مَنْ مِنَ السوريين لا يتذكّر المذيعة ماريا ديب، وبرنامجها التلفزيوني «ما يطلبه الجمهور»، أشهر برنامج إهداءات الأغاني الذي سبقها إلى تقديمه: مهران يوسف، فريال جلال وفاطمة خزندار، لكنّه أصبح علامة مسجّلة باسمها منذ أواخر السبعينيات حتى 2005.
أكثر من 27 عاماً كانت خلالها «أم عمّار» كما يحلو لأجيال ما قبل التسعينيات مناداتها؛ رسولة الحب التي تنقل أمنيات المحبين، وتبارك بالخطوبة، الزفاف والمواليد الجدد... يومها كان لأغنية «وحياة قلبي وأفراحو» وقع خاص تكتمل معه فرحة نيل الشهادات المدرسية والجامعية.
خلال تلك السنوات، قرأت مئات آلاف الرسائل السابقة لعصر الفايسبوك، وتلقت مثلها وأكثر من الاتصالات الهاتفية من سعيدي الحظ الذين كانوا يفرحون بأن خط الهاتف الأرضي «علّق» معهم، ليهدوا أحبتهم البعيدين أو القريبين أغنية موقّعة بصوت «الست أم عمّار».
بهجة ما بعدها بهجة، تلك الساعة الأسبوعية التي كان ينتظرها آلاف السوريين مساء الخميس، قبل نشرة الأخبار، على شاشة القناة الأولى، بالتوازي مع إعادة إنتاج البرنامج بصياغة أكثر معاصرة، مع انطلاقة «الفضائية السورية»، منتصف التسعينيات، تحت عنوان «أغاني عالهوا».

استضافة المذيعة ماريا ديب
في «نبض العاصمة»

شعب واحد، أرض واحدة، شاشة تلفزيون واحدة، تطل عبرها سيدة الأمنيات ماريا ديب، كل خميس. حنينٌ طاغٍ إلى بساطة ذلك الزمن في بلدٍ مثخنٍ بجراح الحرب، والفرقة، نجحت إذاعة «شام إف إم»، في التقاط نبضه، عبر حلقةٍ خاصة من برنامج «نبض العاصمة»، كرّس معظمها لتبادل السوريين إهداءات الأغاني، على طريقة «ما يطلبه الجمهور» قدمتها «أم عمّار»، بالشراكة مع مقدّم البرنامج عطية عوض.
لم يستهلك البرنامج (إعداد رنيم خلّوف وإخراج سعد السوّاس)؛ وقت المستمعين بحوارٍ مع المذيعة العتيقة، بل كرّس معظم وقته لتلقي الاتصالات وتبادل الإهداءات بصوت ماريا ديب، في لفتةٍ ذكية كان لها وقع السحر على مستمعي الإذاعة. ربّات بيوت سهرن حتى منتصف الليل لأجل صوتها، واستعادة ذكريات سنواتٍ طويلة تسمّرن خلالها أمام برنامجها. شباب وشابات لم يعاصروا البرنامج، لكنّهم كانوا مصرّين على تحيتها، واختبار ممارسة طقس جميل، شكل ذكريات آبائهم، وربما أجدادهم.
«ما يطلبه الجمهور» السوري اليوم، لم يغب أيضاً عن بال ماريا ديب، فأزمات الكهرباء، والغاز، كانت حاضرةً، إذ خصص الجزء الأخير من «نبض العاصمة» لسؤال بعض مسؤولي هذه القطاعات، عن آفاق حلولٍ قريبة، بعد وعودٍ انتزعتها «أم عمّار» منهم، من دون أن تنسى إهداءهم الأغاني، والأمنيات.
اختتمت الحلقة بشهادة ممثلين عن ثلاثة أجيال من رفاق الدرب في مبنى الهيئة العامّة للإذاعة والتلفزيون، المذيع جمال الشيخ بكري، المعدة وفاء الآغا، ومديرة قناة «سوريا دراما» رائدة وقّاف. ذاك المبنى الذي كان يناديها معظم العاملين فيه من الأجيال الجديدة «ماما»، بعد 42 عاماً قضتها في التلفزيون السوري، كبيرة مذيعات، ومقدمة برامج، كـ«مجلة التلفزيون»، «ليالينا»، «ألوان»...
عند سماعها لشهادات رفاق الدرب، ذرفت «أم عمّار» دمعة قالت إنها «دمعة فرح»، متمنية أن يغادر الحزن قلوب السوريين؛ «الشعب المحب جداً، الذي لا ينسى».