بيروت... صور وخرائط


أزاح الكاتب والباحث اللبناني بدر الحاج أخيراً الستار عن كتاب Beirut 1840-1918/ A Visual and Descriptive Portrait («دار كتب» ومتحف «نابو») الذي أنجزه بالتعاون مع السفير سمير مبارك (بمساهمة سهيل منيمنة)، ويُعدّ النسخة الإنكليزية من كتاب «بيروت ضوء على ورق 1850ــ 1915» الصادر في عام 2014. استغرق العمل على الكتاب الجديد المقسّم إلى مجلّدَيْن فترة طويلة من البحث في سبيل «توثيق واختصار» تاريخ التصوير الفوتوغرافي في العاصمة اللبنانية مع أوائل المصوّرين الذين زاروها في تلك الحقبة. نسْف ممنهج لنسيجها العمراني، أدّى إلى زوال بيروت كما كانت عليه في الماضي. مع هذا العمل، نجد أنفسنا أمام مشاهد غير مسبوقة تعرّفنا إلى تلك المدينة منذ مطلع أربعينيات القرن التاسع عشر وحتى العقد الأوّل من القرن العشرين. (الصورة: احتفال عثماني في الناحية الجنوبية من ساحة البرج/ تانكراد دوما، حوالي عام 1890)

كيف ما كنت بحبّك


وحول بيروت أيضاً، أصدرت «هاشيت أنطوان» كتاب «كيف ما كنت بحبّك» (Beirut, Guilty Pleasures) الذي يوثّق فيه الإعلامي زافين قيومجيان والمصوّر علي شحادي «نهضة وسقوط معالم عريقة عدّة» قبل، خلال، وبعد الحرب الأهلية في السبعينيات، وحتى ثورة 17 تشرين الأوّل 2019 وامتداداً إلى ما بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020 وحقبة فيروس كورونا. يتتبّع قيومجيان وشحادي خريطة العاصمة اللبنانية بطريقة دائرية، تبدأ من أهراءات مرفأ بيروت وتمرّ بمبنى «لوريان» وفندقَيْ «سان جورج» و«هوليداي إن» بالإضافة إلى «برج المرّ» والـ«تياترو» ونصب ساحة الشهداء وقبضة «الثورة» و«البيضة» وغرافيتي «التواصل» و«بيت بيروت» وانتهاءً بـ«المتحف الوطني». منطقة التماس هذه شهدت أيّام بيروت «الذهبية» وخرّبتها الحرب. شرّحها الكتاب إلى صور غنيّة ونادرة تعود إلى بدايات القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين وما بينهما.

طرابلس... العرض الأخير


شكّلت طرابلس محور بحث أجراه المخرج والأكاديمي اللبناني هادي زكاك، وضمّنه في كتاب «العرض الأخير ــ سيرة سيلَما طرابلس» (زاك فيلمز). عُرفت السينما في الأوساط الشعبيّة الطرابلسيّة باسم «سيلَما» واحتلّت مكانة مهمّة في حياة المدينة، امتدّت من ثلاثينيات إلى نهاية القرن العشرين. يروي هذا العمل سيرة صعود وازدهار الـ«سيلَما»، فتتكوّن المعابد والطقوس والقصص والأفلام والنجوم وتتشابك السينما مع حياة مدينة عربيّة اختبرت كل أنواع الأفلام. تواكب «سيلَما» تاريخ طرابلس المعاصر قبل أن «تسلّم روحها مخلّفة إرثاً كبيراً من الصور والأصوات». قدّم زكاك في هذا الكتاب قراءة سوسيولوجية – أنثربولوجية لمشهد عرفته المدينة طوال قرن تقريباً من الزمن، تتشعّب منها تحوّلاتها المستمرة ومحطّات تاريخها السياسي والاجتماعي وتأثّرها بمحيطها. سرد يتجاور مع 750 صورة، جمعها زكاك في كتاب هو أشبه بفيلم روائي ذي طابع مشوق ونوستالجي.

افرح يا قلبي


«افرح يا قلبي» (دار الآداب)، عمل روائي جديد من علوية صبح، ينطلق السرد فيه للمرة الأولى على لسان رجُل بعدما عوّدتنا صاحبة «اسمه الغرام» و«مريم الحكايا» على استعارة أصوات النساء وتحميلهنّ المقموع والمسكوت عنه في المجتمعات العربية ومحاولة مصالحتهن مع أجسادهنّ والحب خارج كل منظومات التحكم والسيطرة. ترصد الرواية تحوّلات عائلة في شمال لبنان بين أجيال ثلاثة: الجدّ الذي ينبض قلبه مع جيل كامل للناصرية، وجيل الأب الثاني الذي تستهويه الماركسية بعد نكسة 1967، وجيل الأحفاد الثالث الذي ينجذب إلى تيارات الإسلام السياسي. تغوص الرواية في صراع الإخوة، ولا سيّما في الفترة المضطربة في الثمانينيات التي شهدت الاشتباكات بين حركة «التوحيد» الإسلامية وقوات «الردع» السورية، وتحفر عميقاً في إشكالات الهوية والتناقضات بين الشرق والغرب التي أكثر ما تبرز في مهنة البطل كعازف عود في الرواية، وتشرّح الذكورية في تفاقم صراعاتها وتناقضاتها.

فرصة لغرام أخير


إنّها يوميات الحيرة والأسئلة الوجودية الصعبة التي تشتبك بقصة حبّ متردّدة وسط شبكة معقّدة من العلاقات الاجتماعية تلك التي يسردها حسن داوود في «فرصة لغرام أخير» الصادرة أخيراً عن «دار نوفل» (بيروت). من على شرفته البيروتية، يلمح بطل الرواية ضوءاً وحيداً على شرفة مقابلة. من تلك اللحظة، تبدأ العلاقة العابرة للمسافة الخالية بين المبنيين: تتوالى الأحداث بعد خروج صاحبة الظل إلى الشرفة لتواجه المتلصّص وتشاركه الوقت والحيرة، وليملأ صاحب «بناية ماتيلد» و«تحت شرفة انجي» المساحات المدينية بلغته الخاصة وحفره في التفاصيل المرتبطة بالأمكنة والوقت وعوالم أبطاله وفضاءاتهم الداخلية، ليخرج إلينا كالعادة بعمل محكم ومشوّق، ويضعنا أمام الحقيقة العارية للإنسان الهشّ أمام العزلة والوحدة وثقل الأسئلة المرتبطة بالوجود والكينونة والمصير.

حائط خامس


في أحدث روايات عبّاس بيضون، «حائظ خامس» (دار نوفل)، تحضر ثلاثة أصوات. الأوّل، هو صوت الشيخ عبد الرحمن العائد من النجف إلى جنوب لبنان. الثاني لصديقه أنطوان، الشاعر والباحث عن هويته بين القرية والمدينة، وبين أصله البروتستانتي من جهة وميله إلى الوجودية من جهة أخرى. وبينهما صوت ثالث: غريس، التي تحبّهما كليهما، وتحتار في الاختيار بينهما. تدور الأحداث في لبنان أواخر السبعينيات، وتحديداً في قرية وديعة تسمى «واصل»، عاش فيها المسلمون والمسيحيون جنباً إلى جنب لوقتٍ طويل، قبل أن ترتفع بينهم جدران الحرب فجأة. تحضر ويلات الحرب الأهلية اللبنانية بكثافة، ولكن من زاوية شخصية، وعبر قصص شخصية، لأبطالٍ فضّلوا أن يخوضوا معاركهم الخاصة. إنّه صوت عبّاس بيضون الخاص في توثيق الحياة بخيباتها وخساراتها في لغة يطعّم فيها صاحب «الوقت بجرعات كبيرة» السرد المشوّق بجرعة من الشعر ليستكمل بيضون ما بدأه في «خريف البراءة» و«شهران لرلى» من مشروع أدبي يسكن فيه الشاعر والروائي جنباً إلى جنب.

الشعر جرح الغيب


يتضمّن كتاب «الشعر جرح الغيب» (دار الرافدين) حواراً طويلاً أجراه الزميل محمد ناصر الدين مع محمد علي شمس الدين (1942-2022)، يجترح فيه الشاعر الراحل تعريفاً فريداً للشعر: «أنت تقول القصيدة إذاً أنت تجرح الوجود؛. «من أقدم الجروح» لأنه قديم جداً؛ بمعنى أنه مرافق للإنسان الأول. هذا موجود في أدبيات العرب. الطبري وابن الأثير يقولان في تاريخ الشعر إنّ أول من قال الشعر هو آدم وردّ عليه إبليس. هذه الأدبيات البدائية ــ وهي ليست حقيقة تاريخية ولكنها دلالة ــ تقول إنّ الشعر هو للإنسان الأوّل؛ هذا معناه «من أقدم جروح الغيب».
ولماذا «الغيب»؟ الغيب يبدأ من المستور الذي لا تعرفه، الغائب عنك، وينتهي بالله».كما يتضمّن الحوار آراء شمس الدين في الحب والسياسة والمقاومة ورفضه للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، وإضاءة على المؤثرات التي جعلت منه شاعراً جنوبياً بامتياز.