ضمن فعاليات «الملتقى الدولي للفنون السورية المعاصرة»، سيكون الجمهور على موعد مع إعادة لعرض «فوق الصفر» للمخرج السوري أسامة حلال. العرض قدّم سابقاً على خشبة مسرح «بابل» في بيروت عام 2014، وشارك في «أيام قرطاج المسرحية» في تونس العام الفائت، ومهرجان «رقص على الحافة» في هولندا، يعود اليوم ليحطّ رحاله في «دوار الشمس» في بيروت. عن تجربته مع هذا العرض، تحدّث أسامة حلال لـ «الأخبار» شارحاً ظروف إنتاجه، التي ترافقت مع العيد العاشر لمؤسسة «المورد الثقافي» التي تقدّمت بمنحة لإنتاجه، بالتعاون مع مؤسسة «آفاق»، و«المجلس الثقافي البريطاني»، و«تماسي»، و«غوته». وجد حلال هنا فرصة للتعبير عن وجهة نظره حول الأحداث التي تمرّ بها المنطقة، «كفنان أنا بحاجة للتفاعل مع الأحداث، فنحن جزء ممّا يحدث، وعلينا أن نقدم وجهة نظرنا» يقول أسامة الذي وجد في «فوق الصفر» فرصة لدعوة فنانين مستقلين «بمعنى عدم تبعيتهم لأي مؤسسات سواء خاصّة أو عامّة» للعمل معه وفق رؤيته للممثل المسرحي، الذي يفترض أن يتقن مختلف أنواع الأداء الجسدي والصوتي.
لكن ثمّة ما يميّز «فوق الصفر» عن غيره من العروض، والتمايز هنا لن يكون فنياً أو تقنياً، بقدر ما هو درجة كبيرة من التماهي بين حكاية العرض وأجوائه، والظروف الحياتية لمن عملوا فيه منذ قدّم للمرة الأولى. العرض الذي يروي المأساة السورية بأسلوب تمثيلي موسيقي راقص، ويتحدث عن الحرب والعنف والخوف والنزوح، وجد معظم أعضاء فريقه أنفسهم عرضة لتلك المفردات. منهم من هاجر، ومنهم من نزح أو انزوى، ما جعل مخرج العمل أمام تحدّ جديد في كيفية إعادة تقديمه للعرض: «كنت أمام خيارين. إمّا أن أكتفي بالعروض التي قدّمت سابقاً، أو أقرّر إعادة التجربة مع أشخاص جدد». ذهب حلال إلى الخيار الثاني، ليجد نفسه أمام أسئلة جديدة تتوالد من طبيعة اللاعبين الجدد على الخشبة، ما يعني كمّاً أكبر من البحث والجهد، لمحاولة خلق قيمة مضافة إلى العرض.
لا يجد حلال اختلافاً بين ما تعرّض له الفنان السوري نتيجة الحرب، وما أصاب أصحاب المهن الأخرى، فالجميع كانوا ضحايا ويلات الحرب، وخسروا أماكن عملهم، ما دفعه إلى قبول التحدّي مع خسارته شرط مكان العمل المسرحي الذي اعتاده في دمشق، وبالتالي محاولة إيجاد البديل له في بيروت. ويشير هنا إلى أنّ بيروت مدينة محفّزة على العمل، رغم الصعوبات التي تفرضها على العمل الفني والثقافي. من هنا لن يكون مستغرباً أنّ العرض القادم من «فوق الصفر» سيكون بجهد كثير من الشبان اللبنانيين، الذين وجد فيهم مخرج العمل طاقة كبيرة، وهموماً إنسانية مشتركة: «لا تعنيني الهوية أو الجنسية. الفن عمل مقاوم، والهم الإنساني هو ما يجمعنا. اختلافنا مع الآخر هو اختلاف أخلاقي بمعزل عن هويته وطائفته وجنسيته». ويبدو أنّ إيمان حلال بهذه الفكرة دفعه للتفكير بإنجاز مختبر مسرحي مع مجموعة من الفنانين اللبنانيين، فحصل على منحة من مؤسسة «اتجاهات» ضمن برنامج «ابتكر سوريا» للبدء بإنجاز مختبر «تكوين» الذي يعتبر فريق «فوق الصفر» نواته، ويحرص حلال على أن تستمر بالعمل لإنجاز مشاريع أخرى في المستقبل.
إذا كانت الحروب قادرة على إقصاء الفنون أو إبعادها عن المشهد لصالح أعمال العنف والدمار، فإنّ المسرح هو الأداة الفنية الأكثر مقاومة للحروب. بينما تحتاج السينما والدراما زمناً طويلاً لإنتاج مواضيعها عن الحرب بشكل ناضج، يحضر المسرح في زمن الحروب كفعل إنسانيّ يبتكر صياغات جديدة لإنسان الغد. وهذا ما يوافق عليه حلال حين يقول: «سحر المسرح هو في قدرته على تصوير الراهن، والحدث لحظة وقوعه. أهم النظريات المسرحية وجدت في زمن الحروب. كذلك، كتب بريخت مسرحاً في زمن الحرب، وأنتج زياد الرحباني أهمّ أعماله المسرحية في زمن الحرب».

* «فوق الصفر» لأسامة حلال: 19:00 مساء 18 نيسان ــ «مسرح دوار الشمس» ـ للاستعلام: 01/391290