لم يعرف تاريخ التلفزيون التونسي جدلاً كالذي أثاره مسلسل «براءة» لسامي الفهري منذ حلقته الأولى في اليوم الأول من رمضان. إذ يواجه المسلسل الذي تبّثه قناة «الحوار التونسي» المملوكة لسامي الفهري والمنصّة التي تحمل اسمه، انتقادات كبيرة انخرطت فيها شخصيات وأحزاب وجمعيات بسبب ما أعتبره هؤلاء تطبيعاً مع «الزواج العرفي» وتعدد الزوجات. ظواهر انتشرت في تونس خلال عشر سنوات من حكم حركة «النهضة» الاخوانية رغم أن «مجلة الأحوال الشخصية» (آب/ أغسطس 1956) تجرّم تعدّد الزوجات والزواج على غير الصيغ القانونية المعروف بـ «الزواج العرفي». ووصلت الانتقادات لهذا المسلسل إلى حد المطالبة بتدخّل «الهيئة العليا للاعلام السمعي البصري ـ الهايكا» لإيقاف بث المسلسل. وفي هذا السياق، اعتبرت رئيسة «الاتحاد الوطني للمرأة» (1956) أكبر المنظمات النسائية وأعرقها راضية الجربي أن بث هذا المسلسل انتهاك لحقوق المرأة لما تضمّنه من خطاب تبريري للعنف وتحقير لها، إضافة إلى التطبيع مع الزواج العرفي وتعدّد الزوجات، وهي جرائم يعاقب عليها القانون التونسي. وفي السياق نفسه، طالب «الحزب الدستوري الحرّ» أقوى أحزاب المعارضة (امتداد لنظام بورقيبة وبن علي) بإيقاف بث المسلسل، معتبراً أنه تطبيع مع الواقع الجديد الذي أسّست له حركة «النهضة» التي سمحت بانتشار الزواج العرفي وتعدد الزوجات واستهداف للمكاسب التي حقّقتها مجلة الأحوال الشخصية للمرأة التونسية.
واعتبرت سلوى الشرفي الأستاذة في «المعهد العالي للصحافة وعلوم الأخبار» أن الخطاب الذي يروّج له المسلسل غير مقبول في تونس لأنه يتناقض تماماً مع البيئة التونسية. وتابعت: «لكل بلد خصوصياته الثقافية والقانونية، وما يسمح به في مصر مثلاً من خطاب روائي حول تعدّد الزوجات يعتبر جريمة دوس على القانون وإهانة كبرى للمرأة في تونس». وأضافت: «لذلك لا أضع خطاب هذا المسلسل في خانة الإبداع وحرية الفكر والتخيّل. إنه جريمة تماماً مثل مشهد اغتصاب مجسد بكامل تفاصيله وإن كانت النية تتجه نحو التنديد به».
ولم يتوقّف الجدل طيلة أربعة أيام الأولى من رمضان حول هذا المسلسل الذي يعود به سامي الفهري بعد غياب عن الاخراج وبعد أشهر قضاها في السجن بسبب شبهات فساد مالي في علاقة بنظام بن علي واستغلاله لإمكانيات مؤسسة التلفزة التونسية في آخر عهد بن علي وما زالت هذه القضايا محل تحقيق قضائي.