فجأة من دون مقدمات، قرر الإعلام المرئي اللبناني أن يسهم في الإجهاز على ما تبقى من قيمة عميقة، وذائقة رفيعة، وسوية رزينة لدى المشاهد العربي، من خلال استضافات دورية مطوّلة لمنجّمين ودجّالين وبائعي وهم على شاشاته! مهمة هؤلاء الأولية هي تعبئة ساعات الهواء، وخاصة في مناسبات من شاكلة ليلة رأس السنة، ومن ثم استقطاب أكبر عدد من المتابعة بذريعة اللعب على الفضول. هكذا، تعرّفنا على ليلى عبد اللطيف وعدد من مشتقاتها الذين تنبّأوا بأحداث وأخبار، وأسهموا في تكريس تفاصيل محددة وفق منطق مرسوم مسبقاً. طبعاً «المأجورية» لجهات سياسية عرفت عن المنجمين عبر التاريخ. وسط هذه المعمعة التي ثبّتها الفضاء اللبناني، قررت قناة «سما» السورية التقليد الأعمى والدخول على الخط ذاته من خلال استضافة المبصّر مايك فغالي لكي يقول في ليلة رأس بما معناه إن «سوريا ستصبح أعظم دولة في التاريخ خلال وقت قياسي» مدعّماً حجّته ببرهان الطقس المبهرج، والمفردات الغرائبية مثل العصا، ونظرة العينين، واللباس الكوميدي، وبهارات شكلية متعددة. كلّ ذلك ليس مستغرباً طالما أن التلفزيون لا يتعدى عن كونه وسيلة للتسلية والترفيه. لكن المفارقة أن «وزارة الثقافة السورية» قررت الدخول على خط الهزل ذاته، ودعت فغالي ليلقي محاضرة في «المركز الثقافي العربي» في دمشق بعنوان «الصمود السوري أنموذجاً»! (الساعة 18:00 من مساء يوم الغد السبت) لم تكتف الوزارة بذلك، بل منحت قارئ الفنجان اللبناني مرتبة الدكتوراه في الطاقة حسب بطاقة الدعوة والبرنامج الشهري للمراكز الثقافية. طبعاً الدعوة كانت كفيلة بانفجار غضب السوشال ميديا، وعدد كبير من الصحافيين والأكاديميين والأستاذة الجامعيين، الذين عبروا عن آرائهم بلغة متهكمة وساخرة من الحال المزرية التي وصلت إليها الثقافة السورية ونشاطاتها. سرعان ما جرّبت «وزارة الثقافة» مداراة الخطأ الفادح وامتصاص الغضب الشعبي العارم من هذه الهفوة المشينة، فأصدرت تصريحاً يفيد بأن «سعادة الوزير ومعاونيه ليس لديهم أدنى معرفة عن هذا النشاط، كما أنه لم تطبع أي بطاقة دعوة حتى الآن، والموضوع مجرّد اجتهاد فردي من مديرة المركز الثقافي سيتم التعاطي الإداري اللازم معه»؟!