على مشارف نهاية العام المنصرم، شهدنا نفضة شكلية في البرامج السياسية على القنوات المحلية. تغيّرات حاولت كسر نمط برامج الـ «توك شو» السياسية، وأدخلت عناصر جديدة عليها. نتحدث هنا عن عامل الجمهور الحاضر في الاستديو، والاستعانة بخبراء وصحافيين، وعن أشكال أخرى كالمُناظرة على سبيل المثال. بعيد مغادرة مارسيل غانم لقناة lbci وانتقاله إلى mtv مع برنامجه «صار الوقت»، طُرح اسم ألبير كوستانيان كبديل له على شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال». وبعد فترة انتظار فاقت الثمانية أشهر، أعلنت المحطة عن برنامجها الجديد «رؤية 2030» (رئيسة التحرير: ريما عساف، إخراج: ليال الآغا)، الاسم الذي بطبيعة الحال يحيلنا إلى خطة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لعام 2030. منذ ثلاثة أسابيع، انطلقت الحلقة الأولى وكنا أمس مع الحلقة الثالثة من البرنامج. ترتكز صيغة «رؤية 2030»، الذي يجمع السياسة والثقافة والاقتصاد، إلى رؤية مستقبلية للبنان والعالم العربي، من خلال استقبال ضيوف وخبراء يستشرفون المستقبل، ويحاولون توصيف الواقع الحالي بكل تشعباته.
في الحلقات الثلاث التي توزعت فيها القضايا والطروحات، تنوّع واضح في المواضيع التي تخص عالم الاستراتيجيات والتخطيط والسياسات العامة. من «كيف ننقذ لبنان؟»، عنوان الحلقة الأولى التي تنقلت بين ضيوفها لتتحاور في السياسة والثقافة والاقتصاد، إلى «مؤتمر سيدر» (الحلقة الثانية)، فـ«صفقة القرن» التي كان ضيفها الأساسي رئيس «الحزب الاشتراكي» وليد جنبلاط، قبل أن يطل ضيوف آخرون.
في مجمل هذه الحلقات، ساد الهدوء على الطاولة رغم وجود أطراف سياسية وفكرية متنافرة في ما بينها. من اللافت مثلاً أن نرى مواجهة لطيفة بين المسرحية اللبنانية نضال الأشقر والرئيس التنفيذي لمجموعات «ساتشي» إيلي خوري، أو الزميل ابراهيم الأمين متواجهاً مع النائب السابق فارس سعيد. استجلاب ضيوف من مشارب أيديولوجية مختلفة، يبدو أنّه لم يعد أمراً مخيفاً تلفزيونياً، لا سيّما مع الإثبات بأنّ المسألة سهلة التحقيق ما دام السقف مضبوطاً ولا نية على الإطلاق لدى المحاور أو القائمين على البرنامج لافتعال أو تأجيج أي خلاف بينهم.
إلى جانب هذا الرهان الذي طال انتظاره على الشاشات في البرامج الحوارية، بدا كوستانيان رجلاً هادئاً ومستمعاً جيداً لضيوفه. يطرح الأسئلة، ويترك النقاش دائراً بين الأطراف، ويعرف متى يتدخل. لكن بالطبع يحتاج إلى مزيد من التمرّس في هذه اللعبة والإمساك أكثر بمفاصل الحوار والتقاط لحظاته لبلورته أكثر.
أداء كوستانيان استبعد المقارنة بينه وبين سلفه (مارسيل غانم)، فيما ترافقه سلسلة التقارير المشغولة على طريقة الغرافيكس، والتي تضم معلومات معمقة، وتتكئ إلى دراسات وأرقام، تقدّم بطريقة مبسّطة للمشاهد.
في حلقة الأمس، استطاع «رؤية 2030» كسر الأحادية في اختيار الضيوف، خصوصاً لناحية ما يسمّى بـ «الصف الأوّل». على خلاف ما جرت العادة في الفترة الأخيرة على إفراد مساحة خاصة للضيف «البارز»، صوّرت الحلقة هذه المرّة من «بيت بيروت» (سوديكو)، وأتى جنبلاط المسكون بالهاجس الأمني إلى هذا المكان، وعاد وتحاور مع كل من الصحافيين جهاد الزين وسام منسّى.
في المحصلة، سعى البرنامج للخروج عن المألوف وكلاسيكيات الحوار السياسي اللبناني، عبر طرح إشكاليات إقليمية ودولية، قد لا تهم المشاهد اللبناني وتمسّ يومياته وأحواله، غير أنّه من المفيد تقديم تجربة مختلفة، تستند إلى لغة الأرقام والمعطيات وحتى الآراء المتقابلة حول ملفات المنطقة، بكل هدوء وبعيداً عن أي «أكشن»، أو دخول في متاهات «الرايتينغ».