تلقّى المحامي اللبناني المعروف نبأ رحيل زميله الفرنسي، فسارع إلى التغريد على تويتر: «مات فيرجيس؟؟؟ أظنّه سيعلن الاستئناف». لكن لا، المحارب العجوز لم يستأنف الحكم هذه المرّة، لقد قرّر أن الوقت حان كي ينسحب هو الذي يبرمج عادةً مبادراته بالدقّة نفسها التي يختار بها كلماته. عاشق الدفاع، كما كان يقدّم نفسه، ومحامي القضايا العادلة، أو المستعصية، والشخصيّات الملعونة في نظر المرحلة، بقي طوال حياته المهنيّة يثير الجدل ويطرح الأسئلة على النظام المهيمن حول مفهوم الجريمة، واشكاليّة العدالة.
لقد شكّل حالة خاصة في المشهد السياسي والقانوني والثقافي، ليس فقط في فرنسا وأوروبا، بل أيضاً في العالم الثالث والعالم العربي الذي رافق نضالاته ودافع عن قضاياه. دافع عن المناضلة الجزائريّة جميلة بوحيرد التي هرّبها من قفص الاعدام أيّام الاستعمار الفرنسي إلى عش الزوجيّة، وعن أنيس النقّاش، وصولاً إلى جورج عبد الله الذي رحل قبل أن يحرّره من الاختطاف الجائر في سجون الاشتراكيين الفرنسيّين.
أمّه فيتناميّة ووالده من جزيرة ريونيون الفرنسيّة، ويعترف بأن أصوله ساهمت في جعله مناضلاً ضدّ الاستعمار، ومحامياً للقضايا العادلة أو الاشكاليّة. إنّه بكلّ الأحوال عاشق الكلمات المنمّقة والاستشهادات الجميلة والمرافعات البليغة والمتع المرفّهة والأفكار النبيلة، امتلك مخزوناً فكريّاً وثقافيّاً يوازي احاطته بعلم القانون وفلسفته. حياته ألهمت باربيت شرودر فيلماً بعنوان «محامي الرعب». وضع كتباً عدّة أبرزها «الوغد المضيء»، و«جمال الجريمة» و«قاموس العدالة العاشق». في سنواته الأخيرة، انتقل من قوس المحكمة إلى خشبة المسرح، مؤكّداً على تلك العلاقة الوثيقة بين الفضاءين، ليتناول تجربته في عرض «سفّاح المرافعات» Serial plaideur. لحظات نادرة من الاحتفاء بالمنطق والذكاء والثقافة، ومخزون معرفي مدهش، وفيض من الاحالات الأدبيّة والفلسفيّة والفنيّة، واستحضار لمحطّات صارت جزءاً من تاريخنا المعاصر… كان للجمهور اللبناني حظ مشاهدته في بيروت، ضمن سلسلة نظمها ميشال الفتريادس بعنوان «غير لائق سياسيّاً».
فيرجيس مالئ الدنيا وشاغل الناس، صاحب نظريّة «استراتيجية القطيعة»، المحامي السجالي المتشبّع بروح العدالة، المدافع عن الثوّار والمناضلين، وأيضاً عن شخصيّات إشكاليّة مثل المجرم النازي كلاوس باربي، مات أوّل من أمس، وهو يهمّ بتناول الطعام، في الغرفة نفسها التي مات فيها فولتير...

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@