غزة | «يمّا لو تشوفيه بخوّف يا حبيبي، يا رب تجيهم صواريخ من عند إسرائيل». بصراخ مدوٍّ هزّ جدران محكمة الصلح في رام الله، قالت رسيلة عوض والدة الصحافي المعتقل في سجون السلطة، محمد عوض، تلك العبارة المؤلمة. قسوة الأخيرة لم تُقَس بميزان غياب الصحافي عن ناظرَي أمّه لأكثر من شهر، بقدر ما قيست بميزان التعذيب الشديد الذي نال من جسده في سجن أريحا (الأخبار 11/5/2015)، بعدما رأته هزيلاً شاحباً، كأنّ طيف الموت يحوم حوله.
صورة يتيمة جمعت الأمّ بابنها شقّت طريقها إلى الضوء، بعدما خرجت بسلام من بين أيدي عناصر الأجهزة الأمنية في المحكمة التي مدّدت مجدداً اعتقاله لمدّة 15 يوماً بحجّة استكمال التحقيق.
في زمن «عنتريات» الأجهزة الأمنية، تصبح هذه الصورة التي التقطت حضناً خاطفاً بين الأمّ وابنها، أداةً لمواجهة السلطة التي تستكثر على الفلسطينيين العيش والفرح في كنف أهاليهم، خصوصاً أنه كان يُفترض أن يُزفّ عوض إلى عروسه في نهاية هذا الأسبوع، وقدمت شقيقتاه من الأردن استعداداً لذلك.
احتفلت الأجهزة الأمنية بزفاف عوض على طريقتها الخاصة: لم تترك شيئاً إلّا وجرّبته على جسده، إذ أخبر أمّه أنّه يتعرّض للصعق بالكهرباء ليلاً نهاراً. ورغم أنّ «حقل التجارب» هذا لم توّجه له المحكمة أي لائحة اتهام رسميّة حتى اللحظة، إلا أن الناطق باسم الأجهزة الأمنية، عدنان الضميري، أسقط عليه تهمة جاهزة، وهي «نقل أموال إلى حركة حماس التي تعتبر محظورة إرهابياً».
حاولت عائلة عوض التحايل على هذه المكيدة التي حُبِكت لنجلها عبر تقديم أكثر من خمسة طلبات إخلاء سبيل له بكفالة، آخرها الأربعاء الماضي باسم خطيبته، غير أن جميعها قوبلت بالرفض من قِبَل المحكمة.
وبحسب صديقه الصحافي معاذ حامد، فإنّ عوض الذي اعتقل سابقاً في سجون الاحتلال، تعرّض خلال مسيرته لمضايقات كثيرة من الأمن، بل تخرج من الجامعة بعد تأخّر ثلاث سنوات بسبب هذه الاعتقالات المتتالية. «إنتو شرطة دايتون، هاي السلطة سلطة إسرائيل. وين الصحافيين وجماعات الديمقراطية وحقوق الإنسان؟».
هذا التساؤل الذي طرحته والدة عوض كان فعلاً في محلّه. لم ينتفض لقضية ابنها سوى عدد قليل من الصحافيين الذين نظموا وقفة احتجاجية أمام المحكمة الخميس الماضي، مطالبين بالإفراج عن زميلهم ووقف سياسة الاعتقال على خلفية الرأي والتعبير.
ومن باب التندّر والسخرية المرّة، قارن الفلسطينيون بين تعامل السلطة معهم ومع عدوّهم. بينما كانت الأجهزة الأمنية الفلسطينية تعيد الإسرائيليين التائهين في شوارع الضفة سالمين إلى منازلهم، تنقلب المعادلة عند الجانب الفلسطيني، إذ تخطف الصحافيين من حضن أهاليهم وتزّج بهم في سجونها. فوق ذلك، تتفنّن في تعذيبهم وسط تحرّكات خجولة من نقابة الصحافيين الفلسطينيين التي تحوّلت إلى جسم ميت، حيث يبدو أنّه «ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ»!


https://www.facebook.com/ShehabAgency.MainPage/videos/vb.179609608748134/1082108351831584/?type=2&theater


https://www.facebook.com/mai.marie88/videos/10207039856774572/?pnref=story