عاشت الجزائر توابع سنة 2020 التي خيّم عليها الحظر الصحي مع انتشار وباء كوفيد-19. وربما كانت الثقافة من أكثر القطاعات تضرّراً بالعموم. فهو المجال الذي يُعاني في الأوضاع العادية من صعوبات الدعم والتمويل وقلة الاهتمام ومشاكل الإنتاج، فكيف إذا كانت البلاد تشهد أوضاعاً استثنائية منذ بداية 2020؟ لعامَين متتالَين، غاب «معرض الجزائر الدولي للكتاب» (سيلا)، الذي يمكن اعتباره الحدث الثقافي الأبرز في البلاد، ليترك آثاره على سوق الكتاب وحضور إصدارات الدور العربية. وإن كان قد أُعلن أخيراً عن نيّة عقده ما بين 24 و31 آذار (مارس) المقبل، لكن ذلك يظلّ قراراً معرّضاً للإلغاء مع اندفاع الموجة الحالية الجديدة من الفيروس في العالم، التي قد تُعيق حركة الطيران والشحن والتنقّل من جديد. في ظلّ ذلك، حاول «المعرض الوطني للكتاب» الذي يقتصر على الناشرين الجزائريّين، من خلال انعقاده أن يُبقي على سوق الكتاب المحلي منتعشاً. وفي هذا السياق، أصدر هؤلاء الناشرون كتباً بالعربية والفرنسية معظمها من الأعمال الروائية، ومن أبرزها روايتا «جلجامش والراقصة» لربيعة جلطي، و«نيرفانا» لأمين الزاوي (الاختلاف). وعن «دار ميم»، صدرت روايات «أسير البرتغاليّين» لمحسن لوكيلي، و«هاوية المرأة المتوحشة» لعبد الكريم ينينه، و«المكناسية» لعبد الغني صدوق، و«مايكيلا» لسليم بن عمارة. كذلك، صدرت «العاشقان الخجولان» عن «دار الحبر» في الجزائر بالاشتراك مع داري «صفصافة» المصرية و«الكتاب» التونسية. ومن أبرز الكتب الصادرة بالفرنسية عن منشورات Apic عمل عبد اللطيف رباح «الجزائر ما بعد الحراك إلى غزو المستقبل». وللكاتب محمد عبد الله، أصدرت الدار كتاب «قالت الريح اسمها». كذلك أصدرت الدار عمل الروائي المالي إبراهيما آيا «بلاد الكسوف». وعن منشورات «القصبة»، صدرت رواية جديدة للكاتب ياسمينة خضرا بعنوان Pour L'amour D'Elena وهي رواية تستند إلى قصة حب حقيقيّة تقع أحداثها في المكسيك. كذلك، أصدرت الكاتبة والمترجمة أمل بوشارب، المقيمة في إيطاليا، عملها الروائي «في البدء كانت الكلمة» (دار الشهاب)، وكذلك أطلقت مجلة «أرابيسك» التي تُعنى بالأدب العربي. وعن منشورات «الشهاب» أيضاً، صدرت مذكّرات عمار قرفي (1935-2021) بعنوان «عمار قرفي المدعو حميد من المقاومة المسلحة إلى جبال الولاية الأولى». وكان قرفي أحد المناضلين الذين انضموا مطلع الخمسينيات إلى صفوف جيش التحرير الوطني، فاعتُقل عام 1957 وعُذّب في سجن لمبيز وأطلق سراحه عام 1961. وتحت عنوان «فطيمة بنت النهر» (منشورات داليمان)، صدر كتاب القصص المصورة للرسام والمؤلّف بن يوسف عباس كبير، الذي قدّمه أيضاً كشريط في «مهرجان الجزائر الدولي الثالث عشر للشريط المرسوم (فيبدا)» الذي عُقد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ويحكي قصة أصغر شهيدة في تظاهرات 17 أكتوبر 1961 في باريس، قُتلت على يد البوليس الفرنسي وعثر على جثّتها في نهر السين إلى جانب مئات الشهداء الذين ألقوا في النهر.
في السياق نفسه، شهد عام 2021 إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ما أطلق عليه «مصالحة الذاكرة» مع الجزائر، لكن يبدو أنها مصالحة مشروطة بعدم الاعتذار، معتمداً على سياسة «الخطوات الصغيرة» التي دعا إليها المؤرخ الليبرالي بنيامين ستورا، إذ قدّم اثنين وعشرين اقتراحاً حول هذه المصالحة من بينها ما يتعلّق بالأرشيف الجزائري، وقد أعلنت وزارة الثقافة الفرنسية في آذار (مارس) الماضي نيّتها فتح الأرشيف القضائي الفرنسي الذي يخص ثورة التحرير في الجزائر (1954-1962)، إضافة إلى وثائق سرية من الثلاثينيّات والأربعينيات. الأرشيف لم يُفتح إلى الآن، لكن الكتابات التي ظهرت عنه من قبل مثقّفين جزائريّين أثارت النقاش حوله وحول ما قد يُفضي إليه من مواجهات ومشكلات، من ذلك كونه يظل الأرشيف الذي «كُتب من طرف مؤرّخين وموظّفين وضباط استعماريّين بعقلية الهيمنة تجاه المحليّين» كما يذكر الأكاديمي المتخصّص في الحقبة الاستعمارية في «جامعة نيو إنغلاند» علي عبد اللطيف أحميدة في إحدى المقابلات معه، لافتاً إلى ضرورة توثيق الأرشيف الشفوي الجزائري ودوره في هذه الحالة. وإن كان العام انتهى بفوز المنتخب الجزائري على نظيره المغربي في مباراة كرة قدم تلت التوتر السياسي بين البلدين وقطع الجزائر العلاقات مع المغرب، فقد رفض 240 مثقفاً وأكاديمياً جزائرياً ومغربياً ـــ في بيان بعنوان «العودة إلى العقل» ــــ هذه الأوضاع «التي تؤدّي إلى مواجهة غير طبيعية، ولا يمكن أن تكون إلا إنكاراً للتاريخ العميق للمنطقة ولجوهره». في سياق آخر، وضمن مشروع تمكين الثقافة الأمازيغية في البلاد، المتواصل منذ إدراجها لغة رسمية في الدستور عام 2016، قدم العرض الأول لفيلم «اسبسي دو عكاز» في مناسبة مرور 104 عاماً على ذكرى ميلاد الكاتب الجزائري مولود معمري. الفيلم الذي جرت دبلجته إلى اللغة الأمازيغية هو في الأصل «الأفيون والعصا» للمخرج أحمد راشدي الذي عرض للمرة الأولى عام 1971 مقتبساً عن رواية للمعمري تحمل العنوان نفسه. كما أعلنت وزارة الثقافة الجزائرية عن عملها على دبلجة فيلم «الرسالة» لمصطفى العقاد إلى الأمازيغية. ومن أبرز الأحداث السينمائية المحلية، تقديم العروض الأولى من أفلام «صليحة» للمخرج محمد صحراوي، و«أبو ليلى» للمخرج أمين سيدي بومدين، و«الحياة ما بعد» لأنيس جعاد. كذلك عُرض فيلمان من إنتاج 2020 في ولايات مختلفة؛ الأول «الموسم الخامس» لأحمد بن كاملة، والثاني «هيليوبوليس» لجعفر قاسم. كما شهد العام المنصرم تنظيم أول منتدى للاقتصاد الثقافي تشارك فيه القطاعان العام والخاص. وقد أُعلن عن قرارات تخصّ صناعة السينما الجزائرية، منها إطلاق مشروع المدينة السينمائية في ولاية تيميمون، وإنشاء مدرسة للتكوين السينمائي في قسنطينة وأكاديمية فنون سينمائية في تيزي وزو، ومنصة رقمية لتوزيع الإنتاج السينمائي. وخلال النصف الثاني من 2021، تواصلت المهرجانات والصالونات المحليّة، فأقيمت «أيام مسرح الجنوب»، و«الصالون الوطني للفنون التشكيلية» في وهران وتلمسان، والفعاليات الموسيقية، ومهرجانات الأفلام القصيرة في عنابة وقسنطينة. واللافت أن العديد من هذه الأفلام تناول الشباب وحراك 22 فبراير.
لم يخل العام الجزائري من الأحداث القاتمة، آخرها حرق الموسيقي جمال بن اسماعيل الذي سافر إلى ولاية تيزي وزو للمساعدة في إخماد الحرائق التي انتشرت في الغابات وأهلكت أكثر من خمسة آلاف هكتار من الغابات بأشجارها وحيواناتها. انتهى الأمر إلى أن أضرمت مجموعة من الأشخاص النار في جمال بن إسماعيل حياً، ظناً منهم أنه ممن ساهموا في إشعال الحريق. رحيل «جيمي» على هذا النحو المفجع جعل منه بطلاً لعدد من أغاني الراب والكتابات والنصوص. ومن الأحداث التي مسّت المشهد الثقافي، رحيل الكاتب والروائي مرزاق بقطاش (1945-2021) صاحب «دم الغزل» وغيرها من الأعمال الروائية والنقدية كعمله «الكتابة قفزة في الظلام»، والمفكر والكاتب والخبير البيئي الفرنسي من أصول جزائرية بيار رابحي (1938-2021). وفقدت الموسيقى الجزائرية أحد أعرق أصواتها الفنان رابح درياسة (1934-2021) صاحب «نجمة قطبية» و«أنا جزائري»، و«يحيا أولاد بلادي»، و«الممرضة»، وكذلك الفنانة سلوى (1935-2021) التي لطالما حمل صوتها التراث الجزائري والغناء الأندلسي.