كانت «وحدة أفلام فلسطين» رائدة في فضح الجرائم الصهيونية بالبوستر والفيديو في السبعينات. «الوحدة» التي لعبت دوراً إعلامياً بارزاً، أسسها مصطفى أبو علي وسلافة فواخري وهاني جوهرية عام 1968. كسرت الصمت المفروض من قبل قنوات غربية على صورة الفلسطيني منذ النكبة. وكان ظهور الفلسطيني على شاشاتها موسوماً بـ«عربي إرهابي».
«وحدة أفلام فلسطين» كان هدفها أسمى من استدرار تعاطف الإعلام الغربي. هدفت إلى توثيق وجود الفلسطينيين بالصوت والصورة، وإلى الحشد السياسي خلف القضية الفلسطينية، عربياً وعالمياً. منذ بدايتها، عملت على توثيق تدريبات الفدائيين في الأردن ولبنان، وتوثيق الحياة في مخيمات اللاجئين، وتوثيق الجرائم الصهيونية. للمرة الأولى، رأى الفلسطيني نفسه بواسطة كاميرته في المخيم أو في ساحة التدريب أو حتى جريحاً وشهيداً. كان عليه أن يستعيد صوره التي ظهرت خجولة في التلفزة الغربية التي فضّلت عليها صور الإسرائيلي. كانت «الوحدة» تعرض أفلامها التوثيقية في مخيمات اللاجئين، وكانت تنسخ 70 نسخة من كل فيلم تنتجه. هذه النسخ كانت توزّع لتعرض في العالم: الجامعات ومقار الأحزاب واتحادات العمال والمهرجانات. نترك للمؤرخين فحص تأثير هذه الأفلام في حشد وتجنيد فدائيين من جنسيات عدّة في صفوف «منظمة التحرير الفلسطينية» وحركات تحرر أخرى. ما نعرفه مثلاً أنّ «الجيش الأحمر» الياباني أنتج فيلماً عنوانه «الجيش الأحمر – الجبهة الشعبية: تصريح لحرب عالمية» عام 1971، وفي العام التالي روت مجموعة فدائية يابانية بدمائها أرض مطار اللد.

نشهد اليوم نوعاً
من «الاستهلاك الإنساني» لصور الشهداء الأطفال

من الأفلام التي أنتجتها «وحدة أفلام فلسطين» هو «اعتداء صهيوني» (22 د ـ 1972) يوثّق المجازر التي قام بها الطيران الحربي الإسرائيلي في لبنان عام 1972. تنقلنا المشاهد الصامتة في الفيلم بين حطام البيوت، وتركّز الكاميرا عدستها على أشلاء الشهداء الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين. قبل هذا الفيلم، أنتجت «الوحدة» فيلمها «بالروح، بالدم» (34 د ـ 1971) الذي يوثّق لمجازر «أيلول الأسود» التي ارتكبها النظام الأُردني عام 1970. كذلك أنتجت فيلم «تل الزعتر» (72 د ـ 1977) الذي يوثّق المذبحة التي ارتكبها النظام السوري وقوات اليمين المسيحي اللبناني. نستذكر هذه المرحلة في صراعنا السياسي والإعلامي مع إسرائيل التي سبقت وسائل التواصل الاجتماعي والمحطات الفضائية، لكشف بعض التصدّعات الراهنة في خطاب التضامن مع القضية الفلسطينية. في كل حرب إسرائيلية على غزّة، تنشر صور أشلاء الأطفال الشهداء على وسائل التواصل وتتصدر المواقع الإلكترونية وأغلفة بعض الصحف لكسب التضامن (الغربي تحديداً). هذا ليس أمراً غريباً، ففي الأفلام التي أنتجتها «وحدة أفلام فلسطين» ظهرت بوضح أشلاء الشهداء الأطفال. الطفل الفلسطيني هو رمز البراءة: الذي قُتل ولم يقتل أحداً؛ هُجّر ولم يهجّر أحداً. كان هذا في السبعينيات، وكانت هذه الصور تُوضع في سياقها السياسي والتاريخي: هذه صور أطفال شهداء لاجئين احتلت أرضهم من قبل إسرائيل، وبيوتهم الأصلية هي في اللد والرملة وليس في المخيم. وكانت الصور موجهة لجمهور أوسع من الغرب، ضمّ أميركا اللاتينية ودول المعسكر الاشتراكي سابقاً. لكن ما نشهده اليوم هو نوع من «الاستهلاك الإنساني» لصور الشهداء الأطفال في غزة، خارج سياقها السياسي والتاريخي. رأينا هذا على الأغلفة الأخيرة لجريدتي «الحياة» و«الأيام» الناطقتين باسم «سلطة أوسلو» التي تترقب بلهفة انكسار المقاومة في غزة. كما رأيناه في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.
لا أحد يُذكّر (خصوصاً من النشطاء العرب) أنّ هؤلاء الأطفال الشهداء هم أبناء لاجئين وبيوتهم محتلة في فلسطين التاريخية. هذه الانعطافة في الوعي الراهن، سببها ربما سنوات من ضخ خطاب «حقوق الإنسان» من قبل مراكز الأبحاث ومؤسسات المجتمع، إضافة إلى أجندات سياسية، لاختزال قضية فلسطين في خانة إنسانية. يُخيّل للمرء وهو يتابع ما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف أنه يجب أن نقتل أطفالاً لاستدرار تعاطف الإعلام الغربي معنا. لكن ماذا لو قُتلنا (وأخطأنا؟) ونحن رجال ونساء، ألّا نستحق التضامن والتغطية الإعلامية؟
على العالم (العربي قبل الغربي) أن يحفظ أسماء ووجوه شهداء فلسطين، أطفالاً ونساءً ورجالاً. ليكن معيارنا في المعركة سلاح المقاومة والتحرير، وليس ميكرفون وكاميرا الصحافي الغربي.