لندن | «تأسف «غيرنيكا» لنشرها هذا المقال، وقد تراجعت عنه. سيتبع ذلك تفسير أكثر شمولاً». هكذا عنونت المجلة الأدبية الإلكترونية الصغيرة لكن المرموقة «غيرنيكا» صفحتها الرئيسة، ويخشى الآن أنّها قد تتوقف عن الصدور بعدما استقال 15 من محرريها المتطوعين احتجاجاً على مقال نشرته المجلّة في وقت سابق من هذا الشهر حول الحرب في غزّة، ورآه كثيرون منحازاً إلى السرديّة العبرية وغير لائق بتراث المجلّة التي تميل إلى اليسار. وقال مايكل آرتشر، مؤسس «غيرنيكا»، إن المجلة ستنشر تفسيراً للمسألة في الأيام المقبلة، لكن ذلك لم يحدث إلى الآن. وكتب آرتشر: «الوقت الطويل الذي نستغرقه في صياغة هذا البيان يعكس فهمنا لخطورة المخاوف التي أثيرت، والتزامنا الحاسم بالتعامل معها بشكل موضوعيّ». ومن المستقيلين ناشر المجلة المشارك السابق، مادهوري ساستري، التي وصفت مقال «من حواف عالم محطّم» للكاتبة الإسرائيلية جوانا شين بأنّه «اعتذار للصهيونية، ومحاولة للتخفيف من عنف الاستعمار ووقع الإبادة الجماعية في فلسطين»، داعية على موقع إكس إلى «مقاطعة ثقافية للمؤسسات الإسرائيلية».


وقالت ساستري إن نشر مقال تشين ينتهك روح المجلة «المناهضة للإمبريالية»، مضيفة أنّها «تشعر بالخجل الشديد لرؤية هذه المقالة في صفحات «غيرنيكا»، وأعتذر بصدق للكتّاب والقرّاء والمؤيدين الذين يشعرون بالخيانة بسبب هذا القرار المبهم» مطالبة باستقالة رئيسة التحرير جينا مور نجارامبي. وتتحدث تشين في مقالها، الذي ما لبث أن أزيل عن موقع المجلّة، عن تجاربها الشخصية (كإسرائيلية) في التعامل مع الفلسطينيين ومحاولاتها المزعومة لجسر الفجوة معهم، ومضت إلى الاستنتاج بأن جهودها لإيجاد أرضية مشتركة بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين تعثّرت بعد هجوم السابع من أكتوبر والحرب المستمرة على قطاع غزة، إذ لم يعد ممكناً أن تساعد الأطفال الفلسطينيين للحصول على مساعدة طبيّة بعد الذي قامت به «حماس» على حد تعبيرها. وأعادت مجلات ومواقع يمينية في الولايات المتحدة نشر المقال، ورأى بعضها أن تصرّف المحررين في غيرنيكا أشبه بـ «حرق كتب افتراضي»، و«قمع لحريّة التعبير»، و«عداء صريح للساميّة». ودافعت تشين عن «عالمها المحطم»، معتبرةً أنّ منتقديها «أساؤوا فهم مقاصدها» وأكدت أنّها تحادثت بشأن مضمون النصّ قبل نشره مع جينا مور نجارامبي، لكن أحداً من المحررين لم يتواصل معها منذ إزالته عن الموقع.
وكان عدد من محرّري «غيرنيكا» قد أعلنوا استقالتهم منها عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجاً على نشر المقال. وكتبت إبريل تشو، كبيرة المحررين، إن نص تشين «يفشل أو يتجنب عمداً تتبع شكل السلطة ـ في هذه الحالة ـ كقوة استعمارية إمبريالية عنيفة تجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم بشكل ممنهج وتاريخي». وذهبت إيشيتا مروة، التي استقالت من منصبها كمحررة للقسم الأدبي في «غيرنيكا»، إلى القول بأن نشر المقال جعل المجلة «ركيزة لاستعمار العرق الأبيض، وتلميعاً للشرّ الذي يتنكّر في زيّ الخير».
لكن المستقيلين تعرّضوا لانتقادات شديدة من قبل كتّاب وصحف اليمين الأميركي، ونشرت عدة مقالات في نقد خطوتهم، واتهموا بـ «الضمور الأخلاقي».
وتعكس أزمة «غيرنيكا» المستمرة توتراً غير مسبوق في المجتمع الأدبي في الولايات المتحدة والغرب عموماً بسبب الحرب التي يشنها الإسرائيليون على قطاع غزة. ويشعر مزيد من الكتّاب والأدباء الذين يمتلكون حداً أدنى من النزاهة الأخلاقية بالحرج من الإبادة الشاملة التي يتعرض لها الفلسطينيون بتغطية صريحة من حكومات الديموقراطيات الغربيّة، لكنّ المثقفين المتصهينين يسارعون إلى إشهار سلاح الاتهام بالعداء للسامية في وجه كل من يجرؤ منهم على انتقاد الكيان العبري أو حتى المطالبة بوقف المذبحة المستمرة منذ ستة أشهر.
وكانت «غيرنيكا» غير الربحية قد تأسّست في عام 2004 كتعبير لعدد من الفنانين والكتّاب عن مناهضتهم للحرب الأميركيّة على العراق، وأخذت اسمها من لوحة بيكاسو الشهيرة التي رسمها عام 1937 لإدانة قصف الفاشيست لمدينة غيرنيكا في إقليم الباسك.

* guernicamag.com