منذ سقوط نظام معمر القذافي، عُرفت مدينة صبراتة الساحلية (80 كيلومتراً غرب طرابلس و100 كيلومتر شرق الحدود التونسية)، باعتبارها منفذاً لتهريب البشر والنفط نحو أوروبا. كما سيطر تنظيم «داعش» على أجزاءٍ منها حتى عام 2016، حين تلقى اجتماع لقياداته، ضربة جوية أميركية قتلت حوالى 50 منهم. وحتى العام الماضي، كانت أجزاء واسعة من المدينة تقع تحت سيطرة «المجلس العسكري في صبراتة»، إلى أن طُردت تشكيلاته على يد تحالف من الميليشيات المناوئة.كان من أبرز المطرودين، أحمد الدباشي (يُعرف بلقب «العمو»)، وهو آمر «كتيبة أنس الدباشي»، ومصنف في قائمة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي، بصفته أحد أبرز المهربين في المدينة. لكن إلى جانبه، كان يوجد أيضاً «جهاديون»، ليسوا بالضرورة من أتباع «داعش»، ما أدى إلى قيام تحالف بينهم. خرج «العمو» عن المشهد قليلاً واستقر، وفق ما أكدت مصادر لـ«الأخبار»، في مدينة الزاوية القريبة، لكنه لم يقبل بأن تُسحب منه امتيازاته، ومن بينها «رشاوى» تلقاها من إيطاليا لوقف سيل المهاجرين، واعترافاً رسمياً به من قبل حكومة «الوفاق الوطني» المتركزة في طرابلس (في مسعى لاحتواء نشاطه). لكن «العمو» عاد إلى المشهد، أمس، محاولاً دخول المدينة من جنوبها، بهدف استعادته موطئ قدم فيها، تمهيداً لمعركة أكبر.
لم يقبل «العمو» أن تُسحب امتيازاته ومن بينها «رشاوى» إيطالية


دخل تحالف المُهاجمين، من جنوب صبراتة في ساعات الصباح الأولى، مبررين الهجوم بتحرير المدينة من «المداخلة» وإعادة «المُهجرين قسراً». في واقع الأمر، تُحال هذه التبريرات إلى المشهد المرتبك الذي تعيشه المدينة منذ عام، حيث تسيطر عليها «غرفة أمنية» يقودها اللواء عمر عبد الجليل، ويقول كل من المشير خليفة حفتر وحكومة «الوفاق الوطني» إنها تابعة لها، كما تلعب «كتيبة الوادي» السلفية المدخلية، دوراً أمنياً مهماً (تُسمى «قوة مساندة»)، وهي موالية بلا ريب لحفتر. وبحسب بيان صادر عن «المجلس البلدي وحكماء وأعيان صبراتة»، سيطر المهاجمون على مدرسة في جنوب المدينة، وتحصنوا داخلها، لكن تقدمهم لم يستمر، إذ وصلت سريعاً قوات من «كتيبة الوادي»، لتسيطر على الوضع، تغنم أسلحة مهمة، بحسب ما نشرت على صفحتها في «فيسبوك». لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل بدأت «خلايا نائمة» في التحرك داخل صبراتة، وسُمع صوت اشتباكات أدت إلى نشر دبابات ومضادات طائرات (كثيراً ما تُستخدم في مواجهات أرضية). نتيجة لذلك، شُنت حملة أمنية واسعة، شملت اقتحامات وتوقيف أشخاص، بهدف «تطهير المدينة». لم يصل مستشفى المدينة الذي أعلن حالة الطوارئ، غير ثلاثة جرحى، من دون أن تُحدد انتمائهم، كما أشارت البلدية، ومن المفترض أن تعود المدارس إلى النشاط يوم الثلاثاء. وبحسب «الغرفة الأمنية»، بات الوضع «تحت السيطرة»، بعدما «سُحق الهجوم سريعاً»، كما عبر المختص في الشؤون الليبية، جلال حرشاوي، الذي استبعد أيضاً أن «يتطور الأمر إلى هجوم أكبر»، ذلك أن الدباشي «في وضع ضعف، وزمن العملية لم يكن في مصلحته».
ضمن هذه الأجواء المتوترة، يستمر العمل دولياً على الوصول إلى صفقة تضع أسس مصالحة في ليبيا. تواصل إيطاليا من جهتها، حشد الدعم لمؤتمر «باليرمو»، الذي سيعقد يومي 12 و13 من هذا الشهر، وكانت آخر الأنشطة في هذا الاتجاه، زيارة أداها وزير الداخلية، نائب رئيس الحكومة، ماتيو سالفيني إلى قطر، وزيارة رئيس الوزراء جوزيبي كونتي إلى تونس. أما فرنسا، التي تزاحم إيطاليا في محاولة للعب دور مؤثر في ليبيا، فقد دعت ممثلين عن مدينة مصراتة القوية (غرب البلاد)، لزيارتها الخميس المقبل، في محاولة لاستدراك إقصائها في مؤتمر «باريس 2»، الذي عُقد نهاية أيار/ مايو الماضي.