قد يشفع للكثير من أهالي طرابلس عدم معرفتهم بأوسكار نيماير، أن «معرض رشيد كرامي الدولي» الذي صمّمه، هو في الأساس منسيّ بالنسبة إليهم وعبارة عن مساحة شاسعة من الأرض لا يفهمون الفائدة من وجودها. وفي رحلة البحث عن نيماير في طرابلس، الكثير من الفكاهة التي لا تخلو من الإبداع الذي يشبه تصاميم نيماير، وإن كانت ممزوجة بأسى عن حال هذه المنشأة التي بدأت تتآكل مبانيها وتذوب صورتها من الذاكرة. مَن صمّم «معرض رشيد كرامي الدولي»؟ يجيبنا صاحب أحد محلات الإكسبرس بكل ثقة «الرئيس الشهيد رشيد كرامي. ما واضحة من اسم المعرض». نحاول تغيير أسلوب طرح السؤال، لربما يكون اسم نيماير مألوفاً للبعض أو علق سهواً في الذاكرة. نستفهم من مجموعة من الشبان في مقهى إن كانوا يعلمون من هو أوسكار نيماير، فيجيب أحدهم مستفسراً: «هل هو برازيلي؟». وبمجرد أن يتأكد من صوابية تشخيصه، يحسمها بأنه حتماً «بيقرب نيمار»، نجم كرة القدم البرازيلية.من النادر أن تجد في شوارع طرابلس من يعرف من هو أوسكار نيماير. أما القلة التي صادفناها التي تدرك من هو، فمعلوماتها عابرة لا تتعدى معرفتها عنه بأنه مصمّم «معرض رشيد كرامي الدولي»، من دون أي اطلاع كافٍ بفنه وخصوصية تصاميمه. وردة الفعل الأولى التي تشاركها كثر ممن شرحنا لهم عن هوية الرجل كانت «أفففف، أفففف»، وكأنهم لا يصدقون أن الدولة اهتمت يوماً بهذا القدر بطرابلس واختارت أن تميّزها بمعرض بهذا المستوى ومن تصميم معمار عالمي.
صدمة سرعان ما تتبدى وتتحول إلى هزة كتف ولا مبالاة كتعبير عن الاعتياد على المشاريع الفاشلة في طرابلس. لا جديد تحت سماء عاصمة الشمال. حتى أن تحسّر أهلها على مصيرها أصبح متوارثاً وأسطوانة تردّد نغمتها الألسن بشكل شبه آلي ومتشابه، ما أفقد غضبهم زخمه، إن كان لا يزال هنالك من غضب متبقٍّ.
«لا ندري إذا كان هناك من يتعمّد إيذاء طرابلس وإبقاءها ضيعة باسم مدينة، أم هو الحظ العاثر الذي يجعل كل مشروع يصل إليها، يتردّى بين التسويف والمماطلة، إلى أن يوأد ويوارى الثرى قبل أن يبصر النور». هذا الكلام ورد في صحيفة «الحضارة» الطرابلسية في عددها الصادر في 13 آذار (مارس) 1960 حيث وُصف المعرض بـ «النائم». وفعلياً، لا يهم تاريخ هذا الكلام. ففي طرابلس الزمن يدور في مكانه. ما تسمعه اليوم، سبق أن قالته أجيال وقد تكرره أجيال أخرى مستقبلاً. روتين!
لم ينتظر الطرابلسيون الدولة لتشغيل المعرض، فالبعض وجد دوراً وظيفياً بديلاً للمعرض. باسيل روادي تعلم «قيادة الدراجة الهوائية والسيارة في أرجاء المعرض، نظراً إلى مساحاته الشاسعة والخالية. كذلك كان المعرض متنفّساً رياضياً لأصدقائي ولي وللكثير من الناس. بعضهم يلعب كرة القدم، وبعضهم الآخر يتمشّى ويركض...». غادر باسيل لبنان عام 2008، حين كان عمره 23 عاماً، والصورة العالقة في ذهنه عن هذا المعرض هي أنه «معرض مهجور، باطونه مصدّع ومهمل، ولم يستفد منه بأي شيء له قيمة سوى بناء فندق».
وعن رأيه بما يجب فعله بالمعرض مستقبلاً، يقول: «الحل الأنسب هو هدمه! يجب إقامة مشاريع سياحية مكانه مثل مدينة ملاهي، صالات رياضية، حدائق، بحيرات، تحويله إلى مساحة عامة يستفيد منها الناس...» حسناً يا باسيل، يبدو أن المعنيين فكروا مثلك، ورغبوا بهدم المعرض (ربما حينها يقام معرض مصور عن المعرض المهدم!!). الفرق أن مقاربتك نابعة من رغبة بالتحسين، فيما تهديمهم هو للتخريب فقط.
نجيب شاهين، سكن في طرابلس مدة 35 عاماً، زار خلالها المعرض بضع مرات حين كانت تقام فيه معارض «لكن لا فكرة لديّ عن تاريخه ومن صمّمه ومدى أهمية هذا المعرض من حيث الفن المعماري. من المؤسف أنني زرته مرات عدة ولم يكن هنالك أي دليل أو منشورات للشرح للزوار عن المعرض وأهميته. فهنالك فرق بين أن تزور المعرض وأنت على دراية مسبقة بأهميته التاريخية والهندسية، وبين أن تزوره وأنت تعتقد أنه عبارة عن منشآت عادية لا قيمة معمارية لها».
تعتبر سحر رمال من الحالات النادرة التي تعرف نيماير وأهمية التصميم الهندسي للمعرض، وقد زارته مرات عدة في مناسبات مختلفة من معرض الكتاب ومهرجانات وحفلات، وترى «أن المعرض يجب أن يكون القلب النابض لطرابلس. ومن المستهجن والمستغرب كيف سمح زعماء طرابلس وسياسييوها للمعرض أن يهمل بهذا الشكل».