الجمعة العظيمة تُعرف أيضاً بجمعة الآلام، أو الجمعة الحزينة، أو الجمعة المقدسة، أو الجمعة السوداء، أو جمعة الفصح، وتعتبر من أهم المناسبات المسيحية المقدسة عند اخوتنا المسيحيين اللبنانيين والعرب لأنّها تستحضر ما تعرّض له السيد المسيح من تعذيب وصلب وموت ودفن تلتها قيامته العجائبية المجيدة. الصوم فيها إلزامي عندهم ويشمل جميع المسيحيين بكنائسهم وطوائفهم. من اقرب لهم في بلدنا من اخوتهم المسلمين ليتضامنوا معهم في هذه المناسبه العظيمة؟
كعادة تقاليده في مدينة صور والجنوب اللبناني، يقف الكورال المدرسي لـ «مؤسسات الإمام الصدر» في صور ليواسي بإسم مسلمي الجنوب وكل لبنان، بأصوات ملائكته الصغار يرتلون بعطاء من القلب إلى القلب. هذه المرة ترتّل فتيات الكورال مواساة خاصة أنجزها الفنانان المؤسِّسان والمشرِفان عليه الأخوان ديانا وراجي مصطفى عملاً خاصاً مبنياً على فكرة توليف الترتيلة من مصدرين (الأول لبناني والآخر مصري)، فمزجاها بعدما أعادا توزيعها لأصوات الكورال عربون محبة وتضامن وتكريم من المؤسسة. لا أريد الكلام عن حوار إسلامي مسيحي لأن أواصر الأخوة والعيش المشترك في السراء والضراء أقوى من أي حوار يكون بين هيئة أو لجنة أو شيخ أو كاهن. لذلك ربما إختار الموسيقي والموزع راجي مصطفى ترتيلة «لأن الله معنا» للأخوين الرحباني التي كانا كتباها للسيدة فيروز في مناسبة الجمعة العظيمة بعدما أخذ الفنان راجي مصطفى قسمها الأكبر ومزجها بتوليفة موسيقية يصعب التفريق أين ومتى تتداخل وتتقاطع بها وهي مأخوذة من تتر مسلسل «لا اله الا الله» من كلمات د.أحمد هيكل موسيقى وألحان د. جمال سلامة وكانت من إنشاد محمد رشدي يومها.
هديتنا الجديدة هذه تبدأ بأكابيلا ترتيلة الجمعة العظيمة للأخوين الرحباني «معنا هو الله» على مقام حجاز على درجة «لا» ومع المرور العابر في بعض الجمل على نوتة دي نصف دييز التي تعبر عن مقام راست على درجة لا والمتوافق بعملية الانتقال إليه من مقام حجاز على درجة لا وتعتمد الإيقاع الحر والمُناسب لوقع الكلمات الحرة إيقاعياً مع ترداد جملة «لأن الله معنا» بين كل جملة شعرية وأخرى. نمط الأداء في هذه الأكابيلا يأتي مع وسادة من الآهات البشرية المرافقة بشكل متجانس وبهارموني تتدرج حسب الأكوردات المناسبة. كما تأتي جملة «لأن الله معنا» بشكل هارموني متجانس بوليفونياً بعد الأداء الأصلي لها والذي كان بشكل مونوفوني، بعد إضافة بعض اللوازم البشرية بشكل آهات بين كل فترة وأخرى لدعم التوزيع وإثرائه. أما الجزء من أنشدوة «لا اله الا الله» على مقام نهوند على درجة «ري» فيأتي بشكل يصعب أن تشعر أنه خارج سياق العمل الرحباني بل كأنه جزء عضوي منه. وهنا تحديداً تنبع قوة التوزيع عند الفنان راجي مصطفى الذي يجيد دائماً بحكم موهبته مزج وتوليف المقامين بالإنتقال بإنسيابية من المقام السابق الذي كان مقام حجاز على درجة «لا».
علماً أن الجزء الثاني يعتمد إيقاع 3/4 وتحديداً إعتماد الإيقاع السماعي الدارج فيه لروحه الشرقية والصوفية. في هذا الجزء، تم التوزيع الموسيقي بشكل لائق متداخلاً مع الشكل السابق للجزء الذي قبله الذي كان على شكل أكابيلا مع دخول إيقاع السماعي الدارج وبقية المؤثرات البشرية وبعض مؤثرات الموسيقى الملحمية بالطبول الملحمية مع احترام الوجهة العامة لما كان عليه اللحن والتوزيع الأصلي في كثير من التفاصيل بتقديمه بشكل ملائم حتى مع الإضافات والهندسة الصوتية والتسجيل والتوزيع المتجدد حيث تمت إضافة صوت ثان بخلفية هذا الجزء بحيث تتكرر كل آخر جملة إنشادية بعد نهاية كل جزء من الجملة الكاملة وبلحن آخر ومتجانس مع لحن مختلف متآلف، وحتى الصوت الثاني تمت إضافة صوت ثان عليه عند البعد الثالث منه لإضافة ثراء نغمي متواز على الصوت. وفي نهاية هذا العمل يعود الكورال ليؤدي جملة «لأن الله معنا» بإضافة أصوات الأجراس الكنسية لها، وأحِبّ الإضاءة على كون الهندسة الصوتية بشكل عام اعتمدت خياراً روحانياً يأتي من الأكوستيك الخاص بالكنائس الضخمة وطبيعتها الصوتية لتأثيرها في جلالة الاصوات والأجواء الروحانية لهذا العمل. في النهاية لا بد من التنويه بالحضور المستمر للكورال الذي يبقى صوت الناس وهم يتضامنون ويتقاسمون الأفراح والأتراح رغم كل الظروف التي يمر بها بلدنا العزيز.