منذ المشاهد الأولى من الحلقة الأولى من مسلسل «الحشاشين»، يُصدم المشاهد بالأخطاء الفادحة التي لا سبيل إلى حجبها بمقولة «تصيّد العثرات»، وخصوصاً إذا كانت بهذا الحجم المذهل. نشاهد كوكبة من خمسة فرسان إفرنج «صليبيين» براياتهم وتروسهم الكبيرة المزيّنة بصلبان ضخمة وهم يقتربون من قلعة آلموت «عش العقاب»، معقل الفرقة الإسماعيلية النزارية، التي سمّاها المؤلف بالاسم الذي أشاعه الفرنجة لاحقاً «الحشاشين».تقع «قلعة آلموت» على مسافة 100 كم شمال طهران، في منطقة جبلية قاسية تغطيها الثلوج طوال سبعة أشهر في العام! فكيف تمكّن هؤلاء الفرسان الفرنجة من اختراق قلب العالم الإسلامي المعادي لهم والوصول إلى تخومه الشرقية الجبلية، ليعرضوا على زعيم متمرّد مسلّح في قلعته الحصينة أن يكون ولاؤه لملكهم مقابل دعمه عسكرياً، وكيف عادوا بسلام إلى باريس؟

كريم عبد العزيز في المسلسل

ثمة أيضاً أخطاء إخراجية فادحة منها أنَّ الطريق الترابي بين الجبال الذي سارت عليه كوكبة الفرسان ظهرت عليه آثار عجلات السيارات من عصرنا واضحة للعيان. وينقلنا مشهد آخر إلى الفرسان عائدين إلى بلادهم، بعدما استقبلهم حسن الصباح لدقائق ورفض عرض ملكهم، وأراهم قوّته بأن أمر أحد مقاتليه برمي نفسه من أعلى القلعة ليتهشّم جسده أمامهم! أما عودة الفرسان، فلن تكون إلى إحدى الإمارات الصليبية على الساحل الشامي كما يرجّح المنطق السليم بل إلى باريس عاصمة المملكة الفرنسية نفسها. ونفهم لاحقاً في الحلقة 12 أنّ هذا المشهد متأخر وجاء بعد انتصار النزارية على الجيش السلجوقي التركي ومزّقه شر تمزيق!
وباريس هذه التي ظهرت في المسلسل كقلعة في قمة جبال وعرة، لا علاقة لها بباريس القرن الحادي عشر التي عرفها العرب بعد قرون عدة من زوال النزارية باسم بَرْيش كما وردت في كتاب «رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب» للمغربي شهاب الدين الحجري ت 1640م، ولا بباريس المعاصرة التي تقع في منطقة مستنقعات (وكان اسمها الأقدم باللاتينية «لوتيس» من لوتيم «الطين» أي مدينة الطين) على ضفاف نهر السين ولا ترتفع عن سطح البحر أكثر من 35 متراً. فهل هذه هفوات صغيرة يمكن التسامح معها؟

توظيف الحدث التاريخي في إسقاطات راهنة
إنَّ الإشكالية التي يثيرها المسلسل باتت واضحة، فهو يستلهم الحدث التأريخي الحقيقي الخاص بالحركة الإسماعيلية النزارية، وبتركيز أكثر على قائدها حسن الصباح، لكنه لا يطابق الحيثيات التأريخية بدقة، بل ينتقي منها ما يشاء ويرويه بالطريقة التي يشاء خدمةً لإستراتيجيته التأليفية الإسقاطية.
من هنا يدخل العمل الدرامي في باب البروباغندا الإعلامية الحكومية الهاجية للمعارضين، وخصوصاً الإسلاميين (الإخوان المسلمين) كما نجد مثالها في أعمال فنية نمطية من قبيل «الإرهاب والكباب» و«الإرهابي»، وفي مسلسلات استخباراتية من قبيل «القاهرة كابول» و«هجمة مرتدة» وفي مسلسلي «الاختيار» بأجزائه الثلاثة حول الأحداث التي تلت الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، واستعرض بطولات القوات الأمنية الحكومية ضد المعارضين من الإخوان المسلمين، ومسلسل «كلبش» بأجزائه الثلاثة، علماً أنّهما من توقيع مخرج «الحشاشين» (بطولة كريم عبد العزيز) بيتر ميمي.
من الواضح أنّ رواية أمين معلوف عن الحشاشين، وقبله رواية جرجي زيدان «صلاح الدين ومكايد الحشاشين»، والمسلسلين الأردني «سمرقند»، والمصري الحالي، يستلهمان مادتهما التأريخية في الغالب مما رواه ماركو بولو ومجايلوه الفرنجة بدليل تكرار بعض التفاصيل حرفياً مما لم يرد غالباً في السردية التراثية العربية، بل يتصادم معها أحياناً كما سنوثّق لاحقاً بالرجوع إلى ابن خلكان وابن الأثير وابن كثير والمقريزي...إلخ.
الرواية الثانية هي رواية اليوغوسلافي بارتول «قلعة آلموت» الصادرة في ثلاثينيات القرن الماضي، وتأثرت كما يبدو بأقاصيص ماركو أبولو، لكن ليس كما فعل معلوف وآخرون. فبارتول مثلاً لم ينشغل كثيراً بقصة علاقة الطفولة والشباب بين حسن الصباح والوزير السلجوقي نظام المُلك، والشاعر عمر الخيام، فمرَّ عليها بشكل عابر. أما الحشيشة، فقد جعل بارتولُ حسنَ الصباح يقدم أقراصها بنفسه لمقاتليه ثم يأمرهم وهم «مسطولون» بالانتحار ليلتقوا حبيباتهم بعد الموت، فينفذون أمره بلا تردد (ص 461)! وجمع عبد الرحيم كمال بين «الحشيشة» وبركة إمام النزارية في مشهد قد لا يخلو من الإسفاف (في الحلقة 8).
إن هاتين المعلومتين حول تعاطي الإسماعيلية النزارية للحشيشة أو القائلة بوجود علاقة طفولة وفتوة بين الشخصيات «التأريخية» الثلاث غير موثّقة تراثياً كما قلنا، فليس ثمة ما يؤكد العلاقة بين الثلاثة من تراث المعنيين الثلاثة ولم يرد ذكرها في أمهات التراث العربي الأشهر. مع ذلك، فقد جعل المؤلف من قصة أصدقاء الطفولة الثلاثة ثيمةً مركزيةً ومحوراً حَدَثيّاً رئيساً، رغم أنّ الفرق بين أعمارهم كبير ويصعِّب تصديقها؛ فالصباح ولِدَ عام 1037م، وولد الخيام بعده بعشرة أعوام أي في عام 1048، أما نظام الملك فولد قبل الخيام بثلاثين عاماً في 1018، فكيف يكونون زملاء على مقاعد الدراسة في طفولتهم أو فتوّتهم وشبابهم؟

ماركو بولو كمصدر أورومركزي
يبدو أنّ الشاب الإيطالي المغامر ماركو بولو صار أهم مصدر تأريخي غربي وبقوة الأورومركزية لا بقوة علمه، فلا علم لديه. أما المستشرق والباحث الروسي المتخصّص في الإسماعيليات إيفانوف (1886 - 1970)، الذي لم يذكر هذه الخزعبلات في كتبه، أو الباحث البريطاني برنار لويس (1916 - 2018) الذي وصف النزارية بأنها «فرقة ثورية»، فلا أحد من صنّاع الدراما العربية اهتم بهما، أو في الأقل وازن بين ما كتباه وما ورد في روايات ماركو بولو ومعاصريه.
إنّ مزاعم ماركو بولو بزيارة القلعة ووصفه لها في نصه «أسطورة الفردوس»، كيف كان حسن الصباح يخدّر أتباعه بالحشيشة وينقلهم إلى جنات خضر فردوسية تعج بالجواري الحِسان، وهو ما استنسخه مؤلف مسلسل «الحشاشين» حرفياً وخدَّر الفدائي سعد الذي سيقتل نظام المُلك ولكن في مشهد تخيلات التحشيش (الحلقة 12) هي مزاعم أسطورية فعلاً أو حكايات مختلقة. فقد كان عُمر ماركو سنتين (ولد عام 1254م) حين أحرق المغول «قلعة آلموت» وقضوا على النزارية عام 1256، وهو يزعم أنّه زارها عام 1273 أي بعد ربع قرن على سقوطها وتدميرها، فهل زارها حقاً أم أنه نسج هذه الأسطورة بالسماع من آخرين ممن سبقوه ومنهم القس الفلمنكي وليم ريبروك الذي زار المنطقة بين عامَي 1253 و1255؟ ثم، بعد سنتين على زيارة ماركو بولو المزعومة، قدَّم رسول الملك الإيطالي بارباروسا تقريره عن الفرقة النزارية «الحشاشين» عام 1175م، وفيه خزعبلات وأفعال لم يمارسها الشرقيون حتى في أشد أطوارهم بدائية ووثنية كحفلات زنا المحارم وشرب الخمور والمخدرات وأكل الخنزير! أم أنه استمد معلوماته مما كتبه رئيس أساقفة صور وليم تيري كما يخبرنا برنار لويس في كتابه عن الاغتيال عند الإسماعيلية النزارية؟ (ص 161). وأخيراً، يدحض الواقع الجغرافي والمناخي كلّ هذه الترّهات والمبالغات، فالقلعة تقع في منطقة جبلية قاسية تغطيها الثلوج طوال سبعة أشهر في العام كما أسلفنا، وهذا ما يجعلها جرداء غير صالحة لزراعة تلك الجنان الفردوسية المزعومة.

الاغتيالات السياسية قديماً
لا يمكن إنكار العنف الدموي الذي مارسته الحركات والفرق المعارضة في التاريخ الإسلامي ومنها الحركة الإسماعيلية بشتى فرقها، وقبلها الخوارج بكل فرقهم، فبلغ هذا العنف مستويات مذهلة. إذ أباحت إحدى فرق الخوارج «الأزارقة» قتل أطفال أعدائها. ولكنه عنفٌ ظل محكوماً بسقف القتال بالأسلحة البيضاء، ولم يكن يفوق عنف جيوش الدول والإمارات. ويبقى عدم إنكار الظاهرة وتحليلها داخل سياقها مشروعاً، أما استعمالها بشكل انتقائي للتبشيع والشيطنة ثم إسقطاها على حالات وأطراف معاصرة وخارج السياق، فأمر غير مشروع بحثياً ولا أخلاقياً، ولا علاقة له بعلوم التأريخ والآداب والفنون.
إنّ تركيز مسلسل «الحشاشين» على أسلوب الاغتيال السياسي الذي مارسه مقاتلو هذه الفرقة، يوحي كأنّهم اخترعوه ولم يسبقهم إليه أحد، وليس ممارسة شائعة تحفل بها أمهات الكتب التراثية ومن ذلك مثلاً: في صدر الإسلام، نسجل اغتيال كعب بن الأشرف وسلام بن أبي حُقيق وابن سنينة وعصماء بنت مروان، وفشلت خطة لاغتيال معاوية بن أبي سفيان. وفي العهد الراشدي، اغتيل سعد بن عُبادة والخلفاء عمر وعثمان وعلي. وفي العهد الأموي، اغتيل الحسن بن علي وعامل مصر مالك بن الأشتر. وهناك شبهة قوية في اغتيال الخليفة عمر بن عبد العزيز وكان أربعينياً بأتم صحته وذروة نشاطه المناوئ لأسرته الأموية.
في العصر العباسي، سجّلنا انفراد المأمون بالخلافة بمقتل أخيه الأمين، واغتال المأمون وزيره الفضل بن سهل بالسم. ويرجّح مؤرّخون مقتل الخليفة المتوكل بتدبير من ابنه المنتصر وحاشيته التركية. واغتيل المقتدر من قبل جنود بربر مغاربة يقودهم المملوك اليوناني مؤنس الخادم.
أما الاغتيالات التي نُسبت إلى فرق المعارضة المسلحة فكثيرة، واستهدفت خلفاء ووزراء وقادة عسكريين ورجال دين وحتى قادة معارضين، منهم أبو سعيد الجنابي زعيم القرامطة في البحرين. واغتالت النزارية الخليفة الفاطمي العاشر الآمر بأحكام الله عام 1130م. إذ ذكر المقريزي أنّ قتلته من «النزارية نقموا عليه لما كان من شقاق ما بين أبيه المستعلي بالله وعمه نزار على عرش الفاطميين بمصر». نلاحظ أنّ المقريزي (1364 - 1442م) يسمّيهم النزارية كغالبية المؤرخين العرب المسلمين وليس «الحشاشين»!

اغتيالات واتهامات وشكوك
وممن وصل إليهم فدائيو حسن الصباح، أو اتهموا باغتيالهم إلى جانب مُتَهَمين آخرين ذكرت المصادر التأريخية: اغتيال الوزير السلجوقي نظام المُلك، وابنه فخر المُلك بعده. ولكن ابن خلكان يشكّك في كتابه «وفيات الأعيان» بقتلهم نظام الملك، ويقول: «وقد قيل إنَّ السلطان ملكشاه قد دسَّ عليه مَنْ قتله حسداً له واستكثاراً لما بيده من الإقطاعات» (ج2/ ص 130). واتُهمت النزارية باغتيال السلطان السلجوقي ملكشاه بالسم في حملته على بغداد لطرد الخليفة العباسي المقتدي منها. وهذه هي الرواية التي تلقّفها مسلسل «الحشاشين»، ولكن ابن خلكان حين روى موت السلطان وأورد ما قيل عن سمّ وضع له، أورد معه خبر خلافه مع الخليفة فقال: «وكان الخليفة قد بايع لولده المستظهر بالله بولاية العهد من بعده، فألزم السلطانُ ملكشاه الخليفةَ أن يخلعه، فشقَّ ذلك على الخليفة، وجعل يصوم ويطوي، وإذا أفطر جلس على الرماد للإفطار، وهو يدعو الله سبحانه وتعالى على السلطان ملكشاه، فمرض السلطان في تلك الأيام ومات، وكُفي الخليفة أمره» (ج 5 ص 289). والأكيد أن ملكشاه لم يمت من دعاء المقتدي عليه فقط، بل الأرجح أنه مات في مؤامرة نفذها قصر الخلافة.
اتّهم بعض النقّاد صناع المسلسل بمحاولة تبرئة الوهابية من تبعات جرائم «داعش» و«القاعدة»، والقول بأن جذرها موجود في الإسماعيلية النزارية


كما اغتالت النزارية السلطان السلجوقي داود بتبريز عام 1143م. واغتالوا حاكم الري الأمير عباس عام 1146م، وكان متعصّباً ضدهم «قتل منهم خلقاً كثيراً، وبنى من جماجمهم منارة بالري، وحاصر قلعة آلموت، ودخل إلى قرية من قراهم، فأحرق كل من فيها من رجل وامرأة وصبي وغير ذلك» («الكامل في التاريخ» لابن الأثير). وقد قتلوه في بغداد أثناء زيارته للخليفة العباسي القائم ثأراً لجماعتهم، ولكن ابن الأثير ذكر أنّ السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه الذي كان في بغداد آنذاك، هو الذي أمر بقتله هو وعبد الرحمن طغايرك.
وتزايدت هجمات النزارية بعد وصول الداعية العراقي رشاد الدين سنان إلى قيادتهم في قلاع الشام، فاغتالوا حاكم الموصل السلجوقي مودود بن ألتونكتين عام 1113م في دمشق.
واغتالوا الكونت الإفرنجي الصليبي ريموند الثاني عام 1152م في طرابلس. وقاموا بمحاولتين لاغتيال صلاح الدين الأيوبي؛ كانت الأولى تحذيرية، وأصيب في الثانية بجروح طفيفة، فشنّ حملة تأديبية ضد قلاعهم الشامية.
في عام 1192م، تمكّن النزاريون من اغتيال ملك بيت المقدس المركيز مونفيراتو. وذهب بعض المؤرخين إلى أنّ صلاح الدين تعاون معهم في هذا الاغتيال. وما يُصعِّب تصديق ذلك اختلاف المؤرخين حول نتيجة حملة الأيوبي ضد قلاعهم في جبال الساحل الشامي.
واغتالوا أمير أنطاكيا وطرابلس ريموند بوهيموند في كنيسة طرطوس عام 1213م. ويُنسب إليهم اغتيال الخليفة العباسي المسترشد الذي أسره السلطان السلجوقي محمود بن محمد بن ملكشاه، ثم حُمل وحاشيته إلى مدينة مراغة من قبل مسعود بن محمد بن ملك شاه. وحين علم السلطان سنجر السلجوقي، وبّخ ابن أخيه على انتهاك حرمة الخليفة وأسره، وأمره بأن يطلقه، إلا أن الخليفة وجِدَ مقتولاً في خيمته ظهيرة اليوم التالي. واتهم السلاجقةُ الإسماعيليين باغتياله، أمر نفاه بعض المؤرخين وأكده آخرون. وذهب فريق ثالث إلى اتهام سنجر السلجوقي نفسه بتدبير الاغتيال.

شيطنة الإسماعيلية لتبرئة غيرهم؟
إن القول بشيطنة حسن الصباح لا يعني بالضرورة أنّه ملاك مسالم، مثلما لا يعني إنه وحش فريد بين سرب من الملائكة في هيئة سلاطين ووزراء وقادة جيوش وحركات معارضة مسلحة في ذلك العصر المائج بالعنف والحروب والثورات والغزوات والمذابح المتبادلة، بل يعني أن شخصية الصباح قد أُخرِجَت عنوةً لأغراض أيديولوجية وسياسوية معاصرة من سياقها الحقيقي. سياق قائد فرقة مسلّحة عقائدية معارضة إلى جانب غيرها لتكون نموذجاً فريداً وملعوناً في باحة الرجم والتكفير والتشهير. ومعها نقلت الحالة النزارية إلى سياق آخر لتتماهى مع حالات معاصرة كالإخوان المسلمين و«القاعدة» و«داعش». ومن النقّاد مَن اتهم صناع المسلسل بمحاولة تبرئة الوهابية من تبعات جرائم «داعش» و«القاعدة» والقول بأن جذرها موجود في الإسماعيلية النزارية وليس في الوهابية!

الاستشراق الاستعماري يرى «العنف الدموي الشرقي» لعنة ميتافيزيقيةً موجودة في طبيعة الإنسان الشرقي


وربما عبَّر الكاتب الأردني خالد عياصرة وآخرون غيره عن فكرة الإسقاط الأيديولوجي بشيء من المبالغة التي لا تخلو من قبس من الحقيقة حين كتب «لكنَّ المخرجَين الاثنين اجتمعا في إسقاط المسلسلين على الواقع مع العبث بالفكرة. إياد الخزوز (مخرج «سمرقند») الذي جاء مع بدايات الربيع العربي وجعل من المَدَّين التركي والفارسي الإيراني المهدّد الحقيقي للمنطقة من جهة وداعش ومثيلاتها من جهة ثانية، فيما اعتبر بيتر ميمي (مخرج «الحشاشين») الإخوان المسلمين المهدّد لاستقرار المنطقة باعتبارهم «الحشاشين الجدد/ مدونة الكاتب».

الخارج من بئر الظلام
من مشاهد شيطنة حسن الصباح الصريحة مشهد سقوطه في بئر حين كان طفلاً، وظهور شبح المرأة الغامضة وهي تخيّرهُ بين إنقاذه مقابل أن يخضع لمشيئتها... مشيئة «الشيطان الأنثوي المسلّح بالإغواء» في الأدب الذكوري الرجعي غالباً، أو أن تتركه في ظلمة البئر. وحين تسأله المرأة الشبح أن يختار بين النور والظلام، يختار الظلام فتنقذه، وتوصيه: «لو خيروك تقتل حسن علشان تعيش اقتلْ حسن»!
أي إن حسن الصباح كان شيطاناً ظلامياً منذ طفولته وما تبقّى تفاصيل! وبعدما اكتملت عملية شيطنة الصبّاح، يقترب المؤلف من تكفيره حين ينفي عنه حتى إيمانه بعقيدته الإسماعيلية ويتّهمه بتأسيس «شريعة جديدة لا حلال وحرام فيها» (الحلقة 12)، ويربط سلوكه وأفعاله الدموية بمصلحته الشخصية ومجده الفردي وحبه للسلطة، ويضع كلاماً بهذا المعنى على لسانه «ما فيش، إيمان، هو إيمان واحد بس.. إيمان بأيه؟ بحسن الصباح».
إنَّ فكرة إلصاق الكفر والعدمية بحسن الصباح والإسماعيلية عموماً ليست جديدة، بل هي مكرّرة في الإعلام الحكومي المعاصر. وربما وجد عبد الرحيم كمال توثيقها التأريخي في رواية اليوغسلافي بارتول الذي نقل عن شخصية غامضة ولا وجود ترجمة لها في كتب الأعلام العربية الإسلامية ولا أي توثيق، هو الداعية الإسماعيلي أبو نجم السراج قوله: «إن قصة الإمام علي والمهدي المنتظر ما هي إلا سراب نستهدف به المؤمنين الذين يبجلون صهر النبي ويكرهون الخلافة ببغداد... العقيدة ناقصة بالضرورة وليس بوسع أحد معرفة الحقيقة، ونحن لا نؤمن بشيء ونستطيع أن نفعل أي شيء» (ص 186).
إن الاستشراق الاستعماري يرى «العنف الدموي الشرقي» لعنة ميتافيزيقية موجودة في طبيعة الإنسان الشرقي، وأنّ الشرق أصيب بها لأنه حيّز جغرافي ديني ورث هذا العنف من كتابه المقدس. وهذه ترّهات عنصرية وغير علمية تنضح بالإسلاموفوبيا، وقد فنّدها مستشرقون غربيون منصفون كالمستشرقة البريطانية كارين آرمسترونغ في كتابها «حقول الدم: الدين وتاريخ العنف». أما الدراما العربية الخارجة من عباءة الإعلام الحكومي، فتعلّل هذا العنف المعارض بطموحات شخصية فردية لزعماء عدميين لا يؤمنون إلا بأنفسهم كـ «زعيم الحشاشين مخترع الاغتيال السياسي»، مكررةً اتهامات الحكومات الاستبدادية واستخباراتها لكل من يتمرد على ظلمها وفسادها؛ فمَن هم في السلطة اليوم يريدون احتكارها إلى الأبد، ويعتبرون كلَّ مَن يهدد سلطانهم مارقاً، متآمراً، حشاشاً، قاتلاً، عبثياً، كافراً خرج من بئر الظلام ولا يؤمن بحلال أو حرام بل بنفسه وبأطماعه في الحكم!

«الحشّاشين»:
س:21:15 على DMC
س: 21:15 على منصة Watch it
*كاتب عراقي