فتيانٌ بعمر المراهقة، تجمعُهم صداقةٌ غريبة، حتى يكاد المشاهد يظنُّ بأنهم أشقّاء. يجمعُهم الفضول وحبُّ المعرفة، يجمعهم شغفُ صناعةِ الطائرات وشغفُ أمورٍ أخرى يلتقونَ عندَها، أحياناً من دونَ علمِ أمّهاتهم. تجتمعُ طاقاتُهم المندفعة كل يوم، ويستحيلُ الفضولُ في عيونهم احتفالاً بنجاحٍ محتوم.مهدي، الولدُ الأكثر شجاعةً وجرأةً بينهم. قائدُهم بشكلٍ أو بآخر. يغيبُ والدُه فتراتٍ طويلةً نسبياً، ولا يعودُ قبلَ أن يستويَ الاشتياقُ في قلبِ مهدي همّاً ويستحيلَ حزناً يعتري كيانَه الصغير، فنراهُ بين الحين والآخر يدخل غرفته ولا يخرجُ منها إلا وأثرُ الدمعِ على وجنتَيه السمراوين بعد أن يكونُ قد شاهدَ مقطعاً مصوّراً أرسلَه له والدُه من ذلك المكان المحفوف بأصوات الموت ورائحة الدم وخيالِ الإرهاب. يبكي مهدي كثيراً من دون أن يراهُ أحد. لكنّه رجلُ البيت الصغير، بوجود أمّه - المرأة التي يظهر القلَقُ والتعبُ في ملامحِها – التي لا تعرف، هل هي التي ترعاه، أم هو! في أيّ حال، مهدي رجلٌ صغير.. والرجال لا يبكون.
في مكانٍ على مقربةٍ من مسجدٍ متواضعٍ جداً في المنطقة، كوخٌ خشبيٌّ صنعَه مهدي وصديقاه بإشراف أبيه والصديق المشترك الشاب حامد، الذي يغيبُ فتراتٍ كذلك ليأتيَ بأنباءٍ عن الأب مصطفى. يتعلمون من حامد الشجاعة والإقدام والقوة. صنعوا الكوخَ بالقطع الخشبية قطعةً قطعة، فاستغرقَ بناؤه سنواتٍ حتى اكتملت تفاصيلُه اليدوية. يلتقونَ جميعاً فيه، يعطيهم حامد دروساً في الفيزياء والرياضيات لكي يتقنوا صناعة الطيران بحرفيةٍ عالية، ليتمكنوا من الحصول على طائرةٍ يمكن التحكم بها عن بُعد. الأمرُ يتعلّقُ بمسابقةٍ عليهم أن يشاركوا فيها ويفوزوا.
الرجلُ المترف «خاني» يمشي بموكبٍ من السيارات الموحدة في الشكل، والتي تسيرُ خلفه، يتوجهون كل يومٍ إلى أراضي مزرعةٍ قريبةٍ في المنطقة، يحاولونَ شراءَها تحت ذريعة أنها أرض تصنّف بالخطيرة نظراً إلى وجود عددٍ من فصيلة «الفهد الإيراني» الذي يهدد سكان المنطقة. الرجل غير مرغوبٍ به من عائلة مهدي ورفاقه، فهو غير مريح بالنسبة إليهم وغامض يمارسُ أموراً غير قانونيّة.
يلتقي مهدي ورفيقاه كل يومٍ بالرجل «خاني» ويعتريه الفضول، فهو لم يرَ في حياته الفهد الإيراني في المنطقة. ثم بعد محاولاتٍ عدة تحيطُ بها أجواءُ المغامرة وحسّ الفضول، يفلحُ الثلاثةُ في صناعةِ طائرة مسيّرة بالكرتون والورق ويقومون بتسييرها بجهاز التحكم ويضعون فيها عدسة تصوير. حلّقت الطائرة بنجاح، وبمحضِ صدفةٍ مقدّرة، التقطت مشاهد لموكب «خاني» وعددٍ من الرجال يفتحونَ غطاءَ قفصٍ كبيرٍ ليخرجوا منه فهدًا من الفصيلة الإيرانية النادرة ويطلقوه في القرية. يذهل المشهد الفتيان الثلاثة، وفي غياب حامد ومصطفى، يقررون اكتشاف اللغز لوحدهم. فما الذي يفعله هؤلاء هنا؟ وما الذي يريدونه؟ يحتارُ المشاهدُ أولًا حول غايات هذه الشخصية، حتى تتضح الأمور عندما يقرر مهدي ورفيقاه اللحاق به يوماً لمعرفة السرّ. وهناك يصلون إلى موقع الفهد ليجدوا لحوماً يغذون بها الفهود التي يطلقونها في المنطقة، ومنزلاً مهجوراً فيه يافطات كتب عليها منطقة خطر- وجود فهد إيراني هنا، إضافةً إلى خرائط حددت فيها نقاطٌ معينة وكتب عليها بلغةٍ غريبة، يدرك المشاهد في النهاية بأنها العبرية.
في قراءةٍ سريعة وكليّة للمشهد، يجدُ المشاهد أنّ رمزية المشاهد تحاكي مدلولاتٍ شتّى في منظومة القيم الإيرانية والإنسانية عموماً، حيث يشعر المتلقّي بأنّه كان ليسلكَ السلوكَ ذاتَه لو قُدّرَ له مواجهة الظروف ذاتِها. العبر المشتركة تنضوي تحت عناوين كلية مثل: حبّ الوطن والأرض والدفاع عنهما، مقاومة الفاسد والمغتصب، التضحية والإيثار بالنفس، محاربة الإرهاب والتكفير، أهمية المضيّ في مسيرة التقدّم العلميّ والتقنيّ للبلاد، حماية الحيوانات ذات الفصائل النادرة في الوطن (الفهد الإيراني)، غرس الطموح في نفوس الجيل الجديد في العلم والأخلاق والإيمان ومعانٍ سامية متعالية كثيرة تلامسُ وجدان المشاهد في لحظاتٍ حاسمة يواجهُها أبطالُ الفيلم. أمّا ما يختلفُ به الفيلم عن أشباهه من الأفلام والموضوعات، فهو عنصر الإيحاء في إيصال المفاهيم والأفكار. وهذا إنما يعكس ذكاء المخرج وإحاطتَه بسيكولوجية المراهق المتمرد الذي ينفرُ من كلّ ما يحملُ حالةَ التلقين والوعظ والإرشاد.
هذا الفيلم مفتوحُ الدلالات، متعددُ المعاني متشابكُ الرموز، فيه الكثير من التمثّلات غير المباشرة، ما يحيلُ المشاهد الشاب على اللجوء إلى الاطلاع ومراجعة مخزونه الثقافي والعلمي من أجل فكّ شيفرات الأحداث.
«منطقة حظر الطيران» للكاتب والمخرج أمير داسارغر، قصةٌ تحاكي شريحةَ المراهقين بشكلٍ خاص، لكنّه يعيدُ نبضَ القيم والإيمان في دماءِ الكبار والصغار من كل الأعمار. ويهمُّ داسارغر كما عبّر في أكثر من لقاء، أن يعرفَ ما الذي تلقّاه المراهقون والشباب من معاني هذا الفيلم على وجه الخصوص.
في المشهد الأخير، يتلقّى مهدي اتصالًا من أبيه مصطفى. يصرخُ بفرح: إنني قادم، الويلُ لكم إن لم تنجح طائرتُكم وتفوزوا في المسابقة!