أمس الثلاثاء، قدّمت وفاء الطبوبي مسرحيتها الجديدة «آخر مرّة»، في أوّل مواعيد «مهرجان الحمامات الدولي» لهذا الصيف، بعدما تُوِّجت بالتانيت الذهبي لـ «أيام قرطاج المسرحية» في الخريف الماضي، كما اختيرت في المسابقة الرسمية لـ «مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي»، ولسلسلة عروض في بيروت في أيلول (سبتمبر) المقبل.إنّه العمل الثاني في رصيد الطبوبي كمخرجة، بعدما لفتت مسرحيتها الأولى «الأرامل» لفتت الانتباه إليها كمخرجة ذات رؤية وخصوصية في الكتابة والبناء الدرامي .
وفاء الطبوبي تكسر في هذه المسرحية الترابط الدرامي بين مكوّنات العرض، كما تكسر بنية الحكاية، لكنّها تحافظ على الخيط الرابط بين ثلاث لوحات تبدو منفصلة لكنّها حكاية واحدة: حكاية «هو» (أسامة كشكار) و«هي» (مريم بن حميدة).
ثلاث حكايات تكشف هشاشة العلاقة في المجتمع بين المرأة والرجل وتعرّي ما تتعرّض إليه المرأة في محيط العمل من تحرّش وعنف رمزي، كاشفةً ضعف العلاقة بين الأزواج التي يتحوّل فيها الحب إلى واجبات يومية ثقيلة تفقد فيها الحياة الزوجية زخمها العاطفي، وعلاقة الأم والابن بكلّ ما فيها من حب قاس.
المسرحية كتبت بإيقاع مكثف يشعر فيه المشاهد بأنه جزء من الصراع بين «هو» و«هي». فالشخصيتان بلا أسماء. لذلك، فالطبوبي تطرح موضوعاً إنسانياً مرتبطاً بعلاقة المرأة بالرجل بمستوياتها المختلفة: الزمالة، الحب، الزواج، الأمومة…
ومنذ المشهد الأوّل عندما تصل الموظفة متأخرة إلى العمل لتواجه مديرها وتسرد معاناتها مع وسائل النقل والاكتظاظ، وصولاً إلى المشهد الأخير حول علاقة الابن المدمن على الكحول، طرح للعلاقات المتوترة القائمة على الاستغلال الجنسي وسوء الفهم والعنف. فحتى علاقة الأم بابنها تتحوّل أحياناً إلى حبّ قاسٍ، وهو شكل من أشكال العنف. أما العلاقة بين الزوج والزوجة التي تبدأ عادة بحب كبير وشغف جنوني، تستحيل تحت وطأة قسوة الحياة اليومية ورتابتها، باردة تتشابه فيها الأيام ويموت فيها الشوق!
نجحت وفاء الطبوبي في مسرحيتها الثانية في تفكيك المسكوت عنه في العلاقة بين الرجل والمرأة، بلغة فيها الكثير من التكثيف الشعري في رثاء العلاقة بين «هو» و«هي». كما اعتمدت ديكوراً بسيطاً لا يتعدّى طاولة وكراسي في فضاء فارغ فراغ العالم الموحش الذي نعيشه. وقد تكون الكراسي والطاولة التي يدور حولها «الحدث» المسرحي والصراع بين «هو» و«هي»، إشارة إلى الصراع على «السلطة» بين الرجل والمرأة في المجتمعات الذكورية خاصة.
كذلك، كشفت «آخر مرّة» عن ممثلة شابة جاءت من الرقص المسرحي هي مريم بن حميدة (مهندسة إعلامية)، سيكون لها شأن. فلها قدرة عجيبة على الحركة والتنقل بين الشخصيات بسلاسة. أمّا أسامة كوشكار، فهو من الممثلين المكرّسين في المسرح والسينما والتلفزيون، كما أنّه تلميذ المسرحي الراحل عز الدين قنون.
«آخر مرّة» متعة مسرحية تدفعنا إلى التفكير والتساؤل عن حياتنا وحقيقة علاقتنا مع الآخر.