خلال النصف الأول من رمضان، تابع جمهور الفضائيات التونسية مجموعة من الأعمال الدرامية والكوميدية التي كانت متفاوتة في مستواها الفني، لكن الأعمال التي لفتت الانتباه كانت قليلة قياساً بحجم الانتاج الرمضاني. التنافس انحصر بين ثلاث فضائيات أساساً وهي الوطنية الأولى المملوكة للدولة والقناتين الخاصتين «التاسعة» و«الحوار التونسي» في حين كان حضور بقية الفضائيات مجرّد تسجيل حضور مع أفضلية نسبية لقناتي «حنبعل» و«نسمة» الجديدة (تم اغلاقها لفترة بسبب مساهمة نبيل القروي المترشح الرئاسي السابق ورئيس حزب قلب تونس في رأس مالها).
في زحمة الانتاج الرمضاني، حاز مسلسل «حرقة 2» الاجماع الكامل بين النقّاد والعائلات التونسية. تابعت الأخيرة مأساة «الحرّاقة» التي تمثّل جرحاً دامياً منذ ثلاثين عاماً. ففي كل عام، يلتهم المتوسط مئات الشبان التونسيين الهاربين من حياة الفقر والبطالة والتهميش الحالمين بالجنة الأوروبية. تطّورت الظاهرة في السنوات الأخيرة لتتحوّل شواطئ الجنوب التونسي خاصة مدينتي صفاقس وجرجيس، إلى مركز استقطاب للشبان الأفارقة.
كشف هذا المسلسل في جزئه الأول العام الماضي والثاني هذا العام، عن العالم الخفي لتجارة البشر. فـ «الحرقة» لم تعد مجرد محاولة للهروب من واقع مؤلم إلى عالم أفضل، بل تحوّلت إلى تجارة تقودها المافيا الإيطالية بالاشتراك مع بعض الأطراف المحلية، والشباب الفقراء هم وقودها.
المسلسل الذي كتبه عماد الدين الحكيم وأخرجه الأسعد الوسلاتي، كان صرخة احتجاج على العلاقة المختلة بين الشمال والجنوب. غاص في معاناة العاملين في المزابل الذين تضطرهم قسوة الحياة إلى الهجرة الجماعية نحو إيطاليا.
كما تفوّقت الوطنية الأولى للعام الثاني أيضاً بسلسلة «كان يا مكانش» للمخرج الشاب عبدالحميد بوشناق. السلسلة تتناول العشرية الأخيرة في تونس بأسلوب هزلي تغلب عليه عوالم الفانتازيا والتخييل، وسجّلت السلسلة عودة نجم الكوميديا في الثمانينات والتسعينات منجي العوني.
كعادته، لم يخلف سامي الفهري صاحب قناة «الحوار التونسي» إثارة الجدل. ففي الأيام الأولى سجّلت المنصة التي أحدثها لبث المسلسلات التي ينتجها والحاملة لاسمه، أكثر من ثلاثة ملايين مشترك. كما حاز الجزء الثاني من الدراما الاجتماعية «فوندو» الذي تبثه قناة «الحوار التونسي» وأخرجته سوسن الجمني من بطولة النجم السينمائي المقيم في فرنسا نضال السعدي، على متابعة كبيرة رغم ما بدا عليه من مطّ وكان دون مستوى الجزء الأول.
لكن الجدل الكبير الذي لم يتوقف كان من نصيب مسلسل «براءة» (سيناريو واخراج سامي الفهري) الذي اعتبرته جمعيات نسوية لها حيثيتها في البلاد، دعوة صريحة لتعدّد الزواج الذي يجرّمه القانون التونسي بما يمثّل استهدافاً لمدنية الدولة وتمهيداً لأخونة المجتمع الذي تسعى إليه حركة «النهضة» ودعت إلى إيقاف المسلسل.
قائمة الأعمال التونسية الرمضانية ضمّت أيضاً أعمالاً أخرى منها مسلسل «حب ملوك» (اخراج التونسي نصرالدين السهيلي وانتاج تونسي جزائري مشترك) الذي بثتّه قناتا «حنبعل» التونسية و«النهار» الجزائرية. وقد أعلنت قناة «النهار» إيقاف بث المسلسل بسبب لقطة اعتبرتها «هيئة تعديل الاعلام السمعي البصري» في الجزائر خادشة للحياء. واعتذرت «النهار» للمشاهدين. بدورها، أوقفت «حنبعل» التونسية بث المسلسل في الحلقة العاشرة، لكن باستئناف بث المسلسل يوم الأحد في الجزائر، أعلنت «حنبعل» عن استئنافه أيضاً رغم أن اللقطة لم يكن فيها ما يمس الحياء!
وخلاف هذه الأعمال، نجحت السلسلة البوليسية «13شارع غاربلدي» التي يتقمّص فيها الوجه البارز في المسرح التونسي وقليل الظهور على الشاشة الأسعد بن عبدالله دور المفتش في شدّ الجمهور، بخاصة أن كل حلقة تتضمّن مسابقة من أجل اكتشاف القاتل. أما سلسلة الكاميرا الخفية التي بثتها كل الفضائيات تقريباً، فقد كانت على درجة عالية من الاسفاف والابتذال وغياب الخيال.