شئنا أم أبينا، فإن «أشكال ألوان» محطة أساسيّة، كي لا نقول تأسيسيّة، في مسار الفن المعاصر في لبنان… بعد مبادرات رياديّة سابقة، جاءت هذه الجمعيّة، بإدارة كريستين طعمة، لتكرّس حالة إبداعيّة مغايرة، ولترعى تجارب ومقاربات نظريّة واتجاهات فنيّة، بديلة، ولتحتضن ولادة جيل جديد خارج على الأدوات والأنواع والقوالب والسرديّات كما أنتجها ومارسها جيل الحرب الأهليّة ومن سبقه… هكذا ساهمت طعمة مع مجموعة الفنانين والمنظرين الذين التفّوا حولها، في وضع الحجر الأساس لحركة ستجعل من بيروت، شيئاً فشيئاً، منصّة عربيّة وإقليميّة وعالميّة للفنّ المعاصر.
بدأت المغامرة في التسعينيات، لكنّنا نشعر بأن دهراً انقضى. تجارب كثيرة نضجت، وأحداث عبرت، وتقاليد وممارسات أرسيت، وأفرزت لغتها ومصطلحاتها الخاصة، وصراعات فكريّة ترسّخت، وأسماء فرضت حضورها محليّاً وعالميّاً، ووجوه أصغر سنّاً بدأت تطلّ، في مجالات إبداعيّة تتجاوز الفنون البصريّة والمشهديّة والحركيّة والأدائيّة… إلى الكتابة نفسها والتفكير والتعبير. ثم أرست «أشكال ألوان» منذ عام ٢٠٠٢ ملتقاها الشهير «أشغال داخليّة» الذي ارتفع الستار مساء أمس عن دورته السابعة، قبل أن يصبح للجمعيّة مقرّها ومدرستها في جسر الواطي. ومع أن وقت جردات الحساب لم يحن بعد، في بلد الجزر والغيتوات المختلفة (إيديولوجيّة، اجتماعيّة، طبقيّة، ثقافيّة وسياسيّة…)، بلد الحروب الدائمة الذي لا يسمح بالنقد والحوار والتفاعل وإعادات النظر ـــ ما يجعل من الصعب تحديد مدى ترسّخ هذه الممارسات في التربة الثقافيّة المحليّة ـــ فإن منتدى «أشغال داخليّة» بات اليوم، بلا شك، مؤسسة راسخة تصنع الحدث، ولها وجوهها وفنانوها ومفكروها وخطابها وضيوفها وأجنداتها وجمهورها.
برنامج هذه الدورة حافل، مع مشاركة ملحوظة لـ«أشكال ألوان» في الإنتاج. يقترح عروضاً ومعارض وندوات ومحاضرات من تونس والمغرب إلى… إسبانيا واليابان. ويعيد إلينا وجوهاً اشتاقت إليها المدينة: أكرم زعتري، وليد صادق، مروان رشماوي، ربيع مروّة، علي شرّي، أحمد غصين، لميا جريج، هيثم ورداني، منيرة الصلح، خليل رباح، جنى طرابلسي، تمارا السامرّائي وخالد ملص… كما يستقطب المنتدى ـــ بفضل شهرته وشبكة علاقات مديرته ـــ مجموعة من أشهر قيّمي المعارض ومديري المتاحف حول العالم. ويروى أن مديرة غاليري شهيرة في بيروت، قررت عدم المشاركة في «فنّ أبو ظبي» هذا العام مع ما يستتبعه هذا القرار من خسارة ماديّة، كي تبقى هنا في قلب الحدث، وعند تقاطع اللقاءات والتفاعلات. بين معرضين مهمّين: «عن الماء وإكليل الجبل والزئبق»، و«كيف يبدو الأمل ما بعد الأمل (عن الاستلاب البنّاء)». لو أن كريستين طعمة لم تربح إلا رهاناً واحداً، لكان هذا الرهان.