في جو عالمي ألزمت فيه جائحة كورونا الأوساط الثقافية بِكَفّ كل الانشطة الجماهيرية، في المغرب، كما في باقي الأصقاع، توقّفت العروض المسرحية والسينمائية والندوات. ولكن ذلك لم يمنع من بصيص ضوء، وفّره المعرض الاستعادي للفنان التشكيلي المغربي الراحل عباس صلادي (1950-1992)، تحت عنوان «لحظة شاعرية». ركّز الأخير على عوالم صلادي الأُخروية والغرائبية، حيث يأتلف الإنسان والحيوان في طقوس ما بعد الخلق، ووفق رؤية جمالية تمتح من التراث العربي الإسلامي، وبالانزياح عن كل المدارس الفنية. نستخلص من هذا المعرض الإجمالي أنّ صلادي كان يشكّل وحده مدرسةً مغربيةً خالصة خارجة عن المألوف في تأليفها بين الكائنات والتقنيات وخامات الألوان القليلة جداً.
عباس صلادي ـ «بدون عنوان» (مواد مختلفة على ورق)

كما نظّم «متحف محمد السادس» احتفالية بلوحات التشكيلي الفرنسي أوجين دولاكروا (1798-1863)، التي أنجزها خلال إقامته المغربية (كانون الثاني إلى حزيران 1832)، باعتبارها من أولى خطوات الفن التشكيلي الأوروبي ذي النزعة الاستشراقية، في طرحه لتمثّل الآخر، المقيم في الضفة الجنوبية للمتوسط. كما أقام المتحف نفسه معرضاً استعادياً، هو الأول من نوعه في أفريقيا، للفنان الفوتوغرافي الفرنسي هنري كارتييه ــ بروسون (1908-2004) اشتمل على 133 صورة أصلية من بين أجمل ما التقطته عدسة من صار يلقّب بـ «عين القرن العشرين» في الفترة بين 1926 و1978.
لم تخلُ الاحتفالات والاحتفاءات بالمشهد البصري المغربي من أصداء وأنشطة خارج البلد. فقد نظّم «مركز بومبيدو» الباريسي معرضاً استعادياً للتشكيلي فريد بلكاهية (1934-2014) ركّز فيه على لوحاته الأيروتيكية التي تستند إلى مواد أولية تتطابق مع موضوعاته الحِسِّيَّة، ويكاد يكون الوحيد الذي يشتغل بها (جلود، نحاس، حِنَّاء).
أدبياً، طغى على ختام 2021 إصدار الأكاديمي والباحث التراثي عبد الفتاح كيليطو (الرباط، 1945) روايته الثانية «والله إن هذه الحكاية لحكايتي» (المتوسط)، بعد أكثر من عقدين على صدور روايته الأولى «خصام الصور» (النسخة الفرنسية، 1995)، وأكثر من عقد على صدور نصه السردي الإشكالي «أنبئوني بالرؤيا» (النسخة الفرنسية، 2010). وهذه هي المرة الأولى التي يجرّب فيها كيليطو تأليف نص سردي طويل بالعربية، رغم أنه استمرار، ضمن نفس المشروع النقدي والإبداعي الشخصي، لطرح الإشكالات نفسها التي تناولتها دراساته: الهوية، مفهوم المؤلِّف، ثنائية الوهمي والواقعي، الغرابة والغرائبي، اللااكتمال، حضور ظِلال التراث في عوالم الحداثة...
وخلال إعادة تهيئة المدينة العتيقة في سلا - المدينة المعروفة تاريخياً بدورها في ما صار يسمّى في سرديات القرون الوسطى بـ «الجهاد البحري» ـــــ تم اكتشاف ما صار يسمّيه علماء الآثار والحفريات المغاربة «فندق القاعة القديمة». والأخير عبارة عن بناية فسيحة تحت الأرض كانت مخصّصة لسجن الأوروبيّين الذين يتم القبض عليهم خلال أعمال الاحتراب والقرصنة بين الأطلسي والمتوسّط. كما كشف الأركيولوجيّون المغاربة أنّها كانت في الوقت نفسه مخزناً سرياً للمؤونة، يُستعمَل عند الضرورات الاستراتيجية أو تحت الحِصار.
كحجر ألقِي في بركة مياه آسنة، كان وقع الرسالة/ الصرخة المفتوحة التي كتبها الروائي الطنجي محمد سعيد احجيوج إلى القائمين على رعاية تراث الروائي المغربي الراحل، اليهودي والمناهض للصهيونية، إدمون عمران المالح (1917-2010). رسالة تداولتها مواقع إلكترونية قليلة، دون الجرائد الورقية، لحساسية ما في الرسالة من كشف عن إهمال ذوي الشأن للتعريف بأعمال الراحل والترويج لها، في ما يُشبه اغتيالاً رمزياً، خصوصاً إذا استحضرنا أن القائم على أمور «مؤسّسة إدمون عمران المالح»، والناهي والآمر الأول والأخير فيها، هو المستشار الملكي أندري آزولاي، المعروف بميوله الصهيونية، وبتعاكس رؤيته ورؤية الروائي الراحل في أكثر من شأن ثقافي، خصوصاً في رؤيتهما للدور المنوط بمدينة الصويرة في إنعاش المغرب ثقافياً/ سياحياً.