كان قراراً صائباً أن يمتنع الأطراف المعنيون بقضية جورج زريق (زوجته وعائلتها، أو المدرسة) عن الظهور التلفزيوني، ويدخلون في بازارات «برامج الإثنين». ومع ذلك، حطّ اسم جورج زريق ضيفاً أوّل على هذه البرامج أمس. الرجل الذي أضحى قضية رأي عام، بعدما أحرق جسده احتجاجاً ويأساً من امتناع مدرسة طفليه عن إعطائه إفادة مدرسية. دوّن ناشطون اسمه على جدارن «وزارة التربية»، ومُنح وسام الشهادة، فيما أضحى جورج الأكثر تداولاً على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الجمعة الماضي. أمس الإثنين، كنّا على موعد مع منازلة قامت بها هذه البرامج، التي تناولت قضيّته، وتسابقت على قطف «سكوب». زاد الأمر تعقيداً، الغياب العمدي لأسرته عن الظهور التلفزيوني. ومع ذلك، لم يسلم جورج حتى في قبره، من كل هذا النبش في حياته الخاصة. كنّا نظن أنّنا أمام صورة يتيمة تجمع جورج بابنته الصغيرة. صورة «السلفي» الشهيرة التي تداولها الناشطون على نطاق واسع، لم تكن الوحيدة، إذ نشر برنامج «بدا ثورة» (mtv ــ تقديم غادة عيد) أمس صوراً خاصة تجمعه بزوجته وابنته، بالإضافة إلى مقطع صوتي له (على واتساب) يكشف فيه نيّته بيع كليته قبل يوم من إحراق جسده. «شو بتنفع المحطات تتسابق على مين بدو يستقبل أهل جورج زريق؟». سؤال ردّدته غادة عيد في مقدمة تدين «تخدّر» الناس، و«جشع المؤسسات الدينية»، ولفتت عناية مشاهديها إلى أنّه هذه الليلة لن يكون هناك «حكي الصالونات» في برنامجها، أي إنها لن تعمد إلى الأسلوب الكلاسيكي في تناول القضية. والسبب هو غياب أي طرف للمحاورة أو المساجلة على الهواء، فالتجأ «بدّا ثورة» إلى «تسجيلات حصرية» لجورج، يعبّر فيها عن ألمه ونيّته بيع جزء من جسده قبيل إحراقه في اليوم التالي. ربّما كان الأمر أفظع ضمن برنامج «طوني خليفة» على «الجديد». تمثّل الأمر بداية بالإعلان الترويجي على صفحته، والذي يعد فيه المتابعين ببث شريط يعود إلى زريق لحظة إضرام النار بنفسه، مذيّلاً بكلمة: «ولعانة». وأقرن هذا التعليق بـ «إيموجيز» النار. من دون شك، يثير الإعلان الامتعاض والنقمة على هذا البرنامج الذي يحاول جذب الأنظار من خلال استغلال قضية جورج واللعب على النار التي سببت في موته، واستخدامها في بث أجواء الحماسة لدى الجمهور! صحيح أنّ الشرائط لم تعرض بطلب من عائلة زريق، لكن خليفة قدّم شرحاً تفصيلياً للمحتوى. أعطى مقدّم البرامج اللبناني معلومات مؤلمة عن اللحظات الأخيرة لجورج، قبيل سيره نحو حتفه الذي اختاره، مع طرح سؤال لا لزوم له حول إذا ما كان أضرم النار عمداً أو كان يلوّح بذلك، ولم يستطع في ما بعد السيطرة عليها!
خصّ شقيق الضحية شكري زريق «طوني خليفة» بمشاركة سرد فيها قصة شقيقه الراحل. بدا الضيف شبه مخدّر، إذ لم يتفاعل كما يجب مع كلام خليفة الذي حاول تقمّص محامي الدفاع عن المدرسة، عبر القول إنّ الأخيرة كانت متساهلة مع جورج، وأعفته من الأقساط واكتفت بأخذ «مبلغ رمزي» مقابل القرطاسية والباص. أضيف هذا الكلام إلى مجموعة تسجيلات صوتية لجورج عُرضت على الهواء توثّق لحظات تفاوضه مع المدير.
في المحصلة، لم يكن جديداً على الإعلام اللبناني التعاطي مع ملف إنساني على هذا النحو. وفي ظل التناتش على «الرايتينغ»، أضحى كل شيء مباحاً حتى المتاجرة بالقضايا الحسّاسة، واستباحة حيوات الناس الخاصة، ونشر صورهم أمام المشاهدين. والأقسى ربّما فتح سجالات لا طائل منها، وحفلات من التأويلات حول أسباب انتحار جورج زريق، وأمور خاصة أخرى بات استخدامها اليوم مباحاً ومشرّعاً!