رغم أن التغيير الحكومي الذي جرى أمس في سوريا كان بسيطاً جداً، ولم يطل سوى بضعة وزراء مع الإبقاء على الحكومة كما هي، إلا أنه بدا واضحاً بأن مجرد إقصاء مسؤولين أمعنوا في استفزاز الشعب السوري، سيكون سبباً كافياً لبهجة طائلة! هكذا، لم تكن الليلة الماضية عادية بالنسبة للعاملين في المجال الإعلامي السوري.. لا لشيء سوى أنّ التشكيل الحكومي الجديد أقصى وزير الإعلام عماد سارة ليحلّ بديلاً عنه بطرس الحلّاق. الرجل الأكاديمي، وأستاذ كلية الإعلام الذي شغل مناصب عديدة في جامعة دمشق، قد يعتقد بعضهم بأن الفرحة العارمة التي غزت صفحات عدد كبير من السوريين بالأمس، كانت سببها وهم عصا موسى التي يأمل الصحافيين أن يمتلكها وزيرهم الجديد، لكن الواقع يشي بأن التغيير في منظومة الإعلام السوري، وإجراء تعديلات في طريقة عمله، وصيغة منجزه، ولو كانت طفيفة، مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد! ربما بسبب قرار خفي يريد إبقاء الإعلام السوري غارقاً في تخلّفه!البهجة التي تسيّدت الفايسبوك إذاً، مرّدها الخلاص النهائي من وزير أجهز على ملامح الأمل المتبقية في المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة، واشتغل على مدار سنوات بأسلوبية شخصنة الأشياء، والتحكم بالقرار الإعلامي بمفرده، عدا عن تحويل بعض المدراء لواجهة هلامية أعتى صلاحياتها، توقيع البريد بعد إطلاع الوزير على كلّ صغيرة وكبيرة ولو من خارج اختصاصه، إضافة إلى تهديد مواقع إلكترونية بإقفالها في حال تناولته مقالات الرأي فيها، إلى جانب استقدام دخلاء على صاحبة الجلالة بذريعة أنهم مقرّبون منه، وإقحامهم في هواء التلفزيون الرسمي ببرامج مبتذلة ومتهاوية مهنياً. أضف إلى ذلك أنه أطاح بالمنجز الإعلامي الرسمي شبه الوحيد، وهو إذاعة «سوريانا» التي بناها الصحافي وضّاح الخاطر برموش عينيه، مع فريق شاب وعصري ومتمكّن. أقال الخاطر وشتت الفريق لتصير الإذاعة تباعاً مثل كلّ المفاصل الإعلامية المحلية المتهالكة. آخر خطايا الوزير المقال كانت اللقاء التلفزيوني الذي أجرته المستشارة الرئاسية لونا الشبل على الفضائية السورية، واستفزّت فيه عموم من تبقى في سوريا. حينها كان سارة يقبع في الكونترول مشرفاً على ما يحصل من كارثة إعلامية، وهي سابقة في تاريخ المحطات السورية!
كلّ ذلك حصل في وقت منح فيه سارة صلاحيات واسعة، ومنعت جميع الجهات الأمنية وغيرها من التدخل في طريقة عمله، لكنّه طوّع نفوذه بطريقة مغلوطة، وطبّق قاعدة تفي وضع الشخص عديم الكفاءة والموهبة في المناصب الإعلامية الحساسة!
إلى جانب عشرات التعليقات التي وصل بعضها إلى حدود التشفّي والشماتة من الوزير السابق، خرجت أصوات هادئة، طوت صفحة الماضي سريعاً، موزّعة جرعات تفاؤل عالية بالوزير الجديد، وسرعان ما بدأت بتقديم اقتراحات يجب معاينتها في حال كان لدى الوزير رغبة في العمل الجماعي الحقيقي، طالما أن البيوت مهما ترنّحت، تجرّب العناية بحدائقها الأمامية، والإعلام هو واجهة البلاد: إن لم تتوهّج، لن يكون هناك أمل في نجاة قادمة!