العادة، على رغم مرور 48 ساعة على انتهاء عملية التصويت، وهو أمر راجع، بحسب «السلطة الوطنية للانتخابات»، إلى تعقيدات نمط الانتخاب الجديد المعتمد على القائمة المفتوحة والتصويت الاسمي. لكن ذلك لم يمنع من ظهور نتائج أوّلية في كلّ الولايات، بعضها رسمي صادر عن السلطات المحلية المُخوّلة، ما أعطى صورة عن الاتجاه العام للأصوات، والكتل الحزبية الكبرى التي ستُشكّل أوّل برلمان في عهد الرئيس الحالي عبد المجيد تبون.وتشير المعطيات الأوّلية، المبنيّة على عدد المقاعد المُحصّلة في كلّ ولاية، إلى احتفاظ حزب «جبهة التحرير الوطني» بالصدارة، بعد تحصيله نحو 100 مقعد وفق بعض التقديرات. ولئن بدت هذه النسبة أقلّ بكثير مما كان يحصده الحزب زمن الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، إلّا أن بقاءه في المقدّمة، بعد الحراك الشعبي الذي أطاح حكم بوتفليقة، والأحزاب الداعمة لبقائه لعهدة خامسة، يُبقي على الكثير من علامات الاستفهام حول أسباب ذلك. وإلى جانب «جبهة التحرير»، يأتي «التجمّع الوطني الديموقراطي»، وهو كذلك من أبرز أحزاب الموالاة في العهد السابق، والذي حصل على حوالى 50 مقعداً، بما يجعله في المرتبة الثالثة، ويرفع، بالتالي، حصة الأحزاب الداعمة لبوتفليقة (سابقاً) إلى حوالى 40 بالمئة من البرلمان. ومن بين مَن حقّقوا المفاجأة، «جبهة المستقبل» التي تقترب من «التيار الوطني» الذي ينتمي إليه الحزبان السابقان، لكنها لم تنخرط في دعم الرئيس المخلوع، وكانت تتبنّى خطّاً معارضاً غير حادّ. وتشير بعض التوقعات إلى فوز هذا الحزب بكتلة تقترب من 40 ناخباً، بعد اكتساحه بعض الولايات، أبرزها العاصمة التي حقّق فيها 8 مقاعد.
واللافت في هذه النتائج الأوّلية، القوة التي ظهر بها حزبان في التيار الإسلامي في شقّه «الإخواني»، هما «حركة مجتمع السلم» و»حركة البناء»، اللتان كانتا في الواقع حزباً واحداً بقيادة الراحل محفوظ نحناح، قبل الانشقاق بعد وفاته. وتشير المعطيات إلى إمكانية أن تكون «مجتمع السلم» قد فازت بنحو 70 مقعداً، وهو ضعف ما كان يحصده هذا الحزب زمن الرئيس السابق، في حين يُتوّقع أن تشكّل «البناء» كتلة قوية بنحو 40 مقعداً، وهي التي سبق لها المشاركة في الرئاسيات عبر رئيسها عبد القادر بن قرينة. وتعطي هذه النتائج التيار الإسلامي قوة غير مسبوقة في البرلمان، تُمهّد لعودته إلى الحكومة من أوسع الأبواب. لكن «حركة مجتمع السلم»، تحديداً، تبدو غير مقتنعة تماماً بالحصول على المرتبة الثانية، إذ ذهب رئيسها، عبد الرزاق مقري، إلى حدّ إعلان فوز حزبه أمس، وتصدّره في كل الولايات كما قال، محذّراً من أن هناك محاولات للتلاعب بالأصوات، وداعياً الرئيس عبد المجيد تبون إلى التدخّل وإنفاذ وعده بحماية أصوات الناخبين. ولم تمرّ هذه التصريحات من دون أن تثير غضب رئيس «السلطة الوطنية للانتخابات»، محمد شرفي، الذي أصدر بياناً في اليوم نفسه، اعتبر فيه أن مواقف مقري «تمسّ بأخلاق الدولة وصون بناء الجمهورية الجديدة»، عادّاً إياها «دعوة مبطّنة إلى زراعة الفوضى والتشكيك»، وأنها تمثّل «تهديداً ووعيداً» غير مقبول، على حدّ وصفه.
من بين الملاحظات المهمّة سقوط توقّعات سيطرة القوائم المستقلّة على مقاعد البرلمان


ومن بين الملاحظات المهمّة التي يمكن تسجيلها على هذه الانتخابات، سقوط توقّعات سيطرة القوائم المستقلّة على مقاعد البرلمان، على رغم أنها كانت تشكّل أكثر من 50 بالمئة من المرشحين. ومما أوحى بهذا الانطباع في السابق، تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون الداعمة للمجتمع المدني، والوتيرة العالية لإنشاء الجمعيات على مقربة من الانتخابات، لكن كلّ ذلك سقط في الماء، بعد ظهور النتائج التي أعطت القوائم المستقلة حجمها المعتاد في الانتخابات السابقة، والذي يدور بين 30 و50 مقعداً. والواقع، أن ضعف القوائم المستقلّة يعود إلى تشتّت أصواتها، ما منع أغلبها من الحصول على النسبة الأدنى من الأصوات، والمقدّرة بـ 5 بالمئة تتيح دخول المنافسة على المقاعد، وهو إشكال عانت منه كلّ الأحزاب الصغيرة التي لم تبلغ هذه النسبة هي الأخرى، ما صبّ في الأخير في خدمة الأحزاب المهيكلة الكبيرة التي استحوذت على أغلب المقاعد.
ويبقى أهمّ ما ميّز هذه الانتخابات، عموماً، هو نسبة المشاركة الضعيفة التي لم تتجاوز حسب التقديرات الرسمية 30 بالمئة. وتختلف التفسيرات بخصوص المقاطعة، بين مَن يرى أنها امتداد للعزوف الشعبي الذي كان في السابق مع فارق تضخيم نسبة المشاركة في تلك الفترة، وبين منَ يقول إن المقاطعة هذه المرّة كانت سياسية. وحتى الآن، أصدر حزبان كانا قد قاطعا الانتخابات، هما «حزب العمّال» و»التجمّع من أجل الثقافة والديموقراطية»، مواقف تشيد بموقف الرافضين للانتخابات الأخيرة، لأنها تمثّل بحسبهما مجرّد استكمال لواجهة النظام الذي لم يتغيّر في اعتقادهما. وتظلّ، في هذا السياق، منطقة القبائل الناطقة باللغة الأمازيغية الأكثر رفضاً للاستحقاق، عبر تسجيلها نسبة مقاطعة قياسية وصلت إلى حوالى 99 بالمئة، وهي مؤشّرات تدعو السلطة الحالية، بحسب بعض الأحزاب، إلى ضرورة فتح حوار وطني من أجل الاتفاق على مخارج لما يصفونها بالأزمة السياسية. وكان الرئيس عبد المجيد تبون، على هامش إدلائه بصوته يوم السبت الماضي، قد ذكر صراحة أن نسبة المشاركة لا تهمّه، مؤكداً أنه يحرص أكثر على أن تكون الانتخابات شفّافة ونزيهة بما يضمن التمثيل الحقيقي لِمَن انتخبوا. وأشار إلى أن «كلّ جزائري حرّ في أن يشارك أو يقاطع، من دون أن يفرض رأيه على الآخرين، وهذه هي الديموقراطية».