إنّها لفكرة ذكية أن يحوّل أحدهم مسلسلاً أميركياً أو غربياً بالعموم عُرض مراراً وتكراراً إلى عملٍ عربي! فتخيلوا مثلاً أن نشاهد مسلسل كــ Breaking Bad في سياق ولسان عربيين، فنرى والتر وايت، بطل المسلسل، يصرخ ويقول: «أنا يلي بحكي هون ولك» بدلاً من جملته الشهيرة I am the One who Knocks، أو يزرع الحشيش باستخدام بيوت بلاستيكية مثلًا أو تقنية يعرفها هو بوصفه مهندساً زراعياً مثلاً بدلاً من صنع مادة الميثيلامين بحكم عمله كمدرس لمادة الكيمياء. ففي هذه الحال هناك احتمال كبير جداً أنّ المشاهد العربي سيحب العمل حتى وإن جاء ضعيفاً وغير مقنع من ناحية الحبكة مع شخصيات عبارة عن نسخ نمطية مكررة مأخوذة من المجتمع الغربي، ببساطة لأننا كمشاهدين سبق وأن شاهدنا العمل من خلال أعمال أخرى سابقة وأحببناه وذاكرتنا خزّنت تلك المشاهد. لذا على الأرجح سيُعجب المشاهد المتعطش لأي عمل يحكي لغته وينقل صورته وهويته بالعمل بشكل لا واعٍ وقد يقدم تبريرات كثيرة منطقية أو غير منطقية لذلك. هذا بالضبط ما قامت به المخرجة الأردنية تيما الشوملي في مسلسل «مدرسة الروابي للبنات» (تأليفها وشيرين كمال) الي يُعرض على نتفليكس منذ الثاني عشر من آب (أغسطس). يتألف الموسم الأول من المسلسل من ست حلقات ويحكي قصة مريم المراهقة التي تتعرض للتنمر داخل مدرستها، فيصبح الإنتقام هدفها الأول. ستّ حلقات عبارة عن مشاهد نمطية اعتدنا عليها في كثير من المسلسلات الأميركية التي تجري أحداثها داخل المدارس الثانوية، كفيلم Mean Girls (2004) للمخرج والمنتج والسناريست الأميركي مارك واترز الذي تظهر فيه شلة من الفتيات يسمين أنفسهن The Plastics تماماً كما فعلت الشوملي مع شلة The popular Girls في مسلسلها. وبعيداً عن القصة، المشاهد نفسها مكررة؛ من مشهد العراك الذي يُظهر عنفاً لا تستخدمه الفتاة في العادة، كالركل على الظهر، مشهد تسريب التسجيلات الصوتية واستخدام مكبر الصوت ليسمع كل من في الباحة ماذا تتكلم الفتيات المتنمرات، مشهد تمزيق دفتر اليوميات الخاص بالضحية وتوزيعها على الفتيات، مشهد الخطة التي ترسمها الضحية وتعلقها على الجدار، مشهد الفتيات يلعبن كرة السلة... كلها مشاهد باتت مستهلكة لكثرة تكرارها في المسلسلات الأميركية التي تتطرق لموضوع التنمر أو لحياة المراهقين في المدارس الرسمية. لا تقلد الشوملي مسلسلاً أو عملاً محدداً لكنّها عمدت إلى تفريغ ما خزّنته ذاكرتنا عبر السنين من المسلسلات الأميركية حداً جعل من مسلسل كـ «مدرسة الروابي للبنات» مجرد كليشيه إلى أقصى حدٍ ممكن. حتى الشخصيات التي يتمحور حولها المسلسل عبارة عن صور نمطية، وكان ذلك ليكون مقبولاً وربماً محبباً لو أنّ العاملين على المسلسل انتقوا شخصيات نمطية من مجتمعنا العربي وبالتحديد من بلد المسلسل الأردن، بدلاً من طلب شخصيات «سريعة وجاهزة» من المدارس الأميركية؛ شخصية الـ Emo مع مجموعة الصفات التي ترتبط بها لناحية اللباس وسماعات الأذن ونوع الموسيقى الصاخب وبالطبع قربها من الضحية وانتقالها إلى المدرسة في منتصف العام، الفتاة الممتلئة التي لا تتوقف عن الأكل وعدم ارتياحها مع جسدها وصداقتها مع الضحية أيضاً على اعتبار أنهما من الشخصيات المهمشة، الفتاة المغرورة المتسلطة التي يجب أن يكون والدها ذائع الصيت أو يشغل منصباً مرموقًا حتى يكتمل ال؟ـ Package الخاص بالشخصية، وغيرها الكثير طبعاً.
يبدأ المسلسل بمشهد تعرُّض مريم للضرب العنيف من قبل شلة The popular Girls، ما يستوجب نقلها إلى المستشفى وتدخّل المدرسة والأهل. وهنا تبدو ركاكة النص واضحة جداً، حين يقرر صنّاع المسلسل أنّه ما من داعٍ لنعرف كمشاهدين كيف تعامل الأهل مع مريم. اقتصرت المعالجة هنا على مشهد واحد تظهر فيه أم مريم غاضبةً على ابنتها معتبرة أنّها «فضحتها» والسبب أنّ الفتيات في المدرسة شهدن على أنّها كانت «تبصبص» على ليان المتنمرة. الأب واسى الأم المفجوعة بسبب «الفضيحة» وترك ابنته الخارجة للتو من المستشفى ومن صدمة نفسية عنيفة تصارع وحدها. كيف اقتنعت الأم بهذه السهولة؟ لِم لمْ تدافع مريم عن نفسها أمام أمّها أو لم لم تشكو لأبيها؟ أين دور الأب الذي بدا في مشهد سابق متفهماً حنوناً يصنع المعكرونة بانتظار وصول زوجته من العمل؟ ما الذي جعل أصلاً من مريم شخصية معرضة للتنمر؟ كل ذلك كان على المشاهد إمّا أن يحزره بنفسه أو يتغاضى عنه، مكتفياً بصورة فنية تسرّ الناظرين؛ الفتيات الجميلات، الديكور الفخم، المناظر الطبيعية، مبنى المدرسة ولونها الزهري، وغيرها من الصور، وفخره بمشاهدة مسلسل عربي على منصة أميركية. وطبعاً كل ذلك غير منطقي وغير مفهوم على الإطلاق، وإن كان المقصود إظهار الفجوة بين الأهل والفتيات في مثل هذه السن، فكان من الأجدى تخصيص عدد أكبر من المشاهد، خاصة وأنّ المسلسل يعالج أو «يتطرق» على الأقل لموضوع التنمر وهو موجه بشكل محدد وخاص لفئة «المراهقين»! وفي مشهد آخر، نرى مريم تجلس أمام المعالجة النفسية، تسألها الأخيرة أسئلة سطحية جداً تنتهي بإعطائها دواء لم نعرف ما اسمه ولِم تم إعطاؤه لها ومم يعالجها بالضبط! ما تشخيص حالتها ولِم وصلت بها الحال إلى تلك الحبوب؟ وهنا السؤال: هل من السليم المرور على مشهد كهذا مرور الكرام؟ وإن كان أحدنا مراهقاً يتعرض للتنمر وصدف أن شاهد المسلسل، فما الذي عليه أن يستنتجه؟ أن ثمة دواء سحرياً يمكن اللجوء إليه؟
بالنسبة للأداء ومستوى الممثلين، كان يمكن لممثلات يافعات كجوانا عريضة ونور طاهر وأندريا تايه وسلسبيلا أن يقدّمن أداء أفضل بكثير لو وُضع بين أيديهن حوار مقنع ومتماسك أكثر، ومع ذلك يمكن القول بأنّ أداءهن جميلٌ وجيد. ربما المشهد الأخير كان صعباً على نور طاهر، فلم تبدُ مقنعة في مواجهتها لأخيها الذي كان يُشهر مسدساً بوجهها ويريد قتلها. اختيار ممثلين من الفئة العمرية التي يحكي عنها المسلسل نقطة اضافية ومساعدة في الوقت نفسه تُحسب للمسلسل. ركين سعد لديها تجارب سابقة في التمثيل وبدت مقنعة جداً سيما في مشهد التحرش وهو المشهد الأقوى والأصدق في المسلسل كلّه. أمّا إخراجياً، فقد استخدمت تيما الشوملي أدواتها وخبراتها كمخرجة لجذب المشاهد منذ اللحظة الأولى. كلّ مشهد يراكم على المشهد الذي قبله ما يجعل المسلسل ممسوكاً وشيقاً إلى آخر لحظة. كما أنّ مشاركة المخرجة في الكتابة ساعدها لا شك على تقديم مسلسل ناجح إخراجياً.
في المحصلة، يمكن القول إنّ المسلسل ينقصه الجهد لا الإمكانيات، الأصالة وليس الإبداع، وقبل هذا وذاك ينقصه النص. لذلك، فإنّ الإشادة بالمسلسل من منطلق تصنع الإيجابية نظراً للشحّ الشديد في الأعمال الدرامية الأردنية ظلمٌ للمشاهد الأردني بالدرجة الأولى، وظلمٌ بحق الدراما ودور الثقافة على حدٍ سواء!