القاهرة | قبل أيام من بدء التصوير، حصلت سلمى أبو ضيف على دور البطولة في «أعلى نسبة مشاهدة» (15 حلقة ــ حصرياً على mbc و«شاهد») بعد اعتذار البطلة الأولى أسماء جلال لارتباطها بمسلسل آخر. لكن عارضة الأزياء والممثلة المصرية لم تهدر الفرصة، رغم أنها تقدم شخصية فتاة شعبية للمرة الأولى. هكذا، نجحت ونال العمل الدرامي من اسمه نصيباً.صحيح أنّ الوقائع التي استوحى منها صناع «أعلى نسبة مشاهدة» مضمون الحلقات شكّلت قضية رأي عام قبل نحو ثلاث سنوات، لكن هذا لم يمنع الإقبال الجماهيري على المسلسل لأنّه ببساطة اهتم بتقديم ما لم يره الناس في تلك القضية المعروفة بـ «بنات التيك توك»، وماذا جرى في بيوتهن وكيف وصلن إلى هذه الحالة.
قضية «بنات التيك توك» التي دخلت بعض المتورّطات فيها السجن، تتمثّل في استغلال بعض تطبيقات الإتجار بالبشر لفتيات حقّقن شهرة سريعة عبر التطبيق الذي كان حديثاً قبل خمس سنوات، وجذب شريحة عمرية صغيرة عبر تقنية صناعة الفيديوات الخاصة به غير الموجودة في فايسبوك أو تويتر أو غيرهما. أمر دفع عصابات إتجار بالبشر رقمية إلى استغلال الفتيات وتحويلهن إلى سفيرات للتطبيق بهدف جذب أكبر عدد من الباحثات عن المكسب السريع والسهل، حتى تدخّلت الجهات المعنية ونجحت في الإيقاع بمعظم هؤلاء وتوجيه تحذيرات شديدة للمجتمع والأسر المصرية التي لم تكن تعلم ماذا تفعل المراهقات بكاميرا الهاتف الذكي.
لم تبدأ المخرجة ياسمين أحمد كامل المسلسل (كتابة سمر طاهر) من لحظة الذروة، ولم تمنح القضية نفسها والتحقيقات المساحة الأكبر، بل ذهبت بعيداً إلى الفيديو الأول الذي يحوّل بطلة المسلسل «شيماء» إلى ترند من دون قصد، وما الذي يجري بعدها من صراعات متعدّدة الأطراف. أسرة منهارة اقتصادياً لا تنجح في السيطرة على بناتها. تغار «نسمة» (ليلى أحمد زاهر) من نجاح شقيقتها «شيماء» المفاجئ لأنّها هي التي سبقتها إلى عالم تيك توك. وهناك متربّصون من مديري أعمال ومالكي تطبيقات مشبوهة يريدون استغلال الترند. كل ما سبق صنع دراما مشوّقة بمستويات وخطوط متعدّدة، من دون أن يحوّلها إلى دراما وثائقية تربوية هدفها التحذير من الغوص في مستنقع تيك توك، إلى جانب إلقاء الضوء على كواليس عالم البثّ المباشر الذي يحقق مكاسب هائلة فقط عبر إغراء المتابعين أو الابتذال أمامهم.
صحيح أنّه لم يسبق لبطلتي العمل سلمى أبو ضيف وليلى أحمد زاهر أن قدّمتا شخصيات شعبية، لكنهما نجحتا إلى حدٍّ كبير في التجربة فيما كانت الانتقادات مرتبطة أحياناً بالمبالغة في نطق بعض الكلمات لتأكيد الشعبية أو في تعابير الوجه كما فعلت زاهر متأثرة بأداء بنات التيك توك الحقيقيات. عدا ذلك، صنع الثنائي علاقة تنافسية جيدة أمام الكاميرا جعلت الجمهور ينقسم بينهما، فيما أحيطتا بلفيف من الممثلين المخضرمين في مقدمتهم انتصار في شخصية الأم، وفرح يوسف (الأخت الكبرى)، وإسلام إبراهيم (زوجها معدوم الأخلاق)، إلى جانب محمد محمود الذي تألق في شخصية الأب المغلوب على أمره الذي فسرت شخصيته الكثير مما يحدث في عالم التيك توك الحقيقي في ظلّ انهيار سلطة الأب وصورته مادياً ومعنوياً.
لم تبدأ المخرجة ياسمين أحمد كامل العمل من لحظة الذروة


شهدت الحلقة الأخيرة الاستعانة بالممثل الكبير أحمد بدير في شخصية القاضي الذي اضطر لسجن «شيماء»، في رسالة مهمة تؤكد على أنّ الجهل بالقانون والتورّط في شبكات مشبوهة لا يعفي صاحب العلاقة من المسؤولية. رسالة موجهة في الأغلب إلى المتعاطفين مع الشخصيات الحقيقية الذين انتقدوا أحكام السجن وقتها، باعتبار المتّهمات فتيات صغيرات السن. وربّما تمثّلت أبرز رسائل المسلسل في لقطات ما بعد تتر النهاية حيث ظهر معظم الأبطال وقد عادوا إلى تيك توك، وتحوّلت «نسمة» لفيديوات حل مشكلات الجن، في الوقت الذي انخرط فيه خالها وزوج أختها في فيديوات مماثلة كأنّهم لم يتعلموا الدرس الأهم، هو أنّ النجاة تكمن في الابتعاد عن التطبيق نفسه الذي يوهم كل مستخدميه بأنّهم قادرون في أي وقت على تحقيق «أعلى نسبة مشاهدة».