تصميم عبر الذكاء الاصطناعي (بينغ إيمج كريياتور)
لكن كيف يتم تدريب الـ (AI) أصلاً؟ في حالة الأنظمة المخصّصة لرسم الصور، دُرِّبت على عدد هائل من الصور ومعانيها. على سبيل المثال، إذا أردنا من الـ AI أن يرسم لنا صورة قطة على سطح القمر، يتوجب على الباحثين تدريبه على ملايين الصور لقطط، وملايين الصور للقمر. وهكذا لكل شيء آخر. بالتالي، نفهم أنه عندما دُرِّب «جِميناي» على صور البشر، كانت نسبة الناس من ذوي البشرة السوداء هي الطاغية خلال عملية التدريب. وعندما طلب منه المستخدمون رسم تلك الصور، كانت إجاباته صحيحة حسب المنطق الذي دُرِّب عليه، أي إن المشكلة هنا سببها بشري لا برمجي، تتعلق بنوع البيانات التي قدمت للـAI أثناء عملية التدريب. هو أشبه بطفل صغير ينمو وفقاً لمشيئة أهله وتدريبهم له على فهم العالم. وليس «جِميناي» وحده الذي اتُّهم بالميل إلى الليبرالية والقيم التقدمية أو «ثقافة اليقظة»، فـ «تشات جي بي تي» يواجه أيضاً اتهامات بذلك من أنصار الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب، وأنصار إيلون ماسك. وهذا ما دفع ماسك إلى إنشاء شركة Xai التي أطلقت في 8 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، نظام ذكاء اصطناعياً يُدعى «غروك» Grok، وصفه ماسك بأنّه «ذكاء اصطناعي مضاد لثقافة اليقظة».
دخول صراع الثقافات والقيم المختلفة إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي، يعود إلى سبب رئيس واحد يتمثّل في أن الطريقة التي يحصل فيها المستخدم على الإجابة تغيّرت. قبل أنظمة الـ AI، كان المستخدم يبحث عن جواب عن أسئلته على محرك بحثي مثل غوغل أو ياندكس، وتأتيه نتائج في مواقع إلكترونية تحوي معلومات تفيده في عملية بحثه عن إجابة، ويمكن له اختيار الإجابة من أي موقع إلكتروني يناسبه. لكن مع الـ AI، فإنّ النظام يقدم إجابة مباشرة إلى المُستخدم، تكون ضمن قالب فكري وسياسي وثقافي ينتمي إلى نفس بيئة مَن درّب النظام. ولهذا السبب، شعر أقطاب اليمين بأن عليهم دخول طفرة الـ AI وبناء أنظمة تقدم إجابات وتتواصل مع المستخدمين بالطريقة التي يفكرون هم فيها.
عالم الديجيتال منقسم
إذ ما نظرنا حولنا في عالم الأصفار والآحاد، نلاحظ أن الاختلافات السياسية والثقافية صارت جزءاً من الويب، بمعنى أن هناك منصات تواصل يمينية مثل X ومنصة GAB في مقابل منصات ليبرالية مثل تطبيقات شركة ميتا المتنوعة (فايسبوك، إنستغرام، ثريدز). ووصل الأمر إلى منصات عرض الفيديو. على سبيل المثال، فإنّ يوتيوب تحرسه قوانين مجتمع ليبرالية، في حين أن منصة «رامبل» Rumble تحوي كل الفيديوهات الممنوعة من العرض على يوتيوب لأسباب سياسية ثقافية. وإذا ما نظرنا إلى الصورة الكبيرة هنا، نجد أنّ المنافسة على عدد الناخبين باتت تعني المنافسة على عدد المستخدمين. وكل حزب أو فِكر، فَهم أن الاستقطاب في عالم اليوم صار يجري في العالم الرقمي الموازي. وفي الحقيقة، إن ما يحصل يمهّد بشكل غير مباشر لنسخة ويب جديدة، تدعى «ويب 3.0». مفهوم متصوّر يقول إن الويب الجديد لن يسمح بتركّز البيانات عند جهة واحدة، بل ستكون لا مركزية وموزعة حول العالم. وحتى منصات التواصل، لن تحكمها عقلية واحدة، بل ستكون مثل دولة فيدرالية حيث كل ولادة تحكمها قوانين خاصة بها.