القاهرة | للمرة الثانية على التوالي، خلت نتائج انتخابات الصحافيين المصريين من فوز أي مرشحة بعضوية مجلس النقابة. وعلى الرغم من أن قوائم الترشيح لم تخلُ من متنافسات سبق لإحداهن الحصول على عضوية المجلس، إلا أن نتيجة الانتخابات جاءت «رجالية» تماماً، ولم يشفع للمتنافسات وجود المئات من الأصوات «النسائية» بين الناخبين. أصوات كانت لتزيد كثيراً لو كان للمواقع الإلكترونية- التي لم يسمح القانون بعد بضم صحافييها إلى النقابة- الحق في التصويت.ربما لا يسمح مستوى «حرية» الصحافة المصرية هذه الأيام بنقاش نتائج انتخابات مجلسها ـ التي أجريت الأسبوع الماضي ـ من زاوية السياسة. وقد يكفي القول بأنه مناخ خلا من «معركة» انتخابية حقيقية كالتي قد يتيحها هامش أكبر من حرية التعبير. غير أن ما لا يمكن دائماً تحليله سياسياً قد يمكن تأمّله اجتماعياً أو جندرياً. فهذه المرة، لم يستمر فقط خلو موقع النقيب من الوجود النسائي كما هي الحال منذ لحظة التأسيس قبل ثمانية عقود، بل خلا المجلس أيضاً –وهو أمر مستجد- من أي وجود نسائي. يستحق ذلك الالتفات إليه، نظراً إلى أن انتخابات نقابة الصحافيين كانت تاريخياً وما زالت «حرة» تعبّر نتائجها عن تصويت أعضائها بنزاهة. ومن ثم، فإن عدم استطاعة دخول العنصر النسائي إلى مجلس النقابة لدورتين متتاليتين هو أمر يستحق القلق.

داريو ـ المكسيك

إضافة إلى مقعد النقيب الذي يجري عليه الانتخاب كل عامين، يتكون مجلس نقابة الصحافيين من 12 مقعداً يتم تجديدها «نصفياً» كل سنتين، أي أن عضو المجلس يقضي في مقعده ضعف مدة النقيب قبل أن يخوض انتخابات جديدة. هكذا، فإن خلو نتائج «تجديد نصفيّ» واحد من فوز أي مرشحة لا يثير سوى نصف القلق. أما خلو تجديدين متتاليين على مدار أربع سنوات، أي كما حدث في تجديد 2017 ثم 2019، فيثير كامل القلق: سيخلو المجلس -فضلاً عن السنتين الماضيتين- لمدة عامين قادمين على الأقل، من أي عضو من الصحافيات.
ولا يبدو ذلك الغياب عشوائياً بل يمكن ربطه بعوامل مصاحبة، قد تكون هي السبب أو لا تكون لكنها تستحق الدراسة. على سبيل المثال، حققت الصحافية عبير سعدي أعلى الأصوات، مما سمّي وقتها «اكتساحاً» في انتخابات مجلس 2011 بعد «ثورة يناير» مباشرة. وفي انتخابات التجديد التالي، فازت وانضمت إلى المجلس حنان فكري، وهي ليست سيدة فحسب، بل قبطية أيضاً. هكذا ضم مجلس 2013، عضوين جعلتا من المجلس أكثر تنوعاً، فاز بمقعد النقيب آنذاك ضياء رشوان، ذات الرجل الذي ربح انتخابات الأسبوع الماضي. في المرتين، لم يخض رشوان منافسة قوية واستطاع أن يربح بحوالى ثلثي الأصوات، لكنه خسر مرتين أيضاً، أمام المخضرم مكرم محمد أحمد قبل «ثورة يناير»، وأمام «نقيب الاستقلال» يحيى قلاش في 2015، بشكل عام. وعلى الرغم من أن عملية التصويت بحدّ ذاتها نزيهة وبإشراف قضائي، إلا أن دعم الدولة لأحد المرشحين، عن طريق حشد صحافيي المؤسسات الحكومية أو منح مزايا لمرشح معين، عادة ما يحسم مقعد النقيب.
ضم مجلس 2013، عضوين جعلتا من المجلس أكثر تنوعاً


ليس الحشد الحكومي ببعيد عن مسألة الغياب النسائي عن المجلس، فكأن ثمة علاقة أو «أضراراً جانبية» تنشأ عن ذلك الربط. فالغياب النسائي السابق في 2017 تواكب مع حشد واضح للمرشح عبد المحسن سلامة مدير تحرير ثم رئيس مجلس إدارة «الأهرام»، ضد المرشح يحيى قلاش. انعكس الحشد في أرقام من شاركوا في التصويت وقد تعدوا أربعة آلاف صوت أي أكثر من 50 % من النصاب القانوني. تكرر الحشد نفسه بانخفاض طفيف في انتخابات الأسبوع الماضي التي فاز بها ضياء رشوان الذي لا يقدم نفسه بوصفه «مرشح الدولة»، لكنه يشغل بالفعل منصباً حكومياً هاماً هو رئاسة هيئة الاستعلامات. في كلا الحشدين، 2019 مع رشوان و2017 مع سلامة، خلت النتائج من فوز أي عنصر نسائي. أما حين غابت الحشود في الانتخابات السابقة، واقتصر التصويت على ما بين 2000 و3000 صوت، أي ما بين حوالى %25 إلى أقل من 40% من إجمالي الناخبين، فقد «تسللت» المرأة، إلى داخل مجلس النقابة. ذلك أن الحشد يرفع عدد الأصوات اللازمة للفوز (احتاج رشوان «المستقل» إلى 1300 صوت فقط لربح مقعد النقيب في انتخابات 2013 ذات الحضور المتوسط، بينما احتاج رشوان «الحكومي» الأسبوع الماضي إلى 2800 صوت، أكثر من الضعف، لربح المقعد ذاته). إلا أن الحشد الحكومي يؤتي ثماره «للمحشود» من أجلهم، بينما ـ كما اتضح ـ لا يطيح ذلك الحشد بالمرأة فقط (لم تفز حنان فكري رغم تحقيقها نفس الأصوات تقريباً التي ربحت بها في انتخابات 2013، ولا حتى من حققن أرقاماً أعلى منها)، بل يؤثر كذلك على ترشح المستقلين القادمين من خارج المؤسسات الكبرى، لكنه حديث آخر.