تكاد تكون الوحيد في المشهد المسرحي الإيمائي اللبناني منذ سنوات طويلة وحتى اليوم، ولا إقبال على احتراف التمثيل في هذا الفن بالذات. ألا تعتقد أنك تتحمل جزءاً من المسؤولية؟ــ طبعاً، أنا أتحمل مسؤولية ذلك، بل أنا خطّطتُ لذلك! لماذا؟ لأن الإيماء، كما انتشر وكما تعرّفنا عليه من خلال الإعلام ووسائطه، هو ما كان يقدّمه الإيمائي الفرنسي الشهير مارسيل مارسو، وهو نوع واحد من الإيماء، هو إيماء الحكواتي الفردي، ونحنُ لم نعرف شيئاً عن الإيماء في اليابان أو في الهند. لذلك عملتُ على منهج خاصّ لتدريس كلّ أنواع الإيماء من التّهريج إلى الحكواتي وإلى المسرح الإيمائي أو مسرح الأداء الحركي، وتركتُ الخيار للطّلبَة في اعتماد النوع أو الأسلوب المناسب للتعبير عن رؤاهم الخاصة. دَأبتُ منذ الثمانينيات على تقديم المسرح الإيمائي أو الحركي بالأصوات والعناصر المشهدية، وعلى معالجة مواضيع بأساليب تعبير مرتبطة بِسِمات التعبير الجسدي في محيطنا. المسألة ليست سهلة، لذلك نرى أنّ ممارسي هذا النوع قلة ليس في لبنان فقط، بل أيضاً في العالم.

(نبيل اسماعيل)


مِنْ مشاريعك فكرة المسرح المدرسي/ التربوي في لبنان. كيف وُلِدتْ وأين أصبحت؟
ـ الفنون ممارسة فطرية يقوم بها الطفل على شكل ألعابٍ متنوعة ومنها تمثيليّ عفويّ منذُ صِغَره كمُعظم الألعاب الشعبية العفوية التي تُكسِبُ الفرد قدرات تواصلية تزوّدُهُ بمعارف اجتماعية حقيقية. في الناحية العملية، كُلِّفتُ من وزارة التربية بإعداد برنامج للنشاط المسرحي. تضمنت خطة النهوض التربوي إدراج مادة المسرح في المنهج التعليمي، وشكّل «مركز البحوث والإنماء» لجنة لإعداد المنهج وكنتُ في عِدادها، فأنجزنا المنهج ونُشِر في الجريدة الرسمية، لكنه لم يُطبّق بقرار من وزارة التربية. مع ذلك، فتدريس المسرح تتابعَ إنّما خارج لبنان. ففي 2014، أطلقتْ «الهيئة العربية للمسرح» فكرة المسرح المدرسيّ وشكّلت لجنة متخصِّصين وكنتُ في عِدادها أيضاً، فأعددنا مشروعاً لتنمية وتطوير هذا المسرح في الوطن العربي كمادّةٍ تعلُّمِيّة من الصّف الأوّل إلى الثاني عشر تتضمّنُ دليل الأهداف الخاصة والقدرات المعرفية والمهارات والسلوكيات التي يتيحها تدريس المسرح في المدرسة تصلُحُ لإعداد منهج في أيّ دولةٍ ترغب بذلك. تم تبنّي هذا المشروع في اجتماع وزراء التربية العرب بتاريخ 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 .

ما تقييمك للمسرح بشكل عام اليوم؟
ـ راهَنَ كثيرون على اندثار المسرح مع ظهور السينما والتلفزيون وسقطت نظريتهم. هناك علاقة عضوية بين الناس والمسرح تتخطّى التّسلية، ذلك أنّ تفاعلهم مع ما يُعرض عليهم من محتوى على الخشبة هو افتراض. فحتّى الموت ليس نهائياً ويمكن مراجعته ويمكن للجمهور المتلقّي التقييم والتقدير مباشرةً وفوراً بمواجهة الخشبة. هذا التجمُّع لا يندثر حتى مع الأوبئة ووجد دائماً له طرقاً للالتقاء. عدوّ المسرح الأساسي هو أحاديّة وجهة النّظر وتمرير رسائل السلطات والنُّظُم الديكتاتورية. المسرح مُلتقى لا صندوق بريد.

هل هناك مشكلة ما في علاقة الجمهور بفنّ الإيماء؟
مشكلة علاقة الجمهور بفنّ الإيماء هي مشكلة علاقته بفنّ المسرح بشكلٍ عام. لكنه أمر تمّ تجاوزه في لبنان، فكُلُّ العروض الإيمائية تشهدُ إقبالاً وتفاعلاً كالعروض المسرحية الأخرى مع العلم أنّ عروضاً عديدة فشلت بسبب فشل الفنان في التواصل مع الجمهور، نظراً إلى دِقَّة هذا الفنّ وصعوبة امتلاك لُغتهِ ومُتطلّبات أدائه القاسية على المُمثِّل.

لأنك رجُل ألا ترى أنّ المرأة/ الأنثى هي خارج حسابات الجسد الإبداعي للإيماء الذي تقدّمه على الخشبة؟
لا أعرف من أين أتت هذه الملاحظة. الجسد في تراثنا الاحتفالي الشعبي لا يميّز بين جسدَي الرجل والمرأة. ففي الرقص الفولكلوري، نرى المرأة إلى جانب الرجل في الدبكة، وفي رقص الجرة والمناديل نراها منفردة. أما في تاريخنا الحديث، فإن جورجيت جبارة ووديعة جرّار وغيرِهما كُنَّ في مقدمة المبتكرات والرائدات في التعبير الجسدي على الخشبة: الأولى في الباليه والثانية في الرقص الفولكلوري، وعروض الاثنتين لا تخلو من التعبير التمثيلي، أو ما يُسمى الرقص الدرامي وهو توأم فنّ الإيماء. كما يقفز أمامنا مباشرة اسم عايدة صبرا التي شاركتني بفعالية في كل عروضي منذ 1986 ونالت تقديراً محلياً وعربياً، فضلاً عن خلود ناصر ورويدة الغالي اللّتين قدّمتا عروضاً تعبيرية في لبنان والخارج.

ما جديدك؟
أعطيتُ، غير نادم، السنوات الخمس الأخيرة لصالح مشروع المسرح المدرسي في الوطن العربي لإعداد الدليل العام، ثم الدورات التدريبية في دول عربية متعددة لنشر مفهوم المسرح كمادة منهجية، وليس وسيلة لتدريس المواد الأخرى، أو نشاطاً لامنهجياً فقط. توّجتُ ذلك بالمساهمة في إعداد منهج المسرح في المدرسة لصالح وزارة التربية الإماراتية، ودليل المعلم وكُتُب الطّلَبة التابعة للمنهج. وأنا سعيد لنجاح هذا المشروع كمادة أساسية في المنهج الحديث للتعليم المعتمد في العديد من الدول التي نعتبرها مُتقدِّمة في ميدان التعليم المدرسي.